موضوع يستحق النشر:
هزة الأوقات في تصريف الآهات
علي السوداني /كاتب
أمّا أنت يا بلاد ما بين القهرين العظيمين فكلّما زاد في مياهك الراكدة عدد الأميين والمتخلفين والظلاميين قلّ بأرضك عدد المقهورين الباكين على منظر معاول داعش وأخواتها.
القراء اليوم صاروا مثل آكلي الوجبات السريعة الذين يُجهزون على سندويشة همبرغر من صنف ذات الطابقين بسبع ثوانٍ، ثم يمسحون الفم المبتسم بواحدٍ من أصابع الكف.
قد يقرأون خبراً من عشرة سطور عن زيّ شفّاف يستر جسد هيفاء، لكنهم لا يتوقفون كثيراً أمام نبأ من ثلاثة سطور يصف مذبحةً وقعت بخاصرة القدس أو بقلب بغداد أو برأس الشام أو بجبل النهدين في أكناف اليمن الحزين. ربما بهذا النبأ الأخير قد ارتاحت نفوسهم وطربت وغنّت على اسم الجبل الناهد الفائر. تنبلة فكرية مذهلة. تعافُ نفوسهم قصة قصيرة جداً أو قصيدة، لكنهم جاهزون وفرحون بمشاهدة كآبة مسلسل مكسيكي من عشرة آلاف حلقة وحلقة، يطول عَرضهُ فوق الشاشة مدةٌ تكفي لمتعة الأب الذي سيموت بمنتصف العدد فيكمله بعده ابنه الأبله.
من طقوس هكذا مشاهدات تلفزية، أنّ الصبايا والأولاد يزرعون أكواعهم بريش المخدّة، وأفواههم لا تنقطع من لوك الشامية والمكسّرات، أمّا الأب الطيّب الرحيم، فينطر بغرفته المغلقة نهاية وقت المسلسل، كي ينطّ مثل هرٍّ منفوش ليُملّح قلبَهُ الولهان بطقطوقة أو أغنية مخلوقة في زمان الأبيض والأسود، لكنّهم حتماً سينفرون إنْ دندَنَ الوالدُ الدرويش وقام بدور الكومبارس خلف كلثوميات وحليميات وفيروزيات، وقد يصل ذروة السلطنة والذوبان والنوح على قطعة رافدينية موجعة تشبه عشرة مجالس عزاء. وعندك أيضاً شركات الهاتف القتّال، وقد صارت دقائقها برخص التراب، لتتيح للحلوين والحلوات دردشةً من سبع ساعات حول أمرٍ زبدتُهُ سبعُ دقائق وثانيتان.