تعيش العديد من الأسر الجزائرية، هذه الأيام، تحت ضغط كبير، مع بداية العد التنازلي لإعلان نتائج شهادتي التعليم الأساسي والبكالوريا، فـ''الأدرينالين'' بلغ أعلى مستوياته عند الأولياء والتلاميذ كذلك.

رغم أن النجاح أو الرسوب من نصيب الأبناء الممتحنين، فإن الأولياء هم الذين يدفعون ضريبة ''السوسبانس''، وعذابات ترقب إعلان النتائج، فينقلون الخوف، الذي استوطن صدورهم وعقولهم، إلى أبنائهم، الذين تكون ردة فعلهم غير متوقعة، بل ومحزنة في كثير من الأحيان.
ومثلما تعم الأفراح، ويطلق العنان للزغاريد المدوية في البيوت، جريا بالعادة عند نجاح الأبناء في الـ''بيام'' و''الباك''، فإن العكس قد يحدث، ويعيش الأولياء مآسي حتى قبل ظهور النتائج، بسبب فرار الأبناء من البيت، أو مرضهم، أو حتى انتحارهم، مثلما حصل في السنوات الماضية، ليحصد الأولياء شوك الضغط الذي ''عيَّشوا'' فيه أبناءهم.
فالخوف من خيبة أمل الأولياء في حال الرسوب، أو تحقيق نتائج ضعيفة، هو أكثر ما يرعب التلاميذ، أكثر من الفشل بحد ذاته، خاصة وأن بعض الأولياء يتعاملون مع أبنائهم بأسلوب الترهيب ولغة الوعيد، وتضخيم قيمة النجاح، فيعتبرونه مسألة حياة أو موت، وهو ما ينعكس سلبيا على ابنهم التلميذ.
ويختلف رد الفعل من تلميذ إلى آخر، فإذا كان بعضهم يعاني في هذه الفترة من قلق نفسي، أو أعراض جسدية كاضطراب في الأكل، وحالات إغماء وغيرها، يفضل آخرون اختصار الطريق، وتجنب العقاب بوضع حد لحياتهم، تاركين أولياءهم يعضون أصابعهم من شدة الندم.
ويذكر الجزائريون حادث انتحار شهدته ولاية سوق أهراس، راح ضحيته تلميذ في القسم الثانوي النهائي بطريقة تراجيدية، عندما رمى نفسه من نافذة القسم، خوفا من فشله للمرة الثانية في امتحان شهادة البكالوريا. وفي تحليلها لهذه الوضعيات، غير الطبيعية، تقول الطبيبة النفسانية، بوالقمح نزيهة، إن أكبر خطأ يقع فيه الأولياء هو اعتبار أن نجاح الابن يخصهم هم وحدهم، فأصبح ''الباك'' مسألة الأسرة بالكامل، وهو ما يعكسه حديثهم، كأن يقولوا ''لازم تجيبلنا الباك''، ''لوكان ما تجيبوش ما علابيش واش يصرالي'' أو ''نموت لو كان ما تجيبش الباك''. وتضيف النفسانية، بوالقمح، أن ''الطفل الجزائري، مع مرور الوقت، يصبح مستقرا، لترسخ ثقافة سلبية تسيطر عليه، من الابتدائي إلى المرحلة الجامعية، مفادها أنه يضحي ويدرس من أجل والديه، وليس من أجله هو''. واستدلت بوالقمح بحالة وقفت عليها عشية امتحان البكالوريا الأخير، حيث قصدتها مترشحة، رفقة والدتها، بغرض العلاج، وكانت الفتاة تعاني من توتر حاد، أدى إلى انتفاخ وجهها، ونصحها الأطباء بزيارة طبيب نفساني، لأن الحالة ليست مرضية، ولها علاقة مباشرة بالقلق والتوتر. وأوضحت بأن والدة الفتاة اعترفت، نادمة، بأنها هي من تتحمل مسؤولية ما حدث لابنتها، لأنها كانت تمارس عليها ضغوطا كبيرة، فيما صرحت ابنتها المترشحة أنها تشعر بالخوف الشديد من فشلها في الامتحان، قائلة: ''راني خايفة ما نجيبش لأمي الباك''.
كما ذكرت الأستاذة بولقمح حالة أخرى لتلميذة وصلت متأخرة عن الامتحان، فمنعت من الدخول، وعوض أن تساعد عائلتها في تهدئتها، انهارت أكثر منها.
وأبرزت المتحدثة أن الأولياء ينتظرون من أبنائهم تحقيق ما فشلوا فيه، كما ضخموا قيمة شهادة البكالوريا، ''غير أنهم يجب أن يقتنعوا بأنه امتحان كغيره، وبأن النجاح والفشل يخص الأبناء''.
ونصحت المختصة الأولياء بتشجيع أبنائهم على تحقيق طموحهم بالدرجة الأولى، ورسم مسار مستقبلهم، لتترسخ في شخصيتهم، منذ الصغر، أنهم يدرسون لينجحوا في الحياة ويحققوا ذواتهم.