المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شيفرة دافنشي
بسمه تعالى ... أشكر الصديقة العزيزة كليوباترا على إثارة هذا المسألة ... أدوّن ردي معتذراً عن الإطالة .. و مختصراً في الوقت ذاته الكثيرررر مما يجول في ذهني
أكاد أجزم بأن القليلين فقط تتجاوز معرفتهم التصور الواقعي لمفهوم الشعيرة ، قل لأحدهم مفردة شعيرة حتى ينصرف ذهنه مباشرة للحج ، قل شعائر حتى ينصرف ذهنه إلى البكاء و اللطم و الزنجيل و التطبير لأنه سيذهب حتماً نحو الشعائر الحسينية ، من منّا كلّف نفسه استقصاء معنى الشعيرة خارج هذا الفهم السطحي ؟ من تعمق أكثر ؟ القلة فقط و هذا ما عرفته من نقاشات كثيرة .
و ما دمنا لسنا في بحث علمي فلن نعقد الأمور ، سنستعير مادتنا من الشعائر الإسلامية ، هي شعائر دينية لم يكن الإسلام الدين الأول الذي جاء بشعائره .. سبقته ديانات أقدم منه ..... إذا كان الحج شعيرة ، ترى من منّا يقتنع بكفاية هذه الأفعال و السلوكيات و الأعمال المحددة في أوقات معينة في السنة حين يقرأ هدف و أبعاد الحج العميقة ؟!! هل أنت مقتنع ـ كمسلم ـ بأن رجم تلك الصخرة المجسدة للشيطان كافياً لاقتلاعه من نفسك و إبعاد شرّه عن نفسك ؟!! و أنا هنا لا أقصد بـ أنت في خطابي هذا إلا الجموع المليونية كلها التي تعود من الحج لتأتي غالبيتها بمنكرات أشد من تلك التي كانت تقترفها قبل الحج ، لذلك قيل (( ما أكثر الضجيج و أقل الحجيج )) ... و لذلك قال العلماء المسلمون عن الشعيرة ما يمكن إجماله بــ : الشعيرة هي تلك الأفعال من حركات أو أصوات ... الخ و التي يقوم بها المسلم في أوقات و ظروف معينة ليبين في ظاهرها عبادته و إخلاصه لله تعالى ، و يكون في باطنها ذلك الأثر في الفرد و المجتمع .
من إجمالنا البسيط لتعريف الشعيرة يظهر أن لها : 1- ظاهر 2- باطن
الذي نشاهده من الشعائر ظاهرها فقط ... و هنا لا بد أن أؤكد أن السلوكيات الاجتماعية بشكل عام و الشعائر الدينية منها بشكل خاص إنما تنطوي على بعدين : 1- البعد النخبوي / و منه الفعاليات المخصوصة بالنخب الثقافية كالندوات الاختصاصية و الفعاليات العميقة المعقدة على وسائل الإعلام التي تعتمد على مفاهيم إيصالية كالثيمات و ما إلى ذلك . 2- البعد الجمهوري أو الجماهيري ـ ما شئت عبّر ـ و هنا لا بد من الجنوح إلى الحشد الجماهيري كوسيلة لإنجاح هدف السلوك الاجتماعي القائم على فكرة الجماهيرية .
يظهر من ذلك أن الشعائر الدينية هي فعاليات تعتمد الحشد الجماهيري ، بمعنى أنها تستهدف الجمهور العريض و لا تختص بالنخبة فقط ، لكن فضيلة الشعائر الدينية أنها تحتوي في بعدها العميق أهدافاً نخبوية تحاول إيصال الجمهور إليها بوسائلها المقننة و التدريجية التي قد تستغرق الكثير الكثير من الوقت ، ما أردته من كلامي أعلاه أن أوجه عناية الأعزاء إلى عدم محاكمة الأنساق الثقافية عموماً من زاوية كونهم نخبة ، إذ سيفشل من يحاول ذلك لأنه سينسف التراث ، بعبارة أبسط : لا يمكن محاكمة الشعائر من زاوية فهمنا النخبوي بوصفنا مثقفين فقط ، بل لا بد من التفكير بالبعد الجماهيري للشعيرة قبل البت بذلك الحكم ، لأن الشارع المقدس إنما أمر بالشعائر و هو يستهدف المثقفين و غيرهم لا المثقفين فقط ، و لم يوجد ـ في حدود إطلاعي ـ شعيرة خاصة بالنخب و إلا لكان الأنبياء و الأوصياء أولى بها بوصفهم نخبة النخبة ( على وفق التفكير الديني ) .
بعد هذه الملاحظة المنهجية الضرورية في البحث عن الشعائر سأدخل موضوع شعيرة التطبير و نحن لا نغيّب عن أذهاننا البعد الجماهيري ( أي البعد المكتسب أهميته من تفكير العامة لا النخبة )
و أول سؤال يواجهنا هنا : هل يشترط في الشعائر إشهارها في القرآن الكريم ؟ هل أشهر القرآن نصاً واضحاً صريحاً بالشعائر الحسينية ؟ كلا بكل تأكيد لم نجد مثل هذا النص ، إذن ستستخدم المذاهب الأخرى هذا في الحكم ببطلان الشعائر الحسينية و بأنها بدعة !! لكن حقاً ما هي البدعة ؟ كل ما ابتدعه أحد بعد الرسول ص ـ على وفق المذاهب الأخرى ـ و كل ما ابتدعه أحد بعد الرسول و الأئمة من أهل البيت ص ـ على وفق المذهب الشيعي ـ هل هذه حقاً هي البدعة ؟ هل تعريفنا هذا صحيح ؟!! لابد إن كان صحيحاً أن نحكم بأن ( الأوقاف ) و فكرة إنشاء ديوان خاص بها من قبل الدولة العثمانية كان بدعة !! هذا ما استغله بعض علماء الدين في عهد تلك الدولة ليثيروا جدلاً كبيراً حينها .. غير أن الأوقاف و ديوانها استمر ... هل كان الرسول ص يتدروش ؟! إذن تكيات الطرق الصوفية و الدروشة بدعة .... أقولها بصراحة : تعريف البدعة آنفاً غير صحيح و مغلوط و باطل ... لأن البدعة ستكون بدعة بشرط واحد و هو ( الحرمة ) أي حرمة الفعل المستحدث بنص قرآني أو سنة شريفة .. إذ أباح الرسول الأعظم ص أن يستحدث أحد أمراً بقوله (( من سنَّ سنّة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، و من سنَّ سنّة سيئة فعليه و زرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة )) ، و عليه فإن كل شيء لم يظهر دليل على حرمته فهو جائز ، و من هنا قيل ( الأصل الإباحة ) كل شيء يستحدثه المتكلم و هو واقع في الإباحة لن يكون بدعة ، هنا لا بد من الكفّ عن وصف التطبير بالبدعة ، لأن وصفه بهذه الصفة يذكرني بالتوجه الوهابي السلفي الذي يقول عن قالب الثلج و مكيف الهواء أنه بدعة !!!!
و لأني أطلت .. أود الاختصار بنقاط تجمل الحديث :
- شعيرة التطبير واقعة ضمن منطقة الإباحة ، إذ لم يثبت وجود نص قرآني أو حديث من السنة الشريفة تحرمها ، أما فتاوى العلماء ـ رحم الله الماضين و حفظ الله الباقين منهم ـ بحرمتها فلم تستند إلى نص قرآني ولا حديث شريف ، و إنما استندت على قواعد فقهية و على تقدير المتعارف و نظر المشرّع ـ المجتهد ـ لهذه الشعيرة في عصر إصدار الفتوى ، و منه : إن القول بأن هذه الشعيرة تلحق الضرر الجسدي ثابت البطلان لأننا لم نشهد موت أو عجز أو أي ضرر معتد به يقع على ( المطبِّر ) فإن قال أحدهم بأن البعض مات ـ تنزلاً مع ادعائه الذي لم يثبت لا لدّي و لا لدى غيري ممن سألتهم أو لديكم كما أجزم ـ أقول : إن بعض من مشى سيراً على الأقدام مات فلنحرّم المشي أيضاً ، بل إنه لم يمرّ موسم حج إلا و مات حجاج كبار في السن أو مرضى ، لنحرّم الحج إذن على هذه القاعدة !! أما من أصدر فتواه بناءً على دعوى أن التطبير يلحق ضرراً بسمعة المذهب فلي أن أسأله : بالله عليك هل التطبير فقط يلحق هذا الضرر ؟! هل سيكفّ من يوجه الانتقاد و السخرية و الاستهجان عن ذلك إذا منعنا و حرّمنا التطبير ؟!! أليس توجه السخرية و الانتقاد إلى ( اللطم ، البكاء ، الزنجيل ، بل إلى مفاهيم أقدس كالمهدي حين يقول عنه من يقول : صاحبهم لجأ إلى سردابه و ما زال هناك !! ) علينا إذن ـ على وفق هذه القاعدة ـ أن نلغي كل مفهوم يتعرض للانتقاد و السخرية لأنه يشوّه صورة المذهب ... حسناً حسناً دعونا من المفاهيم المقدسة إذ سيقول البعض ( هذه عقائد المذهب و أساسياته ولا يمكن التخلي عنها ) فلنتخلى عن اللطم و البكاء لأنه و الله و أنتم تعلمون مثار سخرية عند الآخرين !!! من منكم خدم في الجيش في زمن النظام البائد ؟ من منكم سكن في قسم داخلي و اختلط ببعض ـ ولا أقول الكل ـ بل لأكون صريحاً بالأغلب لا بالبعض من إخواننا من المذاهب الأخرى الذين لا يتوانون عن السخرية و التهكم على البكاء و اللطم !!! ما هكذا تورد الإبل أيها الفقهاء لكم منّا كل الإجلال و التقدير .... الفقهاء في مورد تقدير المألوف و المتعارف في منطقة الإباحة يتعرضون للخطأ ، ألم يمنعوا إقامة شعيرة صلاة الجمعة في العراق ؟ هل كانوا مصيبين ؟!! لك أن تسأل نفسك بعد إقامتها ... و حسب !!!!
- الاحتجاج بالقول ( إن لدينا من السنة الشريفة ما يثبت جواز البكاء و اللطم فأين دليل جواز التطبير ؟ ) احتجاج غير صحيح و مغلوط و قاصر ، إذ يتنافى مع قاعدة ( إثبات الشيء لا ينفي ما عداه ) و إلا لانتفت الكثير من الممارسات الدينية لأن غيرها ثبت و هي لم تثبت ، كما أن ثبات البكاء و اللطم لا ينفي جواز التطبير لأننا سبق وقلنا ( الأصل الإباحة ) فالتطبير ـ على فرض عدم وجود الدليل عليه ـ يبقى مباحاً ما دام ليس هناك نص بحرمته ، لأنه و ببساطة إنما يحتاج إلى الدليل كل ما هو ( واجب ، محرّم ، مستحب ، مكروه ) و مع التنزل يبقى التطبير جائز مباح في كل الأحوال .
- إن بعض ما جاء به الموضوع من فتاوى واحدة منها غير صحيحة و هي التي للسيد الشهيد محمد الصدر رض .. إذ اقتطع السؤال منها و بقيت الإجابة ـ على فرض التسليم بصحة صدورها عنه رض ـ إذ تلاحظون قوله في الفتوى المنسوبة إليه (( طبيعي لن يكون في إدماء الرأس بهذه الصورة ... الخ ) أية صورة ؟ تلك هي الصورة التي سيبينها سؤال السائل لو لم يقتطع سؤاله من النص الوارد هنا .. و على أية حال فإنه لمن المعروف و المشهور و الموثق عن السيد محمد الصدر قدس أنه أجاب عن تلك الشعيرة بقوله رداً على سؤال :
س / في يوم العاشر من المحرم تخرج بعض الهيئات والمواكب الحسينية ويستخدمون الطبول أثناء التطبير (ضرب الرؤوس بالسيوف و إدمائها) فما حكم التطبير؟ وما حكم الضرب على الطبول؟
بسمه تعالى: لا إشكال فيهما على الأظهر)) ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب(( . و منها ما نسب عن آية الله العظمى الخوئي رحمه الله فهو مغلوط أيضاً ، إذ أجاب سماحة آية الله الشيخ إسحاق الفياض دام ظله عن ذلك بقوله : (( التطبير عند السيد الخوئي قده جائز بعنوان الشعيرة الحسينية و فيه أجر و ثواب )) ، كما أن رأي الكثير من العلماء الشيعة ورد غير صريح و واضح ـ من زاوية الفهم الفقهي ـ أو مشروطاً كما في جواب سماحة آية الله السيستاني دام ظله إذ يشترط بــ إذا ، و من هنا وجب على المكلف المقلِد أن يتوخى الدقة في الفهم و نقل المعلومة الفقهية .
و أكتفي بهذا القدر من الإجابة بخصوص آراء العلماء و أترك الإشارة إلى من قال بجوازه و استحبابه لمن أراد الاطلاع .. الأمر لن يستغرق أكثر من كبسة زر للتعرف على هذه الآراء ... و بناءً عليه فإن الحملة ضد شعيرة التطبير لم تكن دقيقة في نقل فتاوى المجتهدين إذ لن أقول بأنها موّهت على الناس انطلاقاً من حسن الظن بأصحابها .
أخيراً أود توجيه عنايتكم إلى أن تطور الزمن و مرور حقب منه ستؤدي إلى ظهور شعائر جديدة و انطماس أخرى قديمة ربما ... الشعائر تبقى جائزة ما دامت مباحة و لم تخالف نصاً شرعياً ... محبتي للجميع .. و تذكروا أن الذين يطبّرون فيهم الجيد و فيهم السيء كما الأمر في الحجاج .. فلا تحكموا على الشعائر من روادها .. و ( خلّوا بين الناس و إمامهم .. يندبونه .. ما دام ذلك مباحاً )
ملاحق