المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيفرة دافنشي
السرد
الكثير منا حين يسمع مفردة ( سرد ) ينصرف ذهنه مباشرة إلى ( الرواية ، القصة ، القصة القصيرة ) و الحق أنه لا يعلم بأن هذه المفردة لا تختص بهذه الفنون بل تتعداها ، نعم هي واضحة في هذه الفنون أو لنقل الجنس الأدبي الضام لها ، لكن هل تتوافر عناصر البناء السردي في القصيدة العمودية مثلاً ؟ نعم يمكن أن تتوافر عناصره في القصيدة العمودية لكن هذا لا يعني أننا أمام جنس أدبي تمثله الرواية أو القصة أو الأقصوصة .. نحن أمام جنس أدبي تمثله القصيدة العمودية ، و هكذا في الكثير من الأجناس الأدبية و فنونها إذ يمكن أن تتوافر عناصر البناء السردي فيها ، و لأن السرد و فنونه يشكل جانباً مهماً و واسعاً من النتاج الأدبي و لأن عناصر البناء السردي يتوافر في أجناس و فنون أدبية أخرى و لأن الكثير منا معني بكتابة النصوص التي تعتمد على السرد بشكل رئيس ( الرواية ، القصة ....الخ ) أو يمكن أن تتوافر فيه عناصر البناء السردي أو بعضها ، تأتي أهمية تناول السرد في مرحلتنا هذه داخل الورشة .
ما هو السرد ؟ يعرفه ( تودوروف ) ـ الذي ابتكر هذا المصطلح النقدي عام 1959 ـ بأنه : العلم الذي يُعنى بمظاهر الخطاب السردي أسلوباً و بناءً و دلالة .
هذا التعريف أجده يفي بالغرض هنا و لا حاجة للدخول في عملية النقض و التصحيح و تفاصيل جدلية حول المصطلح .
طيب فهمنا إذن أن السرد علم يتناول الخطاب السردي ( طبعاً مفردة خطاب هي مصطلح نقدي لن ندخل في تفاصيله و سنتعامل تداولياً مع هذه المفردة ) لكن شنو هو الخطاب السردي ؟ أو خلي نكول شنو هو النص الذي يمكن نسميه سرد ؟ سيتضح هذا من خلال تناولنا لــ
عناصر البناء السردي و التي هي :
- المكان 2- الزمان 3- الحدث 4- الشخصيات
و أكيد هناك مفردات كثيرة في السرد غير عناصر البناء السردي ، منها :
الراوي في السرد ، تقنيات الزمان السردي ، أنواع المكان ، الرؤية السردية و أشكالها ....... المهم هواي أمور راح نطلع عليها بالسرد ... و ستكون النتيجة إن شاء الله الإمساك بفهم كثير من الأمور تخص فنون السرد و التي فهمنا أن عناصره ـ أي السرد ـ قد تتجاوز الجنس الأدبي المعروف ظهوره فيه ، فقد تدخل في الشعر و فنون و أجناس أدبية متعددة .. من هذا نفهم أهمية أن نطلع و نضبط عملنا ككتّاب في هذا المجال الحيوي و الفاعل ، و أن لا تبقى معرفتنا بسيطة فيه .
و لتحقيق الفهم الواضح و البساطة في إيصال المعلومة سأبدأ بــ (
عناصر البناء السردي ) ، على أن نتعرف شيئاً فشيئاً على كل ما يتعلق بالسرد بتعاقب الدروس و تتابعها .
و من عناصر البناء السردي سنختار في درسنا هذا اليوم (
المكان ) مفهوم المكان في السرد ، على أن الأمثلة ستغلب عليها تلك المأخوذة من الروايات و القصص لأنها واضحة ، على أن ذلك لن يمنع من وجود أمثلة من الشعر و غيره من الأجناس لتحقيق فائدة التعرف على تأثير وجود هذه العناصر في الأجناس الأخرى و كيف نتعامل معها حين نكتب نصاً أدبياً مهما كان جنسه الأدبي .
المكان
المكان في السرد هو :
الحيز .. الذي تتواجد أو تتحرك فيه الشخصيات ، و الذي تجري فيه الأحداث ، و الذي يرتبط مع الزمان بعلاقة .
التعريف البسيط هذا للمكان يشير إلى أنه حيز يضم أو يرتبط بعناصر البناء السردي الأخرى : الشخصيات ، الأحداث ، الزمان .
و يمكننا التمثيل له بــ : جلستْ في الركن الأكثر هدوءاً ، الأبعد عن لافتات الأسعار المرتفعة ، و ضجيج الزبائن ، ترتشف القهوة .. تنظر إلى صديقتها التي غابت في هذا الزحام .. ربما إلى ما بعد ساعة من الآن .
نجد في المثال أعلاه :
- الشخصية : و هي امرأة
- المكان : سوق أو مركز تسوق و تحديداً كوفي شوب
- الحدث : تشرب القهوة ، و تنتظر صديقتها ، و صديقتها تتسوق
- الزمان : الآن .. و إلى ما بعد ساعة ربما .
كما يمكن أن يكون أكثر بساطة لو قلنا في مثال آخر : سافر أخوه إلى بغداد صباحاً ليكمل أوراق قبوله في كلية الطب ... إذ نجد هنا : الشخصية : أخوه ، الحدث : السفر إلى بغداد ، الزمان : صباحاً ، المكان : بغداد ......... و يمكننا استنتاج أكثر من هذا من المثال .
المهم أننا نجد المكان حيز يضم الشخصيات و الأحداث و يرتبط بالزمان .
هل هذا كل شيء ؟ كلااااا بالطبع ... لدينا كلام عن طبيعة تجسيد المكان في السرد .. سنحاول اختصاره قدر الإمكان بــ :
- المكان الواضح البسيط غير المركب أو المعقد كأن نقول : اعتزل الناس ، اكتفى بوجوده بين جدران منزله .......... فالمكان هنا واضح و هو المنزل .
- المكان غير الواضح ، و الذي يمكن أن يكون مركباً أو معقداً .. كأن نقول : هناك لا شيء يحدث ، لا شيء إلا هناك و حسب ............... فالمكان في هذا المثال محدد بمفردة ( هناك ) لكن أين ؟ و ما هي طبيعة هذا المكان الذي عبرنا عنه بــ هناك ؟ ما هي تفاصيله ؟ ما هي الشخصيات التي تتواجد أو تتحرك في هذا المكان ؟ ما الحدث الذي حصل في هذا المكان ؟!! و لا نجد إجابة إلا ( هناك ) فقط !!!! لكن لو دققنا لوجدنا الآتي .. الحدث : لا شيء يحدث إذ كما تقول ( قتل زيدٌ ) يمكن أن تقول ( لا يقتل زيدٌ ) و هو إخبار عن عدم حدوث القتل على زيد و هو صورة من صور الحدث بطريقة النفي و سنتناولها بالتفصيل في درسنا عن الحدث ، الزمان : احتمال قائم بين الحاضر و المستقبل بل إنه الحاضر تحديداً بدلالة التغليب بين ( لا و لن ) هو قال ( لا شيء يحدث و لم يقل لن يحدث شيء ) و الحاضر زمن بكل الأحوال و إن كان غير محدد بتوقيت أو دلالة محددة تنتقي من الحاضر توقيتاً معيناً ، إذ يمكن القول بأنه زمن فضفاض ، و سنمر عليه حين نتناول الزمان في درس قادم إن شاء الله .
ما تقدم من (1) و (2) يمكننا القول عنه بأنه ( أنواع المكان ) حسب طريقة تجسيده في السرد ، يعني بحسب طريقتنا في بناء هذا المكان و التعبير عنه و هو الأهم بالنسبة لأعمال ورشتنا لأنه يتعلق بتنمية قدرة الكتابة عندنا و إلا فالحديث عن أنواع المكان في السرد بحسب طبيعة المكان لا بحسب طريقة بنائنا له ككتّاب كثيرة كثيرة منها : المكان المحبب ، المكان المبغّض أو الكريه ..... الخ ، و في نقاشنا سأفضي لكم ببعض أنواعه إن لزم الأمر و إلا فالترك أولى كي لا تختلط الأمور و ندخل في تشابك المفاهيم مما يؤثر على وضوح الصورة في الذهن .
بكل تأكيد لا تفوتنا الإشارة إلى أن المكان ـ أيضاً من زاوية تجسيدنا له في كتاباتنا ـ يمكن أن يكون واقعياً و يمكن أن يكون خيالياً ، بحسب تفاصيل الرواية أو القصة أو لنقل النص عموماً .. كما يمكن أن نمزج بين حيثيات واقعية و حيثيات خيالية لنصنع مكاناً سردياً و بطريقة إبداعية تجعله مميزاً .
سأتوقف هنا لأن الاستمرار سيأتي بنتائج سلبية ، و اعلموا أعزائي أننا اختصرنا جداااااااااااااا في تناولنا لهذا المفهوم ، و إن وجدتُ الحاجة قائمة للاستزادة فسأفعل خلال النقاش .
الحق أشعر بأني ظلمتُ هذا المفهوم ( المكان ) و جرتُ عليه كثيرااااا .. عموماً هكذا أفضل لغرض الورشة ( موتتني هالورشة لازمة لساني و مقيدتني ههههههه )
لكم كل الحب و التقدير
الواجب :
- اختر نصاً ( مقطع من رواية أو قصيدة .. أي شيء يعجبك ) و أشرّ لنا أين يكمن المكان فيه و ما هو نوعه ؟ ( مكان واضح ، أم مكان غير واضح )
- اكتب نصاً لا يتجاوز 10 أسطر مجسداً فيه المكان بنوعيه ( الواضح ، غير الواضح ) و إن كان صعباً فاكتب نصين كل نص لا يتجاوز 10 أسطر تجسد في الأول المكان الواضح و تجسد في الثاني المكان غير الواضح .