توطئةيقول (بعضهم في كتبهم أن ما يذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح، إنما النياحة واللطم أمر من أمور الجاهلية التي نهى النبي (صلى الله عليه واله) عنها وأمر باجتنابها وليس هذا منطق أموي حتى يقف الشيعة منه موقف العداء، بل هو منطق أهل البيت رضوان الله عليهم وهو مروي عنهم عند الشيعة كما هو مروي عنهم أيضا عند أهـل السنة، فقد روى ابن بابويه القمي في ( من لا يحضره الفقيه ) أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: النياحة من عمل الجاهلية). قبل الخوض في هكذا مطارحات مع افكار وعاظ بلاط الظلمة (الذين حسبوا انفسهم الى منهج الصحابة (رض) بشأن البكاء مطلقاً، ولكي يتخذ البحث منهجا علمياً، ننطلق من عدة مواضيع لعلها تفي بالغرض الذي دفعنا لتناول هذا الموضوع الخطير الذي يمس واحدة من أهم العقائد الاسلامية هو التولي لأهل البيت والتبري من أعدائهم، وليس البكاء على الإمام الحسين بمعزل عن هذا الأصل الأصيل، خصوصاً إذا أذعنا أنه يصب في مجرى المودة في القربى التي هي ميزان عمل المؤمن بنص القرآن الكريم، علما ان المطارحات مع وعاظ البلاط بلغت أوجها حينما صبوا جام كيدهم على الشعائر الحسينية لاسيما إظهار الحزن والبكاء والتفجع لمأساة الطف ووصفهم إياها بالبدعة والخرافة، في حين أن الأنبياء والرسول قد تلوّعوا منها وجعلوها جذوة يقتبس منها الأحرار معاني الإنعتاق من كل أنواع الظلم .
وعلما ان الحزن يضر بالقلب والبكاء ينقذه .واما قولهم في منع البكاء على الميت مطلقاً موقف الرسول من البكاء على الميت قولهم في أن النياحة من عمل الجاهلية مشروعية البكاء على سيد الشهداء عليه السلام البكاء على الحسين من سنة الرسول صلى الله عليه واله البكاء على الحسين عليه السلام عند الأئمة الأنبياء يواسون الحسين عليه السلام بكاء الكون بأجمعه على الإمام الإشكال على تكرار البكاء على الحسين عليه السلام مصيبة كلّ بقدره ثواب البكاء على مصيبة الحسين عليه السلام البكاء يجلي القلب وينير الدرب .
ومن الروايات الموثوقة عند جميع المسلمين بمذاهبهم ومشاربهم لما سمع رسول الله (صلى الله عليه واله) بعد غزوة أحد البكاء من دور الأنصار على قتلاهم ذرفت عينا رسول الله وبكى، وقال: لكن حمزة لا بواكي له. فسمع ذلك سعد بن معاذ واسيد بن حضير، فرجع إلى نساء بني عبد الاشهل فساقهن إلى باب رسول الله (صلى الله عليه واله) فبكين على حمزة، فسمع ذلك رسول الله (صلى الله عليه واله) فدعا لهن وردهن، فلم تبك امرأة من الأنصار بعد ذلك إلى اليوم على ميت إلا بدأت بالبكاء على حمزة ثم بكت على ميتها (مسند احمد 2 / 40) وهو أشهر حديث بالمدينة فإن نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتى يندبن حمزة وإلى يومنا هذا، ولعلك تلاحظ في هذه الرواية أنها لا تدل على جواز البكاء على الميت وندبه فحسب، بل إنها تدل على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة لقرون طويلة - كما سيأتي بيانه لاحقاً-. وحيث إن سيرة الرسول لم تتماشى مع قريحة الخليفة عمر بن الخطاب، ولم توافق رأيه نهى عنها نهيا شديدا، وكان يضرب فيها بالحصا والعصا الذين يبكون على أمواتهم مهما كان الميت عظيما ومكرما .
قال شيخنا الاميني رحمه الله تعالى في سيرتنا وسنتنا: رزية أبكت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم طيلة حياته، وأبكت أمهات المؤمنين والصحابـة الأولين ونغصت عيش رسول الله فتراه صلى الله عليه وآله وسلم تارة يأخـذ حسيناً ويضمّه إلى صدره ويخرجه إلى صحابته كاسف البال وينعاهم بقتله، وأخرى يأخذ تربته بيده ويشمّها ويقبلها ويأتي بها إلى المسجـد مجتمع أصحابـه وعينـاه تفيضان، ويقيم مأتماً وراء مأتم في بيوت أمهات المؤمنين. وذلك كله قبل وقوع تلك الرزية الفادحة فكيف به صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك، فحقيق على كل من استن بسنته صلى الله عليه وآله وسلم صدقاً أن يبكي على ريحانته جيلاً بعد جيل، وفينة بعد فينة مدى الدهر.
ان إحياء أمر أهل البيت (عليه السلام) وتوقيرهم ومحبتهم وإظهار الحزن لأحزانهم والفرح لأفراحهم، فالله تعالى قد أمر بمودة أهل البيت (عليه السلام)، فهل تتصور المودة بالفرح بحزنهم والحزن بفرحهم؟!والمآتم الحسينية إنما هي مصداق من مصاديق تلك المودة المفروضة، وتلك المراسيم لم يرد فيها نهي ولا منع، لذا فهي جائزة أصالة، ويرجح كفة إقامتها لأنها إحياء لأمر الدين، وتتأكد بورود روايات عن الأئمة (عليه السلام) في الحث عليها. فكيف يتصور أحدنا أن يمنع الدين الحزن على المؤمن بمقتل الحسين (عليه السلام)؟ والحسين (عليه السلام) أعز عند الله ورسوله (صلى الله عليه واله) من حمزة (عليه السلام)؟ كل ذلك بحكم الدين والعقل والبداهة، والإمام الحسين إنما حصل على وسام الأفضلية من جده المصطفى صلى الله عليه واله وسلم .
واقول حسب ما يحمله العقل الحر ان كل هذه المطارحات والناورات من وعاظ السلاطين منذ واقعة الطف ليومنا هذا حول قضية الحسين هو لاجل اخفاء ظلم الطغاة من بني امية واحفادهم في عصرنا الحاضر ولكن تبقى ثورة الحسين نبراس وذكرى تستلهم منها الاجيال الحرة دروس الجهاد وتبقى بركان يحرق عروش الظلمة ومنابر وعاظهم .تحية للحسين والاجيال الحره التي تسير على منهج ثورته .