من سأل الله يوشك أن يعطيه، ومن استجار به يوشك أن يجيره، ومن استهداه يوشك أن يهديه!
فما هداك للسؤال إلا ليعطيك، وما أمرك به إلا ليغنيك!
ما يمنعه من العطاء وهو الغني الرازق الكريم الجواد الباسط الذي يحب أن يعطي كما تحب أنت أن تمنع!
فقولك سألته فما أعطاك قلة في العلم وسوء في الأدب!
ولو اتهمت نفسك في السؤال لكان أولى بك من الشك في الإجابة فموانع الإجابة فيك وصوارفها عندك أما هو فلا مانع لعطائه ولا حد لبذله وسخائه!
أعطى من غير مسألة، وأعطى من لا يعقل أنه هو الذي أعطاه، وأعطى الكافرين مسألتهم وفرّج عنهم وهو يعلم أنه سيعودون إلى كفرهم بعد ذلك وجحودهم!
أعطى الوجود ما يقيم وجوده، وكل ملك ما يقيم ملكه، فسبق فضله عدله كما سبقت رحمته غضبه لا إله إلا هو سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه!
وصٓفٓ عطاءه أعرف الناس بجوده فقال صلى الله عليه وسلم فيما خرّجه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يَدُ اللَّهِ مَلأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَقَالَ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ "
ووصف هو سبحانه جود نفسه فقال وهو أصدق القائلين:
{ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)}
وقال وهو أعز القائلين:
{ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)}
وقال وهو أجل القائلين:
{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ (10)}
"...فإن الله قد قدّر له من الأقوات في الأرض, على قدر مسألة كل سائل منهم لو سأله لما نفذ من علمه فيهم قبل أن يخلقهم."( الطبري)
فوجب عليك أن تعرف أسرار السؤال حتى تحصل على الإجابة فإنها منه:
من لم يسأل الله بصدق فما سأل!
ولغياب الصدق صور كثيرة: من سأل وهو يرتاب أن الله سيجيبه فما صدق، ومن سأل ويقينه في الأسباب فما سأل، ومن سأل الهداية وهو لا يشعر لها حاجة فما سأل!
من لم يسأل الله بأدب فما سأل!
وآدابه عديدة تجدها في مظانها ولكن المولى جل وعز بين لنا الأدب الأول في الدعاء فقال تعالى:
( ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ( 55 ) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين ( 56 ) )
قال البغوي في التفسير:" ( ادعوا ربكم تضرعا ) تذللا واستكانة ، ( وخفية ) أي سرا . قال الحسن : بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا ، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت ، وإن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم ، وذلك أن الله سبحانه يقول : " ادعوا ربكم تضرعا وخفية " ، وإن الله ذكر عبدا صالحا ورضي فعله فقال : " إذ نادى ربه نداء خفيا " مريم - 3 . ( إنه لا يحب المعتدين ) قيل : المعتدين في الدعاء ، وقال أبو مجلز : هم الذين يسألون منازل الأنبياء عليهم السلام ."
من منع نفسه أسباب الإجابة فما سأل!
وهي على ضربين: خارجية وداخلية ( في الدعاء نفسه )
أما الخارجية فهي أكل الحلال كما ورد في الحديث:
عن أبي هريرةَ -رَضِي اللهُ عَنْهُ- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا}، وَقَالَ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}.
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّماءِ يا رَبُّ.. يا رَبُّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟))رواه مُسْلمٌ.
وأسباب داخلية وهي حمد الله والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم فان ذلك ألزم بالأدب وأدعى للإجابة:
فقد روى أبو داود (1481 ) والترمذي (3477) عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عجل هذا "ثم دعاه فقال له أو لغيره : "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه جل وعز والثناء عليه ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو بعد بما شاء"
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟ فَقَالَ : مَا شِئْتَ . قَالَ قُلْتُ الرُبُعَ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ . قُلْتُ النِّصْفَ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ . قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ . قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ .
رواه الترمذي (2457) وأحمد (20736)
أسأل الله لي ولك أدبا في الدعاء وضراعة وأخذا بكل أسباب الإجابة ويقينا كاملا وشفاعة!



تقبل الله دعاءكم