ر الكوفة، وكانت آجام أصبحت أوكارا للحيوانات.
قال عبدالله بن حازم: فلما صرنا الى ناحية الغري، رأينا ظبية فأرسلنا إليها الصقور والكلاب، فحاولتها ساعة ثم لجأت الظبية إلى فاستجارت بها، وتراجعت الصقور والكلاب، فتعجب الرشيد من ذلك!
ثم إن الظباء هبطت من الأكمة، فتعقبتها الصقور والكلاب، فرجعت الظباء إلى الأكمة، فتراجعت عنها الصقور والكلاب ففعلت ذلك ثلاثا.
فقال هارون: اركضوا إلى هذه الأنحاء والنواحي فمن لقيتموه، ائتوني به، فأتيناه بشيخ من بني أسد.
فقال له هارون: ما هذه الأكمة؟
قال الشيخ إن جعلت لي الأمان أخبرتك!
قال: لك عهد الله وميثاقه أن لا أهيجك ولا أؤذيك.
قال الشيخ: جئت مع أبي إلى هنا فزرنا وصلينا فسألت أبي عن هذا المكان.
فقال: عندما تشرفت بزيارة هذه البقعة مع الإمام جعــفر الصادق (ع) قال: هذا قبر جدنا علي بن أبي طالب (ع) وسيظهره الله تعالى قريبا.
فنزل هارون ودعا بماء فتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرغ عليه وجعل يبكي، وبعده أمر ببناء قبة على القبر! ومنذ ذلك اليوم لم يزل البناء في تطور، وهو اليوم صرح بديع لا يوصف.
الحافظ: أظن إن قبر مولانا علي بن أبي طالب، لم يكن في النجف، ولا في النجف، ولا في الموضع الذي ينسب إليه، لأن العلماء اختلفوا فيه، فمنهم من يقول: دفن في قصر الامارة، ومن قائل إنه في جامع الكوفة، وقول إنه في باب كندة، وقيل إنه دفن في رحبة الكوفة وهناك من يقول: حمل إلى المدينة ودفن في البقيع، وبالقرب من كابل في أفغانستان أيضا قبرا ينسب إليه!
ويقال: إن جسد مولانا علي (كرم الله وجهه)، وضع في صندوق وحمل على بعير ساروا به نحو الحجاز، فاعترضهم عدد من قطاع الطرق، وظنوا أن فيه أموالا فسرقوه، ولما فتحو الصندوق وجدوا فيه جثمان علي بن أبي طالب، فذهبوا به إلى ذلك المكان من أفغانستان، فدفنوه، والناس عموما يحترمون ذلك القبر ويزوروه!!
قلت: هذا الخبر مضحك جدا، فرب مشهور لا أصل له، وهو للأسطورة أقرب.
وأما الاختلاف في موضع قبر الإمام علي عليه السلام فقد جاء على اثر وصيته بإخفاء قبره الشريف، وإنما لم أشرح لكم الموضوع بالتفصيل رعاية للوقت.
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: عن أمير المؤمنين أوصى ابنه الحسن وقال له ما مضمونه: بني إذا دفنتني في النجف ورجعت إلى الكوفة، فاصنع في أربعة مواضع أربعة قبور: 1ـ مسجد الكوفة، 2ـ الرحبة، 3ـ الغري، 4ـ دار جعدة بن هبيرة.
وإن هذا الاختلاف الذي تذكره، إنما يكون بين علمائكم، لأنهم أخذوا كلام هذا وذاك، ولم يأخذوا بكلام العترة النبوية حتى في تعيين موضع قبر أبيهم، سيد العترة، الإمام علي عليه السلام!!
واما إجماع علماء الشيعة فهو على أن قبر الإمام علي عليه السلام في النجف الأشرف، وفي الموضع النسوب إليه، وهم أخذوا هذا الخبر الصحيح من أهل بيته " وأهل البيت أدرى بما في البيت " ومن الواضح أن أولاد علي عليه السلام الذين قاموا بدفنه أعلم من غيرهم بموضع قبره، والعادة في مثل هذه الاختلافات ان يرجعوا إلى الأبناء في تعيين قبر أبيهم، ولكن قاتل الله العناد!!
وإن العترة الهادية وأئمة أهل البيت عليهم السلام، اتفقوا وأجمعوا على أن قبر جدهم أمير المؤمنين عليه السلام، إن هو إلا في النجف وفي الموضع الذي اشتهر به، وحرضوا المسلمين ليزوروا قبر أبي الحسن علي بن أبى طالب عليه السلام في ذلك الموضع.
ذكر سبط ابن الجوزي في " تذكرة الخواص " ص 163 (37): إختلاف الأقوال في قبر الإمام علي عليه السلام ـ إلى أن قال: والسادس: إنه على النجف في المكان المشهور الذي يزار فيه اليوم، وهو الظاهر، وقد استفاض ذلك.
وعلى هذا القول كثير من علمائكم، كأمثال خطيب خوارزم في المناقب وخطيب بغداد في تاريخه، ومحمد بن طلحة في " مطالب السؤول " وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، والفيروز الآبادي في القاموس ـ في كلمة النجف ـ وغيرهم.