لم يشأ المخرج الإيراني أحمد رضا درويش أن يقدم فيلما عن واقعة استشهاد الحسين بالصيغة التي سمعناها من « المقتل « بطريقة تعتمد إثارة العواطف، والتي تظهر في كثير من الأحيان أن الإمام الحسين» عليه السلام «، كان ضعيفا تكاثر الأعداء عليه فقتلوه، بل قدم الواقعة بطريقة انتصر فيها لشخص الحسين وأصحابه، من خلال عرض رباطة جأشهم، وعدم خوفهم، كونهم لسبب أو لآخر، كانوا يعرفون أنهم ذاهبون إلى الشهادة التي ربما يحسدهم عليها حتى أعداؤهم. ونجح في ذلك إلى حد كبير فجاء فيلمه مقنعا، للجمهور الكبير الذي حضر عرضه الأول على قاعة المسرح لوطني في بغداد.



العنوان

معركة الحسين عليه السلام تعرف باسم واقعة الطف، وهو اسم متعارف عليه، لكن رضا درويش اختار لفيلمه عنوان «القربان»، كون كل الشهداء الذين قضوا في نهار العاشر من شهر محرم، كانوا قربانا في طريق مقارعة الظلم، وانتصار الدم على السيف. وفي إشارة صريحة إلى القربان كما معروف في قصة واقعة الطف، كان الطفل الرضيع الذي تلقى عشرات السهام وهو بين يدي جده الحسين، هو القربان الذي قدمه الإمام ناثرا دمه باتجاه السماء.



الحكاية

هي الحكاية نفسها التي نعرفها جميعا كمسلمين، رسائل أهل الكوفة إلى الإمام في المدينة يبايعونه ويطلبون قدومه إليهم ليكون خليفتهم العادل بدل يزيد الذي طغى، وعاث في الأرض فسادا، التسلسل الزمني نفسه، الحوارات التي قرأناها أو سمعناها نفسها، من قبل شيخ قراء المقتل، الشيخ عبد الزهرة الكعبي، لكن كيف تم التعامل مع الحكاية، القصة، الواقعة من قبل المخرج السينمائي، وكيف وظف عناصر اللغة السينمائية ليقدم لنا فيلما شيقا، رشيقا، خاليا من الزوائد، التي تتعمد إثارة تعاطف المشاهد .



الاشتغال

حتى يرقى فيلمه إلى العالمية ويكون مقبولا، اعتمد المخرج رضا درويش على عدد من نجوم السينما العربية والإيرانية ليؤدوا الأدوار، فمن العراق كان الممثل الكبير جواد الشكرجي، الذي سبق وان قدم اداءً هائلا في مسلسل عمر، تفوق فيه على الكثير من الممثلين لعرب الذين شاهدناهم في العديد من الافلام الدينية ، كذلك كان هناك جمال سليمان من سوريا وداوود حسين من الكويت ، ويحسب للمخرج ان ترك للممثلين العرب أن يتحدثوا بلغتهم العربية، كذلك كان الممثلون الايرانيون، يتحدثون بلغتهم الفارسية، معتمدا على الدبلجة باللغة العربية في النسخة التي شاهدنا ، حيث الجميع يبدو وكأنه يتحدث العربية.



المكان

حاول درويش ان يصنع بيئة مشابهة لتلك البيئة الحقيقية التي جرت فيها الاحداث، حيث وفر له تنوع الطبيعة الجغرافية الايرانية تحقيق ذلك، فرسم وصمم العديد من المشاهد، كما هي في المخيال الجمعي للمسلمين ، مثل المدينة المنورة، الكوفة، الشام، قصر يزيد، قصر عبيد الله ابن زياد، موقع المعركة في كربلاء، قريبا من نهر الفرات.



الحوار

الحوار الذي كتبه المخرج نفسه، اعتمد القصة المكتوبة التي اطلع اغلبنا عليها، وتعامل بحيادية مع الكثير من الاحداث، مبتعدا قدر الامكان عن المبالغة ، فأظهر الكثير من القادة في معسكر يزيد بلغاء وحكماء، سواء كان توظيف هذه الحكمة اوالبلاغة للخير او للشر، وبالمقابل فكان معسكر الحسين، يعتمد الحوار المعتمد على الحكمة الدينية ومقولات النبي واهل البيت عليهم السلام ونجح في ذلك كثيرا.



المعادل الصوري للمعركة

صممت مواقع المعركة بطريقة قريبة من مخيالنا الجمعي، مسعكر للإمام الحسين بخيم بسيطة، يقابله معسكر فخم لجيش يزيد الذي يقوده عمر بن سعد، سجال متبادل، ومبارزات فردية سقط فيها العديد من الطرفين، لتأتي واقعة استشهاد الامام العباس الذي يظهر وجهه لأول مرة في عمل سينمائي، لتشكل تصاعد درامي كبير، اثار عاطفة الكثير من المشاهدين، خصوصا وانه الساعد الايمن للأمام، وبمشهد مؤثر يظهر لنا كيف حاول الإمام جلب الماء وكيف تكالبت عليه السهام والسيوف لتقطع أطرافه وليستشهد بعدها.



القربان

في مشهد مؤثر يرفع الامام الحسين «ع» طفلا رضيعا، مخاطبا جيش العدو بشربة ماء لهذا الطفل، ليرسلوا له مدد من السهام بدل الماء، ليغرف الامام دماءه في كفه وينثرها الى السماء، كقربان من اجل القضية.



مشهد الختام

مع تصاعد أحداث الفيلم، كنت افكر في الكيفية التي سيتعامل بها المخرج درويش مع مشهد استشهاد الامام الحسين، هل سنشاهد الشمر، يجثوا على صدره، كما سمعنا وتعودنا، قاطعا رقبته، هل سيضربه حرملة على رأسه، وفي مشهد غاية في الروعة والذكاء، رسم درويش مشهدا غاية في الجمال، والتأثير، الحسين على فرسه، الكاميرا من الاعلى الحشود تطوقة وتدور حوله، دوامة من الخيل تدور حوله، قطرات دم تتناثر من جسده تتسع الدوامة ويتسع معها لون الدم لتصطبغ الشاشة كلها باللون الاحمر، معلنة عن استشهاد سيد الشهداء، في الاخر يقطع على حصان يجري في الصحراء بدون فارس، محملا بآلاف الرسائل التي تتطاير اثناء جريه، انها رسائل اهل الكوفة الذين تراجعوا عن بيعة الإمام ..

القربان فيلم جريء ومنصف لم يعتمد المبالغة، بل جاء ساردا لأحداث واقعة الطف بشكل منطقي، دون الاعتماد على اثارة عواطف المشاهد بل راهن على تقبل المشاهد للفيلم، من خلال مصداقية الطرح.