دخول رجل الدين في السياسة بغية تقلّد هذا المنصب أو ذاك، مع أن السياسة من مزال الأقدام، وقلَّ من يسلم فيها، وليس معنى ذلك، إن جميع من دخلوا فيها انحرفوا أو إن الدخول فيها حرام، كلا، إذ لدينا أمثلة صالحة دخلت في السياسة ولم تنحرف، بل كانت مثال الاستقامة والشهامة أمثال علي بن يقطين وغيره، لكن ما أقل هؤلاء!! وفي الرواية: ((صاحب السلطان كراكب الأسد، يُغبَط بموقِعِهِ، وهو أعلمُ بموضِعِهِ) فإن الأسد في أية لحظة قد يرمي به ويفترسه، وهو يدرك هذا الخطر جيداً، إلا أن الناس يتصورونه في موقع القوة والعظمة. وحال السياسي كحال القاضي، حيث إن منصبه خطير الى أبعد الحدود، مع أنه غير محرم على أهله، بل هو واجب كفائياً، إن توقف إحقاق الحق وإبطال الباطل على الدخول في السياسة، وبذلك نحن لا نقول بحرمة الدخول في السياسة أو نمنع منها مطلقا، بل نقول إن الداخل فيها على خطر عظيم كما في القاضي. وما ذلك إلا لأن السلطة والرياسة مغرية، وهي من أسرع الطرق إيصالاً الى جهنم، والعياذ بالله تعالى، والإنسان من طبعه الطغيان عندما يحصل على الرياسة والدنيا، (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) فبمجرد أن يستغني بعلم أو بمال أو بسلطة، يتمادى ويطغى، فيحتقر الآخرين ويظلمهم إلا المتقون، وقليل ما هم.