السلام على الاعزاء في هذا المنبر الطيب، من اخت غرقت في بحر الهموم وضاعت بين نظرات العيون الممزوجة بالشفقة والحيرة، لأنني تجاوزت الخمسين من العمر ولم أتزوج بعد.
نعم، لقد بلغت العقد الخامس من العمر ولاأزال أنتظر أن يأتيني فارس الأحلام، بل شيخ يتكئ على عصاه ليمضي معي ما تبقى له من أيام، لأن شبابي ضاع ولن أستطيع بأي حال من الأحوال تجسيد تلك الأحلام، فجمالي وعلمي بالإضافة إلى أخلاقي ونسبي العريق لم يلفت انتباه أي كان، فأنا لن أبالغ إذا قلت لكم إخواني القراء أنني أبدا لم أتعرض لمعاكسات الشباب أو نظرات إعجاب مما جعلني أشك في أمري بأن ثمة ما يوقف حالي.
بدأت رحلة البحث عن السراب، فكانت وجهتي الأولى مع الشيوخ أصحاب الحكمة، الذين أجمعوا على وجود السحر الذي عطلني عن الزواج، فكنت أخضع لطلبات هؤلاء مما جعلني أدفع لهم بسخاء.
كنت أطبق تلك الطقوس من بخور وتعليق الأحجبة و"الحروز" في كل مكان، في أعلى الأغصان وتحت الأقدام، وكنت ألقي ببقايا الأعمال في الأودية تارة وفي مفترق الطرقات تارة أخرى استجابة لطلبات أولئك الشيوخ الذين استطاعوا بأكاذيبهم النيل من مالي وجهدي الشيء الكثير.
عندما فقدت الأمل، انسحبت من عالمهم بكل هدوء، لكنني سرعان ما عدت أقلب في الأرجاء بعد ما سمعت عن بعض الرقاة الذين شاع عملهم وذاع، كنت أول السباقين إلى هؤلاء، ولا أخفى عليكم أن الأمور اختلطت علي، لأن كل منهم كان يتحدث بكلام غير الذي يخبرني به الآخر، فمنهم من أرجع تأخر زواجي إلى العين الحاسدة، ومنهم من أرجعه إلى الجن، وآخر إلى السحر، وهكذا قضيت سنوات أخرى ألهث خلف السراب، إلى أن وقعت ضحية جهل راق انهال علي بعصاه فكنت أصرخ، لكنه لم يبال ظنا منه أن الجن هو من كان يصرخ.
أوشك هذا الأخير أن يُكسر ضلوعي لو لم أستطيع التحرر من قبضته.
هذه الحادثة ظلت راسخة في ذهني بعد أن رقدت على فرش المرض جراء تلك الكدمات واللكمات.
إخواني القراء، أنا حزينة، أشعر بخيبة الأمل بعد أن صرفت الملايين ولم يأت النصيب، فهل أخطأت لأنني تدخلت في شؤون الغيب، أم كان لزاما علي السعي لأحقق المطلوب. ساعدوني أرجوكم، فحالتي حقا يرثى لها.