يقول أرسطو (إن الزمن يحل كل المشاكل ويجعلها قديمة)
ولكن هل يطبق جميع الناس هذه المقولة، أو أنها تنطبق على بعض الناس
الذين ستظل بعض المشاكل عالقة معهم
حتى نهاية العمر، مهما تغير الزمان، وتغيرت الأمكنة.
أقصد بالمشاكل ليست مشاكلهم الخاصة
ولكن مشاكلهم مع الآخرين أو بشكل أكثر دقة خلافهم مع الآخرين
سواء كان هذا الخلاف صغيراً أو كبيراً ،مهماً أو تافهاً، مهماً من وجهة نظره
وتافهاً من وجهة نظر المحايدين، ب معنى ان هذا الشخص يفهم الأمور حسب عقله هو
ويصر على هذا الفهم المحدود، ويغضب إن عاتبه أحد على اعتبار ان طريقة فهمه للأمر
هي التي خلقت المشكلة، وان الموضوع مختلف تماماً عما فهمه أو استوعبه بطريقته الخاصة
وعندما يثور أو يغضب تعتقد ان ثورته هذه مؤقتة، ولكن تفاجأ باستمراريتها
ان لم تكن شهراً فعاماً وقد تستمر أعواماً دون مبرر سوى طريقة الفهم الخاصة.
طوال هذه الفترة يكرهك هذا الشخص لا تعرف لماذا؟
وما الأسباب؟ ولا تدقق في معرفتها لأنه لا يعنيك في الأصل
ولأن الخلاف كان اعتيادياً ولا يستوجب ذلك.
بمرور الوقت يكتشف آخرون أنهم مكروهون من هذا الشخص
الذي يعشق الاختلاف مع الآخرين
واختلاق العداوات. أتذكر ان صديقة قالت لي
إن فلانة تكره فلانة، وفلانة، وفلانة، وفلانة، وعندما سألتها لماذا؟
قالت إنها تسعى الى تجميع عداوات
ولا يمكنها أنتظل هكذا تجمع الصديقات
فهي ان عجزت تماماً عن ابراز كرهها
لإحدى الموجودات ممن اختلفت معهن علناً أو غياباً
فإنها تبحث عن الجديد، وفي نفس الوقت تصر على ابراز
حدود هذه الكراهية اللامتناهية للآخر
من خلال السلوك إما الفردي الملموس، أو المعنوي.
هذه حالة ليست خاصة فمثلها كثيرون يبددون العمر كله في الكراهية
حتى وان لم يتبادلها معهم أحد، وقد يقول قائل لماذا لا يعلمهم أحد ان العمر قصير
ولا يحتاج كل هذا التبديد، تجد الآخرين يضحكون بأنهم يعرفون كل شيء
ولكنهم حريصون على هذه الصورة (أن تكره كثيراً أفضل من أن تحب كثيراً).
روعة الحياة أنها قصيرة ومحدودة ولا تستحق أن نعبرها بالأحقاد والسموم والكره
بدلاً من ان نعبرها بالحب، الذي يجعلها أجمل وأروع وأكثر هدوءاً وراحة.
كما ان الاسلام دين التسامح والمحبة والمودة والصفاء والابتسامة والكلمة الطيبة
التي يتجاهلها الكثيرون المصابون بداء الكره
ويستبدلونها ب الكآبة، والتكشير وتجاهل الآخرين،
ونشر البغضاء دون أن يكون هناك مبرر لها.
يعيش الانسان ل يسعد ويسعد غيره، ويموت
تاركاً أثراً طيباً وسمعة جيدة للآخرين
يتذكرونه بها هل يعي مثل هؤلاء ذلك؟
من يكره يرَ كل الصور قبيحة ومتردية، حتى وإن كان بها جوانب جمال
يفتقد الى الموضوعية في حكمه حتى وإن كان فيمن يحكم عليه شيئاً جيداً
قد يراه هو رديئاً وسبئاً ولا يرى فيه ما يستحق أن يُنظر اليه
ف جوانبه كلها سيئة وغير قابلة للمناقشة.
من يكره يبدُ قلقاً دائماً مضطرباً، غير مستقر نفسياً
لأن الكراهية كما يقول أحد الفلاسفة هي التلوث المستمر للفكر.
عندما تذهب الى أحد الأماكن وتجد شخصاً تكرهه ماذا يكون شعورك؟
وكيف ستتصرف في المكان
وانت تشعر بأنه يجثم على صدرك، وان المكان على اتساعه يضيق بك وبه؟
هل سوف تستفزه، أم تغادر المكان، أم تتجاهله
بينما أنت تشعر بوجوده دون جميع الحضور؟
في كل الحالات مهما كان رد فعلك فالمتضرر الأكثر أنت.
كره شخص واحد يجعلك مكتئباً
إذا فكرت انك سوف تلتقيه، أو تجلس معه في مكان واحد
ف كيف ب من يكره أغلب الناس ويريدهم
ان يكونوا إما مكروهين او على هواه او كما يريد؟
من يكره الناس يكره الطبيعة والجمال والحياة والهواء وكل شيء
فالكره جماعي ليس فقط كره البشر للذين هم في الاصل جزء من الحياة.
الكره وعدم النسيان كارثة لمن يتعايش معهما
لأنه مهما كانت تأثيراته على المكروه الهامشي
إلا أن تعايش الكاره معها مدى الحياة
يعني انه لم يعرف معنى الحياة الحقيقي ولم يصل اليه.