بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
أخذ الإمام زين العابدين (ع) على عاتقه العمل الجهادي لنهضة الأمّة علمياً وتوعوياً وأخلاقياً وفقهياً وإيمانياً, فكان بحق زين العابدين وسيد الساجدين والمؤسس الأول للنهضة العلمية في الأمة الإسلامية, وبالتالي إنعكاساتها على النهضة العلمية العالمية. فكان هو المؤسس الأول للحوزات العلمية وحلقات التدريس ورواية الحديث وتدريس الأحكام الفقهية والأخلاقية, وهو الطبيب والمطهّر الأول لأرواح المؤمنين في كلّ زمان ومكان بصحيفته السجادية.
لقد قام الإمام علي بن الحسين بتعليم الأفراد من كلّ أنحاء الأمة لنشر العلم في ربوعها. فدرّس الحديث وأمر بتدوينه, وعلّم الأحكام الفقهية, وبدأ بتفسير القرآن. فجعل المدينة مقصداً لطلّاب العلم ومناراً لنشر الوعي.
فعمل الإمام زين العابدين على تدوين الحديث, وروايته ونشره, وتعليم الناس بأحكام الإسلام, وتفسير القرآن, ونشر ثقافة الإحساس بالمسؤولية عن طريق رسالة الحقوق. وعندما يشهد جميع أهل زمانه بعلمه وورعه وروايته للحديث وبأخلاقه, فإن ذلك لا يدل فقط على إثبات هذه الصفات للإمام, بل أيضاً يدل على مدى جده واجتهاده وعمله على تعليم وإصلاح الأمة.
الإمام المربّي
إن غاية الحياة الدنيا هو علاج الأرواح. فالمولى عز وجل خلق الإنسان في أحسن تقويم, قابلاً للصعود أو النزول, وابتلاه بأعماله في الحياة الدنيا. فإما أن تصعد به أعماله الصالحة إلى عليين, أو تهبط به أعماله السيئة إلى أسفل سافلين (إن الأبرار لفي نعيم, وإن الفجار لفي جحيم) – سورة الإنفطار.
وفي الحقيقة فإن جوهر وجود الإنسان هو روحه, وليس البدن المستعار والمؤتمن عليه. وإن المولى عز وجلّ يعالج الإنسان في الدنيا, وأعطاه الفرصة للقرب أو البعد, وللصعود أو النزول (ما أنتم عليه بفاتنين, إلا من هو صال الجحيم) – سورة الصافات. فالمؤمنون يصلون إلى مراتبهم التي رتبهم الله عز وجل فيها في جنّة النعيم, ويخّذل الكافرون والمنافقون إلى منازلهم في درك الجحيم. وما جعلت الدنيا إلا لإظهار بواطن الإنسان فلا يكون للإنسان على الله أي حجة يوم القيامة (فَيَوْمَئِذٍ لّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57)) – سورة الروم.
الدعاء لإصلاح البشرية
إن الدعاء من أفضل الوسائل لإصلاح ما فسد من ضمير وروح ووجدان الإنسان, فيلقنه بشكل سريع ومؤثر القيم الصحيحة والتوبة والعودة إلى الله ومعرفته, ويربيه أخلاقياً. فكان الإمام السجاد كالطبيب الدوار بطبّه وصحيفته السجادية يعالج بها أرواح الناس في كلّ زمان ومكان. فالتربية الروحية والأخلاقية هي أمر أساسي لصلاح البشرية ونهضتها.
إن الدعاء هو مخّ العبادة, لأنه يجعل الأفكار التي تدور في ذهن الإنسان هي أفكار عبادية, ويجعل نظرته للأشياء واستجابته للأمور الخارجية, وقناعاته كلها إيمانية وصالحة. فالدعاء يغير أسلوب الإنسان في التفكير فيصحح معتقداته, ويصحح أفعاله وبالتالي يصلح أمر الإنسان. وإذا صلح الإنسان صلح المجتمع وبالتالي صلح العالم. إنه من الصعب تغيير أسلوب الإنسان في التفكير. فالعلم لا يكفي ليصلح أسلوب تفكير الإنسان. فقد يكون الإنسان عالماً ولكن متهتك. أو قد لا يردع العلم الإنسان عن الظلم والقتل والانتهاكات. بل وقد يستخدم العلم لصناعة الأسلحة الفتّاكة التي تقتل الإنسان.
إحياء الشعور بالمسئولية
إن قتل الإمام الحسين (ع) يدلّ على أن الأمّة الإسلامية لم تتحمّل مسئولياتها, وكذلك يدلّ على أن الأفراد في الأمّة الإسلامية لم يكونوا على درجة كافية من الوعي والإيمان وتحمّل المسئولية. فكان من السهل لبني أمية التلاعب بإرادتهم وخداعهم إعلامياً, أو إرهابهم وتخويفهم, وبالتالي التسلّط عليهم واستغلال ثرواتهم.
لا شيء يصلح ويقوّم الإنسان كالدعاء في الصحيفة السجادية, وتربيته وتحميله للمسئولية كرسالة الحقوق. فالدعاء يصحح أسلوب الإنسان في التفكير فيصحح إرادته. وبمعنى آخر فإن إرادته لا تكون إلا لأفعال صحيحة, فيصلح الإنسان وفعله.
وأما رسالة الحقوق فإنها تجعل الإنسان عنصراً فاعلاً وإيجابياً في الواقع الذي يعيشه, فرسالة الحقوق تصحح وضع الإنسان ضمن منظومته الكونية والاجتماعية. فتجعله حامداً وعابداً لخالقه وشاكراً لكل من له نعمة عليه, ويعطي كلّ ذي حقٍ حقه. فهو ينصف ربه وينصف إمامه, وينصف نفسه من نفسه. وكذلك ينصف كلّ من له علاقة به من والدين أو زوجة وأولاد أو سلطان أو مملوك أو جار أو معلم أو متعلم. وكذلك يؤدي ويحفظ الواجبات التي عليه من صلاة أو صوم أو حج أو صدقات.
فالإمام زين العابدين (ع) عمل على إصلاح الجمهور وتربيته وتعليمه وتحميله لمسئولياته بعد أن عمل الإمام الحسين (ع) على الإصلاح السياسي لأمر الأمّة عن طريق إسقاط شرعية الظالمين. وبما أن الأمة لم تنصر الإمام الحسين (ع) بالشكل المباشر والكافي ولم تنصر قبل ذلك الإمام الحسن (ع) أو الإمام علي (ع), عمل الإمام زين العابدين (ع) إصلاح الجمهور. وهذا الأمر الجهادي ليس بالأمر الهيّن, بل يحتاج إلى عمل دؤوب وفي عدة جبهات, وذلك من أعمال الأنبياء.
فمع وجود القيادة الصالحة للأمّة كالإمام علي (ع) أو ابنه الحسن أو الحسين, فإن ذلك لم يكن كافياً لصلاح الأمه. لأنه إذا فسد العامة لا يمكن حتى للقيادة الصحيحة أن تنهض بأمور الأمة, وتصلح شأنها, بل سوف تبتلى بالفتن والمؤامرات, كما بلي الإمام علي (ع) بالناكثين والمارقين والقاسطين. ويتسلط عليها من ليس بأهل للخلافة, فيسومهم سوء العذاب.
إن الذي يريد أن يصلح أمر الأمّة لابد وأن يتجه لإصلاح الجمهور, وإن الذي يطمع في السلطة والرئاسة فإنه يسعى نحو الكرسي ويستخدم كلّ الوسائل للوصول إلى الرئاسة. وشتان بين من يريد إصلاح الأمه وممن يريد أن يتأمّر عليها. وهذا يبدوا جلياً في زهد الأئمّة عليهم السلام بالرئاسة بعد مقتل الإمام الحسين (ع) وجهادهم في إصلاح الناس.
إن ثورة الإمام الحسين (ع) أسقطت الشرعية الدينية لحكم بني أمية, وكان من رسالة الإمام زين العابدين (ع) وزينب الكبرى هو الإظهار الإعلامي لحقيقة لثورة الإمام الحسين (ع) للحفاظ عليها من التدليس الإعلامي لبني أمية الذين ادعوا على آل الرسول بأنهم خوارج. فكان الإمام زين العابدين وزينب الكبرى هم المنبر الإعلامي لنجاح الثورة الحسينية إعلامياً.
إن المصائب التي رآها الإمام علي بن الحسين لم يراها بشر غيره, فهو الذي قتل والده وإخوته وقرابته, وسبيت عمّاته, وداروا بهم في البلاد, ولا تحسبن الله بغافلٍ عمّا يفعل الظالمون. إن العبادة والخروج من عالم الدنيا كان هو الرَوح والراحة للإمام, فكان أنسه في مناجات الله والقربى منه والتذلل إليه.
السلام على الإمام زين العابدين المربي الأخلاقي للأمة والمعلم الفاتح لأبواب العلم والمؤسس للمدارس الدينية, والحامل لراية الشعور بالمسئولية. والسلام على الإمام السجاد ذي الثفنات يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.