ذات مطر.. جاء صوته على الهاتف.
وبرغم البرد، بدا كأنّه خلع معطفه وهو يسألها:
- كيف أنتِ؟ أما زال لك ذلك الولاء للمطر؟
ولم تدرِ، أكان لا بدّ أن تستنتج أنّ في أسئلته عودة إلى حبّها، أم أنّ المطر هو الذي عاد به إليها؟
فهي لم تنسَ قوله مرّة «الأسئلة توَرُّطٌ عشقيّ». تمامًا كما تذكر ذلك الموعد الذي جمعهما مرّة في سيّارته، بينما كان المطر يهطل بغزارة.
اكتشفت يومها جمال أن يكونا عاشقين، لا عنوان لهما سوى مسكن عابر للحبّ، له حميميّة سيّارة.. في لحظة ممطرة.
كانت تشعر أنّهما أخيرًا وحيدان. ومختبئان عن كلّ الناس. يغطّيهما ستار من الأمطار المنزلقة على زجاج النافذة.
يومها، كانت تريد أن تقول له أشياء لا تُقال إلّا في لحظة كتلك.
ولكنّه أوقف سيّارته إلى جانب الرصيف. وكأنّه يوقف اندفاعها بين جملتين. وقال وهو يشعل سيجارة:
- لا جدوى من الاحتماء بمظلّة الكلمات.. فالصمت أمام المطر أجمل.
[فوضى الحواسّ]
كنّا مساء اللّهفة الأولى، عاشقين في ضيافة المطر، رتّبت لهما المصادفة موعدًا خارج المدن العربيّة للخوف.
نسينا لليلة أن نكون على حذر، ظنًّا منّا أنّ باريس تمتهن حراسة العشّاق.
إنّ حبًّا عاش تحت رحمة القتلة، لا بدّ أن يحتمي خلف أوّل متراس متاح للبهجة، أكنّا إذًا نتمرّن رقصًا على منصّة السعادة، أثناء اعتقادنا أنّ الفرح فعل مقاومة؟ أم أنّ بعض الحزن من لوازم العشّاق؟
في مساء الولع العائد مخضّبًا بالشجن. يصبح همّك كيف تفكّك لغم الحبّ بعد عامين من الغياب، وتعطّل فتيله الموقوت، دون أن تتشظّى بوحًا.
بعنف معانقة بعد فراق، تودّ لو قلت: «أحبّك» كما لو تقول: «ما زلت مريضًا بك».
تريد أن تقول كلمات متعذّرة اللفظ، كعواطف تترفّع عن التعبير، كمرض عصيّ على التشخيص.
تودّ لو استطعت البكاء. لا لأنّك في بيته، لا لأنّكما معًا، لا لأنّها أخيرًا جاءت، لا لأنّك تعيس ولا لكونك سعيدًا، بل لجماليّة البكاء أمام شيء فاتن لن يتكرّر كمصادفة.
[عابر سرير]