صباحكم قوة ... على مقياس كويظم !!!
الحدث
الكلام عن عنصر الحدث كلام يأخذ عمقه من ماهية الحدث كمفهوم نقدي و الفرق بين الحدث الواقعي و الحدث السردي و عملية الانتقاء من بين جملة أحداث ، هو كلام يتشعب أيضاً بتشعب و تعدد علاقات مفهوم الحدث مع عناصر البناء السردي الأخرى ( المكان ، الزمان ، الشخصيات ) و مع مفاهيم و تقنيات سردية أخرى كــ ( الحبكة ، الامتداد ، المشهد ، الحوار ، الرؤية و المنظور السردي ، الراوي و أنواعه ... الخ ) كلام سيخرج بنا حتماً عن الإمساك بأول خيط لفهم الحدث و كذلك سيخرج بنا عن ما نريده من قدرة التصرف في تكوين الحدث و تشييده داخل البنية السردية لنصوصنا ، و لذلك ـ و كما تعودنا ـ سنكون أقرب للتبسيط و الاختصار مع الاعتذار لهذا المفهوم عن الغوص في أعماقه و طرق أبوابه الكثيرة في حدود هذه الورشة ، و ربما أجد وقتاً لطرح هذه المفاهيم في موضوعات مستقلة لمن أراد الاستزادة .
يرى ( برانس 1973 ) أن الحدث في الرواية ينقسم إلى :
- حدث أول : و يتصف بالثبات
- حدث أخير : و يتصف بالثبات
- حدث أوسط : و يتصف بالحركية و النشاط
و كمثال على تصنيف ( برانس ) يمكننا طرح الآتي :
بقي بلا عمل بعد تخرجه من الجامعة ( حدث أول ثابت ) ، لكن القدر كان ينتظره خارج الحدود .. سافر ليجد الدنيا تفتح ذراعيها له ( حدث متحرك و نشط ) ، بعدها عاش مترفاً إلى آخر عمره ( حدث أخير ثابت )
بمعنى أن الحدث الأول في الرواية مثلاً هو معطى نصي يمنحه النص و يكون ثابتاً ، كما أن الحدث الأخير في النص يكون ثابتاً ، لكن الحدث أو الأحداث الوسطى تكون هي المتحركة و النشطة و هي التي تحرك الأحداث و الشخصيات في الرواية .
لكن هل تصنيف ( برانس ) يقنعنا ؟ إلى حد ما أجدني أخالفه في الكثير الكثير ، ماذا إذن عن ( النهاية المفتوحة ) ماذا عن البداية التي تتأسس على الحدث الفاعل الذي يبقى فاعلاً حتى آخر الرواية ؟!! سأبسط الأمر :
في ( النهاية المفتوحة ) كما في القصص البوليسية التي لا يتوصل فيها المتحري إلى نتيجة أو إلى اكتشاف المجرم تبقى الأبواب مفتوحة على الاحتمالات المتعددة ، فالقارئ يبقى يحتمل أن يكون المجرم هو الشخصية ( س ) أو الشخصية (ص) .... الخ ، في مثل هذه النهايات المفتوحة المبنية على فعالية الحدث الأخير لا يمكننا القول بأن الحدث الأخير يتصف بالثبات ، بل إنه يتصف بالحركية و النشاط ، و إن كان النص انتهى به نعم ، فهو في حدود البنية النصية ( أي النص المكتوب ) انتهى بهذا الحدث و هو هنا نعم ثابت في هذه الحدود لكنه دلالياً و قرائياً ليس ثابتاً بل حركي و نشط ، و يكون نشاطه و حركيته في :
- مسار ارتجاعي : نحو بداية النص مروراً بالأحداث التي سبقت هذا الحدث النهائي ، لتكوين الصورة من جديد و اكتشاف علاقات الأحداث التي ربما يكون القارئ غير متيقظ لها ، إذ ربما تقوده لاستنتاج النهاية و ترجيح احتمال على آخر .
- مسار انطلاقي : خارج النص / داخل فعل القراءة و إنتاج المعنى و السيرورة الدلالية خارج حدود المادة المكتوبة التي انتهت بآخر سطر من آخر صفحة من صفحات الرواية ، إذ يفعل الحدث الأخير الذي يمثل نهاية الرواية فعله و يجعل القارئ يتصور أحداثاً أخرى ستشكل و تقوده إلى ترجيح نهاية ما .
هذا في الحدث الأخير ، ماذا عن الحدث الأول و كيف يمكن أن يتصف بالحركية و النشاط ؟ لنضرب مثلاً :
قُتل في الحرب ، لم تكن الأمور لتغير مسارها لولا مقتله ، حينها فقط شعرت بأنها حرة من تسلطه ، حرة في رسم مستقبلها من جديد خارج تأثيره و قناعة أهلها بأن الصبر أجدى الحلول ، بأنه أقل مرارة من الانفصال في مدينة لا تأوله إلا داخل منظومة الخلق و ما ورائياته من تصور قريب من الشرف و مرادفاته ..... لكنه ترك وصية كتب فيها : الوصاية على أطفالي لأخي الأكبر .. هنا تبددت أحلامها ، من جديد هي أمام : أطفالي / حريتي .
فمع أن الحدث الأول و هو مقتله كان ثابتاً ـ نوعاً ما و نحن نغض النظر عن تأثيره على ما تلاه ـ إلا أن ترك الوصية ـ مع كونه حدث ـ فعل فعله في الأحداث التي ستحدث لاحقاً و التي تمثل أحداثاً وسطى ، و لا يمكن إغفال أن حدث ترك الوصية حدث مشتبك و ثانوي متفرع عن حدث المقتل فلولا حدث مقتله لما كان للوصية ـ كحدث ـ أثر ، من هنا يمكننا مخالفة ( برانس ) و القول بأن الحدث الأول و الحدث الأخير يمكن أن يتصفا بالحركية و النشاط ، كل ما في الأمر أنه مرهون بطريقة أدائهما من قبل الكاتب .
حسناً كيف يكون الحدث فاعلاً ؟ كيف نجعله مميزاً عن الحدث في الحكي ؟ إذ إنه هناك فرق بين الحدث في ( الحكي ) و الحدث في ( السرد ) ، في الحكايات الشعبية مثلاً أو المحكيات اليومية نلاحظ أن الأحداث غالباً ـ لا دائماً لأن بعضها ظهر من خلال تحليلها سردياً بأنها سرد لا مجرد محكيات ـ تكون بسيطة ، كمثال :
ذهب فلان لبيته ، رحل لمدينة أخرى ، .... الخ ........... يعني تمتاز الأحداث بالحكي بــ :
- بساطة الحدث و عدم تعقيده
- علاقة الأحداث ببعضها في الحكي علاقة بسيطة أيضاً
أما في السرد فالأمر مختلف ، إذ يمكن أن نقول عنه بأنه :
- الحدث فيه معقد غير بسيط ـ في الغالب ـ و أحياناً يكون بسيطاً ( على صورة ستتضح لاحقاً )
- علاقة الأحداث ببعضها علاقة معقدة و تضمر دلالات عميقة .
مما سبق يتضح أن الحدث في السرد و إن كان بسيطاً لكنه في علاقته مع الأحداث الأخرى يكوّن دلالات عميقة ، و بمعنى آخر : النص السردي قد تكون أحداثه بسيطة لكن العلاقات بين هذه الأحداث لا يمكن أن تدل على مستواها البسيط الظاهر بل تخفي خلفها دلالات عميقة مضمرة ، و من ذلك نفهم كيف بدأ الروائيون الغربيون منذ عقود يسربون الفلسفة إلى القراء من خلال الروايات ، الفلسفة التي يؤمن بها الروائي يسربها في مضمرات الرواية و علاقات الأحداث واحدة منها ، كل ذلك يتكفل بالكشف عنه مضمار القراءة النقدية .
فهمنا إذن بأن الأمر ـ أمر تشكيلنا للحدث السردي ـ مرهون بطريقة أدائنا ، و لنكون واضحين أكثر يمكننا إجمال ذلك بــ :
- فكّر دائماً بأن الحدث يحمل علاقة السببية و النتيجة ، أي أن الحدث بطبيعته يقود لحدث آخر و يكون سبباً له أو يكون الآخر نتيجة له ، فهل تكفي علاقة السبب و النتيجة لنصوغ أحداثاً سردية مميزة ؟ لا بكل تأكيد ، إذ لا بد أن يقودنا الحدث إلى التفكير بحدث آخر له علاقة تفاعلية و عمق دلالي ، و هكذا وصولاً للحدث الأخير ... لكن يجب أن لا يسلب ذلك عفويتك ككاتب .. كل ما في الأمر هو أن تكون واعياً و عميقاً و لك بعدها أن تأتي بأحداث بسيطة لكن وعيك سينتج علاقات أحداث لها دلالات عميقة .
- يمكننا صياغة حدث مميز و فاعل في البنية السردية من خلال عدة فعاليات كتابية منها فعالية التعديل على الحدث ، كما رأينا في المثال الذي ضربناه في ( مقتل الرجل و وصيته ) فالوصية مثلت تعديلاً على الحدث ، تعديلاً غير مباشر .
- عموم الأسلوب الذي نعتمده في كتابتنا ، فللأسلوب دوره الرئيس والفاعل ، ومن ذلك أيضاً الغموض و عدم توفير الحدث ـ أحياناً لا دائماً لأنه قد يفسد ضرورة وضوح الحدث المطلوبة غالباً ـ كبنية جاهزة ، بمعنى آخر : احنا ما جاي نسولف سوالف و انما جاي نكتب نص ، و عليه لازم شوية نخلي القارئ يكوّن صورة الحدث و نخليه يشترك بتخيله و تشكيله .. يعني الحدث هم مشمول باللغة الأدبية واحنا فهمنا أن اللغة الأدبية تختلف عن اللغة النفعية خوش ؟ ^_^
إلى هنا نكتفي بهذا القدر الموجزززززززز جدااااااااااااااااااااااا اااااااا من الحدث .
الواجب :
- اختر نصاً تجد فيه ما تقدم مما تكلمنا عنه في الحدث
- اكتب نصاً توظف فيه ما تكلمنا عنه بخصوص الحدث .
محبتي لكم
درسنا الجديد عن الحدث ... أتمنى لكم أوقاتاً ممتعة و نافعة ... مع ملاحظة أن هذا الدرس اختصرته اختصاراً شديداً .. و كل ذلك من أجل هدف الورشة .. عموماً أجده نافعاً في حدود ما في ذهني من خطوات ... أتنفس مشاركاتكم يا رئة الدرر
مساء الخير
منور أستاذنا الورشة يا مرحبا
قرأت الدرس ... أشعر أن الدرس غير مكتمل بالنسبة لي أرغب بالمزيد أو أني لم أستطيع الوصول للقصد
فهمت أن النص يجب أن يكون عميق الدلالة بالنسبة للحدث ... وهناك تعديل على النص ... وقد يكون الحدث نتيجة أو سبب لنتيجة .. والحدث النصي يجب أن يكون مترابط عميق الدلالة .. والارتجالية والانطلاق ...
الأن عندما نكتب عن نص علينا أن نذكر تلك الامور التي فهمتها أنا والتي تم أدراجها أعلاه .. أشعر بالتشتت أنا
التعديل الأخير تم بواسطة Gardi ; 18/November/2015 الساعة 10:59 pm