قصيدة لابن الفارض
من الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن)
€€€€€€€€€€€€€€€€ €€€€€
هو الحبُّ فاسْلَمْ بالحَشا ما الهوى سَهْلُ |
€€€€€€€€€€€€€€€€ €€€
فما اختــــارَهُ مُضنىً بهِ ولـهُ عَقْلُ |
وعِــشْ خَـاليـاً فالحُــبُّ راحتــُهُ عَنـَاً |
وأولـُـــهُ سُقـْــــــمٌ وآخــــرُه قَـتــْـلُ |
ولكــن لـــديّ المـوتُ فيـه صبــــابـةً |
حيــاةٌ لمنْ أهوى عليّ بهــا الفضلُ |
نصحــتـُــكَ علماً بالهوى والذي أرى |
مُخالـَفـَتي فاخــترْ لنفســـك ما يَحلو |
فإن شئتَ أن تحيـا سعيــدا فمـُـتْ به |
شهيــــدا وإلا فالغــــرامُ لـه أَهـــلُ |
فمــنْ لم يمـت في حبِّـه لـم يَعِـشْ به |
ودون اجتناء النَحلِ ما جَنـَتِ النَّحلُ |
وقــــل لقتيـلِ الحــبّ وَفـّيْــتَ حقـــَّـه |
وللمُدعــي هيهــاتَ ما الكَحَلُ الكُحْلُ |
تَعــرّضَ قـومٌ للغــرام وأعـــرضـوا |
بجــانبِهــم عــن صحتي فيه فاعتلـّوا |
رضـُـوا بالأماني وابْتُلوا بحظوظِهِمْ |
وخاضُوا بحارَ الحبّ دَعوىً فما ابْتُلوا |
فهم في السُّرى لم يَبرحوا من مَكانِهم |
ومــا ظعـنوا في السيرِ عنه وقد كَلّوا |
وعن مذهبي لما استحبوا العمى على الـ |
ـهدى حســدا مــن عند أنفسهم ضلوا |
أحبـّـــةََ قلبـــي والمحبـّــةُ شـــــــافـعـي |
لديـكم إذا شئتـمْ بهـا اتّصــل الحَبْــلُ |
عســـى عطفــــةٌ منـــكم علـيّ بنظــرةٍ |
فقـــد تَعبـــتْ بيني وبينـَـكمُ الرُسْــلُ |
أحبـــايَ أنتـــمْ أحْسَـــنَ الدهــرُ أم أسا |
فكونـــوا كمــا شئتــمْ أنا ذلك الخِلُّ |
إذا كان حَظــي الهَجْرَ مِنكمْ ولــم يَكنْ |
بِعادٌ فذاك الهجرُ عندي هو الوَصلُ |
وما الصــدّ إلا الوُدُّ مـــا لم يَكـنْ قِلَىً |
وأصعبُ شيءٍ غيرَ أعراضِكمْ سَهلُ |
وتعذيبـــكمْ عَـــذْبٌ لــــدي وجــوركمْ |
علــيّ بمــا يَقضي الهـوى لكمُ عَدْلُ |
وصـبـريَ صــبرٌ عَنكـــــمُ وعليـكــمُ |
أرى أبـــداً عنــدي مرارتـَــه تَحلو |
أخذتمْ فؤادي وهـو بعضي فمــا الذي |
يَضــــرّكمُ لـو كان عنــــدكمُ الكلُ |
نأيتــــم فغـيرَ الدمـــــع لم أرَ وافيــــاً |
سوى زفرةٍ من حَرّ نارِ الجوى تغلو |
فسُهـــــدي حــيّ في جفــوني مخلّــدٌ |
ونَومـــي بهـا مَيتٌ ودمعي له غُسْلُ |
هوى طَلّ ما بين الطلــولِ دمي فمِن |
جفوني جَرى بالسَّفْحِ من سَفْحِهِ وَبْلُ |
تـَبَـــالــَهَ قوْمــي إذ رأوْنـــي مـُتيـّمــا |
وقالـــوا بمـن هذا الفتى مسّه الخبلُ |
ومــاذا عســـى عني يُقـالُ سوى غدا |
بِنـُعْــمٍ لَهُ شُغـْـلٌ نَعَـمْ لي بها شُغـْـلُ |
إذا أنـْعَمـــتْ نـُعـْــمٌ علــيّ بِنـَظـــرةٍ |
فلا أَسعدتْ سُعدى ولا أَجْملتْ جُمْلٌ |
وقــدْ علمـــوا أني قَتيــلُ لِحــــاظـِها |
فــإن لهــا فــي كل جــارحةٍ نَصْـلُ |
حـــديثي قديمٌ فـــي هـــواها ومـا له |
كمـــا عَلِمـَـتْ بَعـْــدٌ وليـسَ لها قَبْلُ |
ومــا لي مِثـْـلٌ في غـَرامي بهـا كما |
غـَـدَتْ فِتـْنـَةً في حُسْـنها ما لها مِثْلُ |
ولــي هِمـّــةٌ تَعلــو إذا ما ذكـرْتـُهــا |
وروحٌ بذكـراها إذا رَخُصــتْ تـَغلو |
جَرى حُبّها مَجرى دمي في مَفاصلي |
فأصبح لي عــن كل شُغْلٍ بها شُغلُ |
وفي حبــِّها بِعْــتُ السعــادةَ بالشـقـا |
ضـلالا وعقلي عـن هدايَ بهِ عَقلُ |
وقلــــت لرُشـدي والتنسـُّـكِ والتـُّقى |
تَخلُوا ومــا بيني وبين الهوى خَلُّوا |
وفرّغت قلبي عن وجوديَ مُخلصا |
لعلــيَ في شُغـلي بها معهــا أخلــو |
ومن أجلِهـا أسعى لمـن بيننا سعى |
وأعــدو ولا أغــدو لمن دأبُهُ العَذْلُ |
فأرتـــاحُ للواشـــينَ بَينـي وبينـهــا |
لتعلــمَ مــا أَلقــى ومــا عنـدها جَهْلُ |
وأصبـُوا إلى العـُـذّالِ حـُبـا لذكرها |
كأنهــم مـا بيننا فــي الهــوى رُسْـلُ |
فإن حدّثـــوا عنهـــا فكُلي مَسامعٌ |
وكـُـلـّيَ إن حَدّثـتـُهــمْ ألســـنٌ تـَتـلـو |
تخــالفـــتِ الأقـــوالُ فينـــا تبايُـنـا |
بــرَجــمِ ظنــونٍ بيننا مـا لها أصـلُ |
فشنـّعَ قــومٌ بالوصـالِ ولــمْ تـَصِلْ |
وأرْجَــف بالسلــوانِ قـومٌ ولـم أَسْـلُ |
فما صَدَقَ التشنيعُ عنهـــا لِشَقوتي |
وقــد كَذَبَــتْ عـني الأراجيفُ والنُقْلُ |
وكيفَ أُرجّي وَصْلَ من لو تَصوّرتْ |
حِماها المُنى وَهْماً لضاقتْ بها السُبْلُ |
وإن وَعَـدَتْ لم يَلحـــقِ الفِعـلُ قَولهــا |
وإن أوعـــدتْ بالقــولِ يَسبِقـُهُ الفِعْـلُ |
عديني بوَصــلٍ وامْطـُـلي بِنَجـــــازه |
فعندي إذا صحّ الهـوى حَسُنَ المَطْـلُ |
وحـرمةِ عهــــد بينَنـَا عنــــهُ لـم أَحُلْ |
وعـِقـْــدٍ بأيـدٍ بينـَنـا مـــا لــــه حـَـلُّ |
لأنْتِ على غَيْظِ النوى ورضى الهوى |
لـــدي وقلبــي ســاعةً مِنـكِ ما يَخلو |
تـُرى مُقلتي يوماً تــَـرى من أُحبــّهــم |
ويَعـتـبـُـني دَهْـري ويَجتمعُ الشـَّـمْـلُ |
ومـــا بَرِحــوا مَعنىً أراهمْ معــي فإن |
نأوا صورةً فـي الذهنِ قامَ لهم شَكْلُ |
فهم نُصْبُ عيني ظاهرا حيثما سَرَوا |
وهُــمْ فـي فـؤادي باطنـا أينمــا حَلُّوا |
لهــم أبــدا منــي حُنـُـوٌّ وإن جـَـفـَوْا |
ولــي أبــــدا مَيْـلٌ إليهـمْ وإن مَلـُّــوا
منقووول للفائدة |