والدها الكاثوليكي ذهب ليعتنق دين زوجته اليهودية فاهتدى بالمسجد وصار مسلما فحج وزار الدول العربية
«باتريشا أركيت» تقود حملة لإنصاف نجمات هوليوود في الأجور لـ «القدس العربي»: والدي علمنا أن الإسلام دين سلام وتسامح
حسام عاصي
November 11, 2015
لوس أنجليس – «القدس العربي»: عادة عندما ألتقي بنجم هوليوودي في المناسبات والحفلات نتحدث لمدة دقائق أو عشرات الدقائق، ولكن عندما التقيت لأول مرة بالنجمة الهوليوودية باتريشا أركيت العام الماضي في حفل فيلمها «الصبا»، الذي تناول نمو طفل من الثامنة حتى السادسة عشرة من عمره، وتم تصويره عبر 12 عاما، طال حديثنا أكثر من ساعتين، وذلك لأنها كانت توّد أن تحدثني عن رحلاتها في الشرق الأوسط، بعد أن عرفت أنني فلسطيني. ودُهشت عندما أخبرتني أن والدها كان مسلما من الشرق الأوسط. سألتها مستغربا: «لا، هو أمريكي أبيض وُلد كاثوليكيا في شيكاغوا»، ردت مبتسمة قبل أن تشرع في سرد قصة اعتناقه للإسلام الطريفة.
أركيت الأب، لويس أركيت، لم يكن متدينا، ولم يكن متمسكا بكاثوليكيته، ولهذا عندما طلبت منه زوجته اليهودية، أم أركيت بريندا وليفيا، عام 1972 أن يعتنق اليهودية وافق على التو، وذهب يبحث عن كنيس لكي يؤدي المهمة، ولكن بحثه قاده الى مسجد، بدلا من كنيس، لأنه لم يكن يميز بين الاثنين.
وأعلن إسلامه بعد قضاء بعض الساعات مع إمام المسجد. زوجته صُدمت عندما عاد اليها مفعما بالبهجة وأخبرها بأنه اعتنق دينا جديدا، وحاولت أن تقنعه بالذهاب الى كنيس ليعتنق اليهودية، ولكن بدون جدوى. لويس صار يزور المسجد بانتظام لأداء الصلاة وغاص في عالم الإسلام تاريخا وحضارة وفي عام 1983 سافر الى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.
كما أنه أخذ اطفاله الخمسة، الذين تمسكوا بكاثوليكيتهم، الى الشرق الأوسط ليتعرفوا على تاريخ ومصدر الديانات الثلاث، بداية بالقدس، حيث أدوا الصلاة في المسجد الاقصى، وفي كنيسة القيامة وأمام حائط المبكى، ثم الى الأردن حيث زاروا البتراء ومصر وسوريا ولبنان: «والدي لم يفرض علينا دينه، ولكنه أراد أن نتعرف على كل الديانات والحضارات ونحترمها، لهذا كان يأخذنا الى رحلات ثقافية لكي نعمق فهمنا لمجتمعات أخرى وأن نساعد غيرنا من الناس».
فعلا، فعندما صعدت الى المنصة لاستلام جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة التي فازت بها عن دورها في فيلم «الصبا» في حفل جوائز أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة بداية هذا العام، لم تلق خطابا انفعاليا تشكر فيه كل من ساهم في دعم مهنتها من أقارب وزملاء، كما يفعل غيرها من الفائزين، ولكنها كرّست تلك اللحظة للمطالبة بمساواة الإجور بين النساء والرجال في خطاب حماسي أثار مشاعر حضور حفل الأوسكار ومئات ملايين المشاهدين من أقطار العالم. ومنذ ذلك الحين باتت أركيت مصدر إلهام للنساء ورمزا لنضالهن من أجل الحرية والمساواة.
وفي مقابلة أجريتها معها قبل أيام في فندق «فور سيزينس» في «بيفرلي هيلز»، كشفت لي أركيت (47 عاما) أنها كانت متوترة جدا عندما ألقت الخطاب: «كما تعلم هناك القوانين المكتوبة وغير المكتوبة التي تمنعك من أن تكون سياسيا هنا، ولكن الحقيقة هي أنني كنت استلم جائزة عن لعب دور امرأة التي تعني حياتها كثيرا للناس وخاصة للمخرج ريتشارد لنكلاتر، الذي تربى على يد أم عازبة»، تقول أركيت. تلك الإمرأة هي أوليفيا ايفانز التي تطلق زوجها (ايثان هوك) وتربي طفليها لوحدها من الطفولة الى المراهقة عبر 12 سنة، تواجه فيها تحديات ومصاعب اجتماعية ومادية في جهدها لتوفير احتياجاتهم وتأمين سكن لهم، وخاصة أن والدهما لم يكن يساعدها ماديا لأنه كان دائما عاطلا عن العمل، ولهذا كان عليها أن تعمل في النهار وترعى أطفالها في الليل. ولكن كون اجرها أقل بنسبة 25٪ من أجور الرجال اجبرها بان تقوم بأكثر من وظيفة واحدة.
«تخيل كيف كانت تختلف حياتها لو كسبت 22 سنتا لكل دولار؟»، تتساءل أركيت متحمسة: «هذه نسبة كبيرة من المال لو حصلت عيلها لخففت العبء عنها وحسّنت وضع أطفالها كثيرا». وهذا يعكس واقع الأمهات العازبات في أمريكا وخاصة في مجمتع الأفارقة الأمريكيين حيث يُربى 70 ٪ من الأطفال على يد أمهات عازبات وصلت اجورهن هذا العام الى نسبة 60 ٪ من أجور الرجال البيض. ولهذا واحد من كل خمسة أطفال في الولايات المتحدة يعيش تحت مستوى الفقر: «لو كانت النساء تكسب أجورا كاملة لما كانت 33 مليون امرأة وطفل، وهذا عشر سكان الدولة، يعيشون تحت مستوى الفقر، ولهذا قررت أنه لو فزت بجائزة الأوسكار فسوف أستغل تلك اللحظة للحديث عن قضية اختفت عن وجه الخارطة وباتت تزداد خطورة في الحياة اليومية لكثير من الناس، ولهذا أردت أن أساهم في تغيير ذلك. تخيل واحدا من كل خمسة اطفال أمريكيين جائع»!؟ تقول أركيت متفاعلة.
خطاب أركيت في حفل توزيع جوائز الأوسكار جاء بعد تسريب معلومات خلال اختراق شبكة شركة سوني الألكترونية كشفت أن أجر النجمة جينيفر لورنس كان نصف أجور النجوم الذكور في فيلم «أميركان هاسل».
لكنها أركيت تؤكد أن تفاوت الأجور بين الرجال والنساء لا يقتصر على صناعة الأفلام وإنما منتشر في 98 ٪ من المجالات، ولهذا يجب الإستمرار في النضال من أجل تغيير هذا الواقع لأنه مصدر الفقر. وهذا ما تقوم به أركيت نفسها إذ أنها تكرس وقتا في القاء محاضرات في مؤتمرات منظمات نساء وتشارك في اجتماعات مع رجال أعمال ورؤساء شركات وتطالبهم بمقارنة أجور الجنسين في حسابات شركاتهم لأنهم غالبا لا يدركون وجود تفاوت في الأجور بين الرجال والنساء: «الكثير من الناس لا يدركون أن هناك انحيازا غير واع، ولكن يوجد هناك ايضا انحياز متعمد»، توضح أركيت، محملة مسؤولية هذا الأمر على عاتق صانعي القانون، لأن هذه ليست قضية نساء وحسب وإنما قضية أطفال لأن 30٪ من النساء تساهم في دخل عائلاتهن، فضلا عن الأمهات العازبات اللواتي يقمن برعاية أطفالهن لوحدهن.
جهود أركيت في تحقيق المساواة بين الرجال والنساء لم تذهب عبثا، بل ساهمت في تعجيل اصدار قانون مساواة بين الرجال والنساء لأول مرة في ولاية كاليفورنيا في بداية الشهر الماضي، قدمه حاكم الولاية جيري براون والسيناتورة هانا بيث جاكسون: «الآن الشركات الضخمة تستأجر مستشارين ومحامين خوفا من الدعوات التي ستنهال عليهم من قبل موظفاتهم التي تكسب أقل أجر من زملائهن الذكور»، تقول أركيت. ولكن من جهة أخرى، هذا القانون سوف يدفع كثيرا من الشركات على النزوح من كاليفورنيا واللجوء الى ولايات أخرى خوفا من عواقب تلك الدعوات، مما سيؤدي الى ضياع وظائف رجال ونساء بدلا من تخفيف عبء الفقر عن النساء: «مع الزمن علينا أن نعدل هذا القانون»، تعترف أركيت. «ولكن آمل أن هذا التطور سوف يشعل حملة وطنية لتحقيق المساواة في أنحاء الولايات المتحدة».
المشكلة هي أن هناك جمعيات نساء قوية في الولايات المتحدة تعارض مساواة الحقوق بين الرجل والمرأة، خشية خسارة الميزات والمعونات التي تتمتع بها النساء مثل عطلة الولادة وحق حضانة الأطفال في حالة طلاق ونفقة الزوجة المطلقة وغيرها. وهذا ما حث محكمة العدل العليا في الولايات المتحدة على رفض قضية موظفات شركة «وولمارت»، التي طالبت بالمساواة مع الموظفين الرجال، مشيرة الى أن ما يطالبن به لا يحمي النساء من عدم المساواة.
«هناك عواقب وخيمة لهذه القرارت»، تعلق أركيت. «لأن المشكلة ليست مساواة الأجور وحسب. النساء تواجه تحديات عصيبة اخرى مثل تجارة الجنس، حيث معدل جيل الفتيات الضحايا 12 عاما. ولكن القانون لا يعري اهتماما بهذا الموضوع اذ أن ميزانية مكافحة هذه التجارة أقل بكثير من ميزانية مكافحة المخدرات على سبيل المثال. هل ذلك لأن الضحايا فتيات؟»، تتساءل أركيت.
ترعرت في عائلة ممثلين وفنانين، ففضلا عن أبيها الممثل وأمها الفنانة، أخوتها الخمسة يمارسون التمثيل أو الموسيقى. وبدأت مسيرتها المهنية عام 1987 في في أداء دور في الفيلم التلفزيوني «دادي». ولكنها اشتهرت بدور الاباما ويتمان في فيلم توني سكوت «عاطفة حقيقية» (1993) الذي تلته بأفلام مهمة اخرى على غرار فيلم تيم بيرتين «ايد وود» (1994) وفيلم دافيد لينتش «لاست هايوي» (1997) وفيلم مارتين سكورسيزي «اخراج الموتى» (1999).
كما أنها حصدت جائزة «الأيمي» عن دورها في المسلسل التلفزيوني «ميديوم» 2005-2009. أما الآن فهي تقوم ببطولة المسلسل التلفزيوني «سي. س. أي- سايبر» الذي تجسد فيه دور ضابطة مباحث تحقق في أعمال اجرامية تُرتكب إلكترونيا عبر الإنترنت.
رغم انشغالها في مهنتها إلا أنها تكد جهدا في مشاريعها الانسانية. فعندما دمرت هزة أرضية جزيرة هاييتي عام 2010، أسست منظمة خيرية لتوفير مياه نقية للضحايا وبناء مساكن لهم. وعندما توفيت أمها بمرض سرطان الثدي عام 1997، أسست مؤتمرا سنويا وهو «سباق العلاج» لتوعية النساء بالمرض، وأصبحت المتحدثة الرسمية لجمعية «لي دينم الوطنية»، التي جمعت ملايين الدولارات من التبرعات لأبحاث مرض سرطان الثدي.
السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يدفع هذه النجمة الهوليوودية الى تكريس وقتها لمساعدة الآخرين في مدينة قلما يكترث أحدا بمشاكل الآخر ويصب جل اهتمامه في اشباع رغباته؟ «والدي علّمني بأن أعبّر عن رأيي للدفاع عن الآخرين وأن اهتم بامور العالم وأساهم في حل مشاكله. كما أنه فهّمني أنه اذا حققت نجاحا في مهنتي كممثلة فعلي أن انظر الى حالة المعيشة في العالم قبل أن انظر الى نفسي»، تقول أركيت.
والدها توفي في العاشر من فبراير/شباط عام 2001 بسكتة قلبية: «أنا مرتاحة أن والدي لم يعش ليشاهد اختطاف دينه وتشويهه على يد المتعصبين، الذين ارتكبوا عملية «11 سبتمبر» 2001 وعمليات الإرهاب الأخرى. أظن هذا الوضع كان سيؤلمه جدا لأنه كان فخورا جدا بالإسلام، وكان دائما يذكرني أن الإسلام دين سلام وتسامح»، تختتم أركيت.
حسام عاصي