من الآفات التي انتشرت في مجتمعنا في الآونة الأخيرة هي آفة النفاق، ومن الناس من يعتبرها تملقاً، لكنه في كلا الحالتين يبقي نفاقاً ومختلف عن الوجه الحقيقي للانسان، أي أن التملق والنفاق وجهان لعملة واحدة، الشيء الذي يجعل الحب الخالص لله بين الأفراد والمعاملة بحسن نية يقل تدريجياً بين أفراد المجتمع، لصالح النفاق الذي نهى عنه الله تعالى المنافق في قوله جل وعلا : 'وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ'. إن كثير من الناس يتباهى بالغنى، وكأنه غني بشطارته، وعلمه ،وكثرة شهاداته، ومهارته الشخصية، وليس بقدرة الله وإرادته وتوفيقه له، فقد نجد الكثير منا يتقرب من صاحب المال، ويتودد له، ويعطيه أكبر من حجمه، يكاد من كثر تودده له يعبده والعياذ بالله، حتي لو يصبح خادم عنده لا ينقص من شأنه شيء، فهو في نظرهم إنسان له قيمة ومكانة مرموقة في المجتمع، فهو أبو فلان الشيخ الفلاني، أو صاحب الشركة الفلانية، أو رجل المسؤول فلان ، وغيرها من الألقاب التي نسمعها دوماً علي الألسنة في مجتمعنا، فنري صاحب المال بيته معمور دوماً ،ويشاركه الناس في أفراحه وأتراحه، ولا يتأخروا عنه في أي مناسبة من مناسباته، مع أنه في كثير من الأحيان هذه الفئة من الناس تتكبر وتتعالى علي الآخرين، وتنظر إلي غيرها علي أنها دون المستوي، فلا تتعامل إلا مع الطبقات البرجوازية الذي تكون في نفس درجتها من الغنى، أو الذي تربطها بها مصالح شخصية متبادلة بينهم. إن كثير من الناس تمدح صاحب المال في حضوره وفي غيابه، كي ينالوا شرف التقرب والتودد منه بأي شكل من الأشكال، ويعمدوا علي مصاهرته والتقرب منه،(من ذكرياتي ان فلان رفض يصاهر احد ارحامه لانه لم يملك مالا ولا سيارةجميلة) وهم يعلموا حقيقة هذا الشخص الذي قد يكون جمع ماله بالحرام، أو الرشوة، أو الكذب او الاحتيال على الناس، وغيرها من الأساليب العديدة الغير مشروعة لا بأصلها ولا بوصفها ، فهو قد يكون سيئ الطباع ومستعد أن يفعل أي شيء للحصول علي المال. وكما نري أن الجميع ينظر له علي أنه علي حق ويساندوه ويتملقوا له في كل أفعاله وتصرفاته ،مع أنهم متيقنون في أنفسهم أنه علي باطل.
إن صفة النفاق والتملق السائدة في المجتمع والتي أصبحت عادة عند الكثير منا والتي تمنع البعض من قول الحقيقة، لا لشيء بل لأنهم باعوا ضمائرهم وغيبوا عقولهم من أجل أن يكبروا في نظر فلان وعلان صاحب المال والسلطان، وأن ينذكروا بالخير من قبل هذه الفئة المنافقة والمتذبذبة ، (كذلك استذكر هناك كان شيخا لعشيرة وكان احد افراد تلك العشيرة يتملق للشيخ من اجل ان يمشي معه في المناسبات حتى يبين نفسه للناس وبعد ذلك كان يروم بتملقه هذا ان يرقيه الشيخ العام الى شيخ فصيلة (فخذ )وكان المتملق واشيا للشيخ الكبير .كذلك لا يغيب عن اذهاننا ان جميع مفاصل المجتع هذا الافة المتفشية في مجتمعنا ونسوا قول الله تعالي: ' فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ' . بالمقارنة مع التي لا تملك سوي قوت يومها، ولا تملك من المال إلا القليل، وتكد وتتعب من أجل الحصول عليه، فنجدهم يسخرون منها ولا أحد يقترب منها ، نرى هؤلاء المنافقين لا يحضرون الى الناس البسطاء بنظرهم الضيق الا في المناسبات ليظهروا امام الملأ انهم رؤسائهم او شيوخهم او انهم اهل سطوة وحضور في المجتمع ولكن حضورهم وتواجدهم هذا ليس لله تعالى . في احد ذكرياتي شاهدت اهل العباءة المزركشة والغترة التي عجز عن كويها المكوى يجولون في احد مجالس الفاتحة لاحد من اقربائهم فسألت هل كان هؤلاء متواجدون دائما او بعض الاحيان في دار المرحوم قال لي من اصدقه انهم لم يصلو اليه حتى وافاه الاجل قلت اذن ان القوم اصحاب ((العباءة المزركشة والغترة المكوية)) ليس من اجل المرحوم او عائلته متواجدون .بل من اجل انفسهم حتى يتظاهروا امام الناس ان لهم وجود في الساحة ولكن سرعان ما انتهى مجلس الفاتحة وذا القو م لم يمرو على ذوي المرحوم اذن نفاق ورياء ليس عليه غبار وكثير من الافعال وافات النفاق التي اصابت جميع مفاصل المجتمع .وسبب انتشار هذه الافة هو ضعف شخصية الانسان واصابته بمركب النقص وعدم الثقة الانسان بشخصيته لذا نرى هكذا شخصية تحاول بكل تصرفاتها للتعويض عن ذلك المركب ولهذا المركب دراسة تامة في علم النفس الاجتماعي وهناك اشارات من وحي القران الكريم لهكذا شخصيى مصابة بهذا الداء اعاذنا الله واياكم منه ((وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ))المنافقين (4) ((مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا))النساء (143)
رد مع اقتباس