ان العبر والدروس التي نستفيدا بكل وضوح من شهادة الحسين - عليه السلام - كثيره ونضيف الى ما قدمنا :
القول المأثور ( ما كان لله ينمو )
هذا القول الماثور والحكمه البالغه تتجسد بصوره واضحه في ثورة الحسين - عليه السلام - .
فانها رغم بساطتها وصغر حجمها وقصر مدتها لكنا قد اتسعت اصدائها وانعكاساتها ونمت ردود فعلها على مر الايام حتى اصبحت تعتبر في طليعة الثورات الكبرى التي حولت سير التاريخ واثرت في تحرر المجتمع وحفظ كيان الامه أثرآ كبيرآ بل صار الخبراء والباحثون يؤمنون بانها اي ثورة الحسين - عليه السلام - هي الثوره المثاليه في باب الثورات الانسانيه والاصلاحيه والشعبيه مطلقآ . واصبحت ثارات الحسين - عليه السلام - نداء كل ثوره ودوله تريد ان تفتح لها طريقآ الى اسماع الجماهير وقلوبهم .
وفعلآ لقد تاثر بها اكثر الثائرين في العالم بعد الحسين - عليه السلام - وجعلوا من ثورته وثباته وصلابة عزيمته وصبره وشجاعته . قدوه مثلى لثوراتهم . يقال عن مصعب ابن الزبير مثلآ الذي ثار على عبد الملك بن مروان وبقي وحيده في المعركه عرض عليه الامان والسلام من قبل عبد الملك فرفض وهو يقول ما ترك الحسين - عليه السلام - لابن حره عذرآ . ثم تقدم للقتال حتى قتل .
وكان من اصدائها القريبه وردود فعلها المباشر ثورة اهل المدينه على سلطان يزيد وثورة عبد الله ابن الزبير في مكه وثورة المختار الثقفي في الكوفه ثم ثورة مصعب ابن الزبير في البصره وثورة زيد ابن علي وابنه يحيى بن زيد في كل من الكوفه وخرسان .
اجل ان ثورة الحسين - عليه السلام - رغم بساطتها فلقد باركها الله وبارك آثارها وثمراتها وتعلقت ارادته سبحانه بان تبقى ذكراها خالده متجدده متوسعه عامآ بعد عام . وها هي قد مضى عليها ما يقارب الالف واربعمائة سنه وذكراها تتجدد بتزايد وتوسع في عدة اقطار اسلاميه وتتعطل فيها الدوائر الرسميه والاعمال والاسواق يوم ذكرى الحسين - عليه السلام - وتحتفل باحياء هذه الذكرى شعوب كثيره وقوميات شتى وعناصر متعدده من البشر . مع العلم بان هذا كله على الرغم من العقبات التي وضعها المخالفون والمعارضون لتلك الشعائر في طريق اقامتها ورغم المحاولات المستمره التي يبذلونها للقضاء عليها قضاء كليآ . ولكن ( انما امره اذا اراد شيئآ ان يقول له كن فيكون )
نعم انما هي ارادة الله سبحانه وتعالى التي تبنت ذكرى ثورة الحسين - عليه السلام - وقدرت لها البقاء لان في بقائها حجه بالغه ودعوه قائمه الى طريق الخير والسعاده والشرف والكرامه . تلك الحجه وذلك الطريق المتمثلين في العمل الذي قام به الحسين - عليه السلام - ايمانآ بالله وحب للانسانيه وتضحيه في الدفاع عنها حتى النصر او الموت .
الذي نقصده من معنى البساطه في ثورة الحسين - عليه السلام - هي البساطه من حيث الزمن بلحاظ انها لم تستغرق سوى بضعة ايام منذ ان صمم الحسين - عليه السلام - على ملاقات القوم وفشلت معهم كل الجهود السلميه التي بذلها لحقن الدماء . فالثور الحسينيه من بداياتها الى نهاياتا لم تستغرق سوى بضعة ايام فقط . هذا من حيث المده والزمن واما من حيث المكان فان حدودها لم يتجاوز منطقة كربلاء ذلك الوادي على شاطىء الفرات المحاط بسلسله من التلال المتصله على امتداد الصحراء وعرفت سابقآ باسم ( كور بابل ) ثم صحفت الى كربلاء وبالقرب منها منطق تسمى ( نينوى ) وقيل انها كربلاء بالذات ومن اسمائها وادي الطفوف والغاضريات . ولم يكن شيء تذكر به من الوقائع او التربه او الموقع الجغرافي قبل وقعة عاشوراء عليها .
اما عدد الثائرين فيها فانه لا يتجاوز الاثنان وسبعون وقيل ثلاثمائه وثلاثة عشر على اكثر الفروض بين رجل وصبي وطفل وشيخ وكهل .
فهي اذآ ثوره بسيطه كمآ وكيفآ وزمانآ ومكانآ . ولكنها اعظم ثوره في العالم كله من حيث المفهوم والمضمون . من حيث التجرد والواقعيه والاخلاص لله سبحانه وتعالى ومن حيث العطاء والفداء . فبين عشيه وضحاها وفي خلال نهار واحد فقط أبيدت واستئصلت بيوت وأسر من آل رسول الله - صل الله عليه واله - او كادت تستأصل .
ونعود ثانيه للقول الماثور ( ما كان لله يمو ) اجل ان الشواهد على صدق هذا القول كثيره في التاريخ بل في حياتنا اليوميه ايضآ .
الا ان موقف الحسين - عليه السلام في كربلاء اوضحا دلاله واشد تاكيد .
لقد وقف عليه السلام ومعه نفر قليل من الاعوان بدون عده ولا مدد محصورين ممنوعين عن الماء وورائه جمع من النساء والاطفال وامامه جيش من الاعداء وقد تجردوا من كل صف انسانيه وفقدوا الضمير والوجدان بالاضافه الى ان ذلك الجيش كان يفوق عدد اصحابه بمئات المرات حيث كان لا يقل عن الثلاثين الف .
يقول العقاد في كتابه ( ابو الشهداء ) يصف اعوان يزيد : ( وانما بقيت ليزيد شرذمه على غراره أصدق ما توصف به انها شرذمه جلادين يقتلون من امروا بقتله ويقبضون الاجر فرحين ) ويقول ايضآ : ( فكان اعوان يزيد جلادين وكلاب طراد في صيد كبير وكانوا في خلائقهم البدنيه على المثال الذي يعهد في هذه الطغمه من الناس ونعني به مثال المسخاء المشوهين الذين تمتلىء صدورهم بالحقد على ابناء آدم ولا سيما من كان منهم على سوء الخلق وحسن الاحدوثه ) .
اقول لقد وقف الحسين - عليه السلام - واصحابه يوم عاشوراء ذلك الموقف الحرج الشاق الصعب مع انه كان في وسع كل واحد منم ان يتجنب القتل بكلمه يقولها او خطوه يخطوها . ولكنهم جميعآ آثروا الموت عطاشا جياعا مناضلين من دون ان يكون لهم اي امل في النصر العاجل والانتصار العسكري . ولكن وقفوا لوجه الله تعالى مخلصين له الجهاد في سبيل دينه وشريعته مضحين بانفسهم في سبيله .
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
السلام عليك ياأبا عبدالله الحسين وعلى الأرواح التي حلت بفنائك
والحمد لله رب العالمين