كارل ساغان (1934 – 1996) فلكي أمريكي ومن أبرز المساهمين في تبسيط العلوم الطبيعية إلى العامة من خلال الكتب والمحاضرات. العديد من كتبه تربعت على قوائم أفضل المبيعات وترجمت إلى لغات عديدة ومن ضمنها “الكون” و “عالم تسكنه الشياطين” و غيرها.
في هذا المقطع أدناه، يقرأ كارل ساغان في النسخة الصوتية من كتابه “نقطة زرقاء باهتة” فكرة ملهمة ومؤثرة تغير من نظرتنا إلى كل الحروب والمآسي والأفراح والإنجازات التي يصل إليها البشر، باختصار تجعلك ترى ترى البشرية بمنظار آخر.
من نقطةِ النظرِ البعيدةِ هذه، قد لا تبدو للأرضْ أيّةُ أهميةٍ خاصة. ولكن بالنسبةِ لنا، الأمرُ مختلفْ. أعد النظر لتلك النقطة:
إنها هنا!
إنها الوطن!
إنها نحن!
فعليها: كلُّ من تحبْ، كل من تعرف، كل شخصٍ سمعت عنه، كلُّ كائنٍ بشريٍ وُجد طوال التاريخ، عاش حياته هناك. مجموع كلِّ الأفراحِ والأحزانِ. ألوف الأديانِ والنظريات ومذاهبِ الحياةِ. كلُّ صيادٍ وقاتلٍ. كلُّ بطلٍ وجبان. كلُّ خالقٍ وهادمٍ لحضارة. كلُّ ملكٍ وفلاّح.
كلُّ عاشقيْن. كلُّ أمِّ وأبٍ، طفلٍ ذي أمل. مخترعٍ ومكتشف. كلُّ ناشرٍ لخلقٍ حميد، كلُّ سياسيّ فاسد. كلُّ نجمٍ سينمائي
كلُّ قائدٍ عظيم. كلُّ متدينٍ ومذنبٍ في تاريخِ وجودِ كائننا البشريّ. كلُّهم عاشوا هناك.. على ذرةٍ من غبار، عالقةٍ في شعاعٍ شمسي. الأرض ليست سوى بقعةٍ صغيرةٍ للغاية، في مسرحٍ كونيّ عظيم!.
تفكر لوهلةٍ في أنهارِ الدماءِ التي أراقها جنرالاتُ الحربِ وأباطرتَها، لينتصروا ويصبحوا أسيادً لحظيينَ، على جزءٍ عشريّ من نقطة. تفكر لوهلةٍ بالقسوة التي ملأتْ قلبَ شعبٍ عاش على إحدى زوايا هذه النقطة، ليغور ويتغلب على شعبٍ آخرَ، عاش على زاويةٍ أخرى منها، بالكاد نستطيع التمييز بينهما.
كم كان جهلُهُم، وسوءُ فهمهم للآخر؟!
كم كان غرورهم، ليقتُل أحدُهم الآخر؟!
كم كانت كراهيتُهم الشديدة وبغضَهم لبعضِهم البعضْ؟!
إنَّ نظرتَنا لأنفسِنا، وتخيلَنا لوجودِ أهميةٍ لنا نحن البشر. إنَّ ذلك الوهم: بأن لنا مكانةَ خاصة، للاستحواذ على هذا الكون. كلُّ تلك الأوهامْ، تعترضُها بقوةٍ.. نقطةُ الضوءِ الباهتِ تلك.
كوكبنا، هو ومضةٌ وحيدة، في فراغٍ كونيٍّ مظلم. خلال وجودنِا في هذا الظلام الهائل، لا نمتلك أيَّ دليلٍ بأن مساعدةً ستأتي يوماً من الخارج، لإنقاذنا، من أنفسنا. للآن، الأرض هو الكوكب الوحيد الذي يمكنه احتضان الحياة، ولا يوجد أيُّ مكانٍ –على الأقل خلال الفترة القريبة هذه- يمكننا الرحيل إليه. ربما يمكننا زيارة الخارج، أما البقاء خارجَ الأرض! فليس بممكنٍ بعد. سواءٌ أعجبتك الفكرة أم لا؛ هذا الكوكب: هو مصيرُنا.
يقالْ: إنَّ دراسةَ الفضاءِ تعلِّمُ التواضعَ، وتبني صورةً إنسانيةً في دارسِها. بالنسبة لي لا توجد أيّةُ طريقةٍ لإسقاطِ الصورةِ الوهميةِ المرتبطةِ بنا كبشر، أفضلُ من النظر إلى هذه الصورة البعيدة، لكوكبنا الأرض. بالنسبة لي، أن نتعامل بشكلٍ أكثرَ مودةً واحتراماً لبعضِنا البعضْ، لهو مسألةٌ تتجاوز جميع المسؤوليات. وأن نحمي، ونحافظ على “النقطة الزرقاء الباهتة....