العلم مبني على التناغم، وقد أحسنت المدرسة الفيثاغورية صنعاً عندما جمعت بين الرياضيات، والموسيقى، والكون!
فمثلما تختبىء الأنماط الرياضية بين نغمات الموسيقى و المقطوعات التي تطرب الآذان، فهي تصف أيضاً موجات الإحتمال التي تشكل روح وقلب ميكانيكا الكم.
منذ أكثر من 2500 عام، ووفقاً لمصادر تاريخية قام فيثاغورس بتطبيق مكتشفاته في نظرية الموسيقى على حركة الأجرام السماوية. عندما تشد وتر لكي يهتز، فإنه ينتج نغمة محددة تتوافق مع طوله المادي، وعندما يكون نسب الطول بين وترين نسبة كسرية بسيطة – مثل ½ أو⅔ وهلم جرا – فإن النغمتين مع بعضهما يبدوان متناغمتين للسامع. أعتقد فيثاغورس أن الكون ذاته يهتز بنغماته التوافقية الآسرة و الجميلة و الإلهية، البعيدة عن سمع البشر، فوصف المسافات بين المدارات المتتابعة للكواكب كالزهرة و عطارد بنفس المبدأ ( وصفها كنغة أو نصف نغمة ، لتعطي بعد ذلك النغمات السبع للسلم الموسيقي، بجمال التوافق الطبيعي! ).
عندما وصف الفيزيائي الفرنسي لويس دي-بروي الإلكترونات و غيرها من جسيمات المادة كحزم موجية كان بالتأكيد يفكر بالنغمات التوافقية الموسيقية، وضّح دي برولي كيف ظهرت مستويات الطاقة المختلفة بشكل طبيعي في نموذج نيلز بور الذري من خلال وصف الإلكترونات كموجات دائمة من الترددات المختلفة، وبالتالي تعميم النظرية الموجية للضوء على الجسيمات المادية. فكما تنتج أوتار الغيتار نغمات مختلفة عندما تضرب بشكل مختلف، فإن الإلكترون في نموذج دي-بروي مجبرة أن تهتز بأنماط معينة تتوافق مع ترددات وحالات طاقة محددة.
الفيزيائي النمساوي إيروين شرودنجر أخذ فكرة دي-بروي بمفهوم أوسع بمعادلته الموجية الشهيرة، و تمديدها لتشمل موجات في ثلاثة أبعاد – بما يعرف بالموجات الكروية التوافقية- معطية وصف أشمل و أعم و أكثر دقة لتصرف الإلكترونات. لكن أتى الفيزيائي ماكس بورن ليفسر كيف أن الطبيعة الموجية لتصرف الإلكترون ليست بفعل الإلكترون ذاته، بل هي التوزيعات الاحتمالية التي تشير – كمثال – إلى مواقعها المرجحة. على الرغم من عدم ارتياح شرودنجر و أينشتين للتفسير الاحصائي لبورن، فإنه أصبح التفسير القياسي المقبول.
ليس الأمر هكذا وحسب، نظرية الأوتار الفائقة – التي هي محاولة افتراضية لتوحيد القوى الأساسية في الكون؛ الكهرومغناطيسية، والقوى النووية الضعيفة، والجاذبية – تطبق مبدأ التوافق والهارمونيات على مقاييس أقل بكثير من مقاييس الذرات وهو مقياس بلانك الذي يعادل 10-35 متر أو ما يساوي 0.0000000000000000000000000000000001 متر (في حين مقياس الذرة يقارب 10-10 متر أو 0.0000000001 متر)! هذه النظرية تستبدل الجسيمات الموصوفة كـ”نقاط” بخيوط متذبذبة من الطاقة حيث تفترض وجود ” أوتار” فائقة الصغر تهتز بشكل توافقي في تسع أبعاد مكانية صغيرة جداً، و كل نمط من الاهتزاز يحدد خصائص جسيم معين.
نجد أن الفيزيائيين قد وظفوا الموسيقى لوصف الكون، ووصفوه بسمفونيات بديعة… ولكن، ماذا قدم الموسيقيون للفيزيائيين بالمقابل ؟
المغني و الموسيقي و المؤلف رونالد أورزابال، ألهمته ميكانيكا الكم وفلسفتها في بدايات التسعينات عندما بدأ يقرأ كتب العلوم للعامة بشغف.
يقول ” لقد بدأت مبهراً إلى أين يتجه العلم و كل المفاهيم التي تتحدي واقعنا بدأت بالظهور. تجارب ذهنية مبهرة كقطة شرودنجر لها طبيعة ساحرة ومثيرة للأحاسيس. و هذا ما أراه كمؤلف موسيقي أمرا ملهما مما دعاني لتأليف أغنية تحمل نفس الإسم”.
ألهم أورزابال رفض أينشتين لعبثية و الفوضوية في ميكانيكا الكم والتي يطرحها مبدأ عدم التأكد بقوله ” الرب لا يلعب النرد!” ووصف هذه العبارة كـ “هدية” لأي مؤلف موسيقي. و ألهمته لتأليف أغنية أخرى ذات صبغة علمية أيضاً.
أورزابال يكتب للحفلات الموسيقية وليس للقاعات الدراسية، فنزاعه لفهم المفاهيم الغريبة للطبيعة موصوف بالطريقة الأقرب لطبيعته ألا و هي الموسيقى. لكن الأمر لا يتوقف هنا، فهناك موسيقيين آخرون يستخدمون الفن كأداة تعليمية، فالفيزيائي والتر سميث – مثلاً – لديه مكتبة كبيرة من الأغاني الفيزيائية على موقعه PhysicsSongs.org.