يتحدث الدكتور خزعل الماجدي عن الأسطورة فيقول: " الأسطورة ضد التاريخ، فهي تؤسس لزمان ومكان مقدسين بينما التاريخ يؤسس لمكان وزمان عاديين.
الأسطورة مسارها دائري والتاريخ مساره أفقي، الاسطورة هي الماهية بينما التاريخ هو الصيرورة. الأسطورة حكاية إلهية بينما التاريخ حكاية بشرية وهكذا نرى التناقض بينهما واضحا. لكن هذا لا يعني أن الاسطورة لم تصنع الواقع او تساهم في صنعه، فالواقع لم تصنعه الاحداث والاقتصاد والسياسة والحاجات الاجتماعية بل صنعته الأساطير أيضا. إن الاديان تكونها الاساطير وتشكل أحد مكوناتها الرئيسية، والاديان لعبت أكبر الادوار في تأسيس الواقع وما زالت. أن بنا حاجة أساسية للأساطير لأنها تشبع تطلعا خارقيا وماورائيا ومقدسا فينا. وهناك اليوم ما أسميه (الأسطورة الشخصية) التي هي وريثة الأساطير الكبرى بعد أن خفت ضوء الأديان القديمة. واليوم، بعد أن تحررت الأساطير من غلافها المقدس، تحولت من الدين إلى الأدب وعلينا أن نستفيد منها تماما.
وللحديث عن هذه الأمور وغيرها، أستضاف منتدى الرافدين للثقافة والفنون في مشيكان الامريكية يوم الخميس 22 تشرين الأول 2015 الدكتور خزعل الماجدي في أمسية تحدث فيها عن ملحمة كلكامش والعَود الأبدي وصراع العقائد الشمسية والقمرية في وادي الرافدين. قدمه وادار الندوة الدكتور عزيز التميمي مفتتح الأمسية بنبذة مختصرة عن الدكتور الماجدي.
ابتدأت الامسية بتقديم عرض عن مؤلفات وكتب للدكتور الماجدي، اعطى فيها للحضور نبذة عن بحوثه وانتاجاته ومشاريعه المستقبلية.
وتحدث المحاضر حول الملحمة ومفهوم "العَود الأبدي وصراع العقائد الشمسية والقمرية". وقسّم ملحمة كلكامش الى أربعة فصول كل منها يمثل فصلا من فصول السنة الأربعة.
وأوضح الماجدي أن شخصية كلكامش شخصية حقيقية وليست أسطورية أو خيالية، فهو خامس ملوك السلالة الحاكمة الأولى في مدينة (أوروك) حيث نشأت الكتابة وظهرت أولى الألواح المسمارية. وقال الماجدي إن اسم (كلكامش) والذي حكم لستة وعشرون عاما يعني الرجل السيد البطل، او (كلكاموش) أي الجاموس نسبة الى قوة كلكامش الجسدية والتي تشابه قوة الجاموس السومري.
وتحدث المحاضر عن العَود الأبدي والذي يمثل العودة الى الأصول والطقوس الدينية المقدسة القديمة لمواجهة الحاضر والمستقبل، وعليه فإن حركة الزمان متكررة ودائما تعود الى البداية، وهكذا تعاد الخليقة والفناء في دائرة متكررة.
واسترسل في الكلام عن الصراع بين العقائد الشمسية (الذكرية) والعقائد القمرية (الأنثوية) والتي تمثل الصراع بين هيمنة الرجل والمرأة في العقائد والفكر الديني، ففي البداية كانت المرأة هي المهيمنة لأنها تعطي الحياة، وعند اكتشاف الرجل لدوره في عملية الولادة والتخصيب، أصبح هو الاله، وهيمنت العقائد الشمسية (الذكرية) على المجتمع والانسان.
وتسرد ملحمة كلكامش قصة الصراع بين الرموز الشمسية التي يمثلها كلكامش والرموز القمرية التي يمثلها أنكيدو، مرورا بقتل خمبابا ورفض كلكامش لعشتار، وقتل الأسود، والرجال العقارب، وسيدوري، ونوم كلكامش، وأكل عشبة الخلود من قِبل الأفعى، وانتهاء بعودة كلكامش إلى أوروك، لتلتحم بداية الملحمة ببدايتها كما يلتحم فم الأفعى بذيلها.
ويقول الماجدي إن عظمة ملحمة جلجامش تقع في انها ليست ملحمة أدبية كتبها فرد وفقا لرؤيته الفردية للعالم، كما في الأساطير الإغريقية ومؤلفها هوميروس، وإنما هي ملحمة نسجت خيوطها من اللاوعي الجمعي للشعوب بكل عمقه وشموليته ورهبته وجماله، فملحمة كلكامش كتبها كهنة وشعوب وظلت تُصاغ على مدى ألف عام من زمن وقوعها.
أنهي الدكتور خزعل الماجدي امسيته بقراءات شعرية من التراث السومري.
ساهم الحضور بمجموعة من المداخلات والاسئلة التي زادت بهاء الامسية.
شارك الفنان صباح وزي بلوحة لكلكامش توسطت المنصة.
تألق الدكتور خزعل الماجدي بمحاضرته وبإمكانيته الاكاديمية، وحضور المعلومة، وفهمه العميق للتراث السومري العراقي، وحبه للتاريخ والاثار العراقية. وهذه الامكانيات المتعددة انعكست على الحضور والذي ظل صاغيا ومتابعا بشغف.
نبيل رومايا
منتدى الرافدين للثقافة والفنون
تشرين الثاني 2015
كاردينيا