قد يتوهم البعض ان شعائر الذكرى في عاشوراء المتداوله لدى الشيعه اليوم . انما هي امور مستحدثه
ودخيله لا اصل لها في العصور الاسلاميه الاولى . وهذا التوهم من دسائس المغرضين الذين يضمرون
الشر بالاسلام والمسلمين .
فاقول لهؤلاء : ان هذا الوهم خطأ لا يدعمه الا الجهل بحقائق التاريخ وحوادث الماضي البعيد . ولا
يبعد ان يكون هذا التوهم بذاته من وحي الدساسين وتلقين المغرضين اعداء الشيعه والتشيع .
اما اقامة مظاهر الحداد والاحتفال لذكرى عاشوراء فهي قديمه جدآ قدم مأساة عاشوراء بالذات حيث بدأت
مجالس العزاء والاجتماعات للنوح والبكاء على مأساة الحسين - عليه السلام - بعد مرور أيام على مصرع
الحسين - عليه السلام - وذلك بتوافد اهل الضواحي والسواد الى كربلاء بعد رحيل الجيش . واجتماعهم رجال
ونساء حول قبر الحسين - عليه السلام - ولما عاد الامام زين العابدين - عليه السلام - من الشام الى كربلاء
يوم الاربعين وجد اهل السواد مجتمعين حول قبر الحسين وقبور الشهداء بالحزن والحداد فاستقبلوه بالبكاء
والعويل يتقدمهم الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري رحمه الله .
ولما عاد أهل البيت الى المدينه المنوره استقبلهم الناس بالحداد والنوح والاسى والبكاء وضجت المدينه في
ذلك اليوم ضجه واحده حتى صار ذلك اليوم كيوم مات فيه رسول الله - صل الله عليه واله - ثم اقيمة مجالس
العزاء في انحاء المدينه وخاصه في حي بني هاشم . فكان مجلس الامام زين العابدين ومجلس العقيله زينب
ومجلس الرباب زوجة الحسين - عليه السلام - ومجلس ام البنين ام العباس بن علي - عليه السلام - وغيرها
تملأ اجواء المدينه بالكآبه والحزن والحداد .
كان الامام زين العابدين - عليه السلام - يغتنم كل فرصه لاثارة العواطف واحياء ذكر المأساة في نفوس الجماهير
فمن ذلك : سمع الامام - عليه السلام - ذات يوم رجلآ ينادي في السوق ايها الناس ارحموني انا رجل غريب .
فتوجه اليه الامام - عليه السلام - وقال له لو قدر لك ان تموت في هذه البلده فهل تبقى بلا دفن . فقال الرجل الله
اكبر كيف ابقى بلا دفن وانا رجل مسلم وبين ظهراني امه مسلمه . فبكى الامام زين العابدين وقال واأسفاه عليك
يا ابتاه تبقى ثلاث ايام بلا دفن وانت ابن رسول الله - صل الله عليه واله - واستمر ائمة اهل البيت يحثون شيعتهم
على التمسك باحياء ذكرى عاشوراء رغم الارهاب والضغط الذي مارسه الحكام ضدهم الحكام وكانوا هم صلوات
الله عليهم يفتحون ابوابهم للشعراء والمعزين ايام عاشوراء منذ عصر الامامين الباقر والصادق عليهما السلام حتى
عصر الامام الرضا - عليه السلام - في عهد المامون العباسي الذي توسعت فيه شعائر الحسين - عليه السلام -
فكانت دار الامام الرضا - عليه السلام في ايام عاشوراء تزدحم بالناس يستمعون فيها الى رثاء الحسين - عليه السلام -
وكلمات الحث والتشويق والتشجيع من الامام - عليه السلام -
فكان من اقواله الماثوره : ان اهل الجاهليه كانوا يعظمون شهر المحرم ويحرمون الظلم والقتال في لحرمته . ولكن هذه
الامه ما عرفت حرمة شهرها ولا حرمة نبيها فقتلوا في هذا الشهر ابنائه وسبوا نسائه فعلى مثل الحسين فليبكي الباكون
فان البكاء عليه يحط الذنوب .
ولم تزل شعائر عاشوراء تزداد وتتسع بما تلاقيه من الدعم والتاييد المعنوي من قبل اهل البيت - عليهم السلام - والعلماء
الاعلام في كل الاوساط الشيعيه .
قامت الدوله الحمدانيه الشيعيه فاعطت شعائر عاشوراء قدرآ كبيرآ من الدعم والتاييد . ثم قامت الدوله البويهيه المواليه
لاهل البيت - عليهم السلام - فوسعوا ذكرى عاشوراء واعطوها صفه رسميه تعطل من اجلها الاسواق والاعمال والدوائر
الحكوميه وتخرج المواكب العزائيه بالاعلام السود وشارات الحداد تحت رعاية واشراف كبار العلماء ورجال الدين .
كانت بغداد في عهد عضو الدوله الحسن بن بويه الديلمي . تخرج على بكرة ابيها يوم العاشر من المحرم في مواكب عزائيه
ضخمه يتقدمها رجال الدين والدوله . ولما قامت الدوله الفاطميه في مصر والمغرب العربي انتقلت شعائر عاشوراء الى تلك
الاقطار ودامت حوالي القرنين من الزمن الى ان قضى عليها الايوبي بالقهر والاكراه .
اما التمثيل (( التشابيه )) له جذور في سيرة الائمه المعصومين - عليهم السلام - فانه قد اخذ من حيث الاصل من ظاهرة
وردت في مجلس الامام جعفر بن محمد الصادق - عليه السلام - ايام عاشوراء .
فقد حدث شاعر اهل البيت الكميت بن زيد الاسدي رحمه الله قال : دخلت على ابى عبد الله الصادق يوم عاشوراء فانشدته
قصيده في جده الحسين - عليه السلام - فبكى وبكى الحاضرون وكان قد ضرب سترآ في المجلس واجلس خلفه الفاطميات
فبينما انا انشد والامام يبكي اذ خرجت جاريه من وراء الستار وعلى يدها طفل رضيع مقمط حتى وضعته في حجر الامام الصادق
- عليه السلام - فلما نظر الامام الى ذلك الطفل اشتد بكائه وعلا نحيبه وكذلك الحاضرون .
ومعلوم ان ارسال الفاطميات لذلك الطفل في تلك الحال ما هو الا بقصد تمثيل طفل الحسين - عليه السلام - الذي ذبح على صدر
ابيه بسهم حرمله لعنه الله في يوم العاشر من محرم .
احياء ذكرى عاشوراء قديم عند الشيعه منذ السنه الاولى لقتل الحسين - عليه السلام - والى اليوم يحدوهم لذلك الحب والولاء
للحسين - عليه السلام - اولآ , ثم خدمة الدين والدعوه الى الحق وتركيز المفاهيم الانسانيه لدى النشأ ثانيآ والله من وراء القصد وهو ولي المؤمنين . والحمد لله رب العالمين