كلمة سماحة الشيخ بناهيان في الذكرى السنوية للشهيد السيد محمود موسوي
بناهيان: لم يكن معنى التوغّل الثقافي شيئا غير الانخداع بالفكر الديمقراطي الليبرالي/ لقد تخبّأ جميع طلاب السلطة خلف الفكر الديمقراطي الليبرالي/ يقول العلامة الطباطبائي (ره): الديمقراطية أسوأ من الديكتاتورية/ الشعار الأعمق من «الموت لأمريكا» هو «الموت للديمقراطية الليبرالية»/ يجب أن يتحوّل بغض داعش وأمريكا إلى بغض الليبرالية
الزمان: 17/09/2015
المكان: طهران ـ مسجد وليعصر (عج)
الشهيد السيد محمود موسوي هو أحد جرحى الدفاع المقدّس. هاجر بعد انتهاء الحرب إلى أمريكا وقام هناك بنشاط ثقافي لمدة سنين. أعتقل على يد (أف. بي.آي) وتحمّل السجن والتعذيب لمدّة ثلاث سنين في سجون أمريكا. بعد رجوعه إلى بلده إيران استشهد على أثر التعذيب والأمراض التي ابتلي بها في سجون أمريكا. فإليكم فيما يلي أهم المقاطع من كلمة سماحة الشيخ بناهيان في مجلس تأبين هذا الشهيد:
قبل النهضة كان «الدين» آلة للسلطة، وبعد النهضة أصبحت «التقنية» و «خدعة الديمقراطية الليبرالية» آلة لها
لقد أقيم هذا المجلس المبارك تأبينا وذكرى لشهيد معذّب في سجون أمريكا ونحن إذ ننعى استشهاد هذا السيد الجليل «السيد محمود موسوي» نعيش أيام أفول الحضارة الأمريكية الزائفة؛ هذه الحضارة التي هي نتيجة لفترة من حياة الإنسان التي أعجب بعض الناس فيها بخدع الشيطان في سبيل الطغيان والسيطرة على رقاب الناس.
نحن لا نقسّم تاريخ الإنسان أو على الأقل تاريخ القرون الأخيرة من حياة الإنسان إلى عصر ما قبل النهضة وما بعد النهضة. نحن نعتقد أن قبل النهضة كان الدين هو ألة السلطة، وبعد النهضة أصبحت التقنية وخدعة الديمقراطية الليبرالية آلة لها. فكلّ ما تغيّر بعد النهضة هو الآلة أما ماهية التسلّط على رقاب الناس فلم تتغيّر أبدا.
أنا لا أدري هل كانت الحروب القائمة قبل النهضة قد أسفرت عن أكثر عدد من القتلى الأبرياء، أم حروب ما بعد النهضة؟ وهل الحروب التي تمخّضت عن الديمقراطية الليبرالية كانت أكثر إجراما، أم نظام السلطة المغلّف بالديمقراطيّة الليبرالية؟
بإمكاننا أن نشبّه عصور ما قبل النهضة وما بعدها إلى عصري بني أميّة وبني العبّاس
لعلّنا نستطيع أن نشبّه عصور ما قبل النهضة وما بعدها إلى عصري بني أميّة وبني العبّاس. إن بعض الأخبار التاريخيّة وبعض الأشعار الباقية من ذلك العصر تؤيد أن ظلم بني العبّاس كان أكثر من ظلم بني أمية، حتى أن البعض قد تمنّى الرجوع إلى عصر بني أمية! [تاريخ أدبيات إيران، ادوارد براون، ترجمة على باشا/1/357] في حين أنّ بني أمية قد قاموا بواقعة كربلاء وارتكبوا في يوم عاشوراء تلك الجرائم المفجعة. ولكن لم يشيّع أحد من أئمتنا بغير احترام، ولا دفن خفيةً في عصر العبّاسيّين، بل قد دفنوا بكلّ تبجيل واحترام.
لقد قال رسول الله(ص) لعمّه العبّاس: «يَا عَمَّ النَّبِيِّ أَ لَا أُخْبِرُكَ بِمَا أَخْبَرَنِي بِهِ جَبْرَئِيلُ ع فَقَالَ بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قَالَ لِي جَبْرَئِيلُ وَيلٌ لِذُرِّيتِكَ مِنْ وُلْدِ الْعَبَّاسِ» [غيبة النعماني/ 248] من جملة جرائم المنصور هي أنه كان يستخدم بني هاشم وأولاد الزهراء(س) ليضعهم في جوف الأعمدة والأركان في البناء، فلم يكن يرحم أحدا حتى الصغار والغلمان؛ «أَنَّهُ لَمَّا بَنَى الْمَنْصُورُ الْأَبْنِيةَ بِبَغْدَادَ جَعَلَ يطْلُبُ الْعَلَوِيةَ طَلَباً شَدِيداً وَ يجْعَلُ مَنْ ظَفِرَ بِهِ مِنْهُمْ فِي الْأُسْطُوَانَاتِ الْمُجَوَّفَةِ الْمَبْنِيةِ مِنَ الْجِصِّ وَ الْآجُرِّ، ِّ فَظَفِرَ ذَاتَ يوْمٍ بِغُلَامٍ...» [عيون أخبار الرضا/1/111]
هنا بودّي أن أقارن بين عصر بني أميّة وعصر بني العبّاس، ثم أنتقل إلى تقديم مقارنة بين القرون الوسطى وبين عصرنا هذا. في عصر بني أميّة بعد ما قتل الأمويّون الإمام الحسين(ع) وأصحابه، تركوا بني هاشم في أمان نسبيّ في المدينة، ولم يتطاولوا عليهم. حتى أنها أصبحت فرصة للإمام زين العابدين(ع). ففي واقعة الحرّة حيث اقتحم جيش يزيد المدينة وارتكبوا فيها كلّ جريمة من قتل ونهب وهتك، أعلنوا أن من يلجأ إلى بيت الإمام السجاد(ع) فهو في أمان. لا شكّ في أننا لا نريد أن نمدح يزيد ولكن نريد أن نقول بأن الظروف جعلتهم يمهلون بني هاشم قليلا ويعطونهم متنفّسا في بعض المقاطع على الأقل. أمّا في عصر بني العبّاس فقد مارسوا إبادة شاملة لسادة بني هاشم ليس لها من نظير. بحيث لم يجرؤ أحد على إظهار نسبه لأهل البيت(ع) وقتئذ.
كان بني العبّاس يذبحون بالقطنة ولكن إحصائيات ظلمهم أكثر من بني أمية/ لقد تمخضت الديمقراطية الليبرالية عن جرائم لا سابقة لها
إذا أردنا أن نقارن بين عصر العباسيين وبين الأمويّين، نجد بني العبّاس كانوا يعتبرون أنفسهم من أتباع أمير المؤمنين(ع)، بينما كان بنو أمية يلعنون أمير المؤمنين(ع) على المنابر، أمّا بنو العبّاس فكانوا يعظّمون أمير المؤمنين(ع). ولكن من جانب آخر نجد أن بني العبّاس كانوا يذبحون بالقطن وفي نفس الوقت إحصائيات ظلمهم أكثر من بني أمية. إن بني أمية قد قتلوا الحسين(ع) ولكنّهم لم يتعدّوا على قبره. أمّا بنو العبّاس فوإن كانوا قد بنوا قبر الحسين(ع) في بداية حكومتهم، ولكن بعد ما وصل الحكم إلى المتوكّل العبّاسي فلم يكتف بهدم قبر الحسين(ع) وحسب، بل حرث الأرض وزرعها وأزال آثار القبر برمّتها.
هنا أريد أن أقدّم نفس هذه المقارنة بين القرون الوسطى وعصرنا الراهن. لقد شاعت في عصرنا بعض المحاسن والمفاهيم الإنسانية بحسب الظاهر. فعلى سبيل المثال كثر الكلام في هذا العصر عن حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية ودور الشعب في الحاكمية وتعيين مصير نفسه والاقتصاد الحرّ وغيرها. إنها لمفاهيم جيّدة قد طرحت في هذا العصر كما كانت هناك مساع لتعديل سلوك الناس في سبيل تحقّق هذه المفاهيم على أرض الواقع. ولكن بعد ما يحصي الإنسان حصيلة ما قدّمتها هذه المفاهيم للبلدان والشعوب، يجد أن مجرّد دال الديمقراطية الليبرالية قد أدت إلى جرائم لا سابقة لها من قبل. لا أنه لا مثيل لهذه الجرائم في الحربين العالميتين الأولى والثانية، بل حتى لم نعهدها في عصر ما قبل النهضة في القرون الوسطى أيضا.
يتبع إن شاء الله...