لو كان الحسين رئيساً!
طالب عبد العزيز*
في كل عاشوراء تستعاد مقولات الإمام المقتول ظلماً في كربلاء وتتحول كلماته وهو ينازل خصومه إلى شعارات تمتلئ بها جدران وساحات المدن العراقية في الوسط والجنوب. ونقرأ على العديد من المباني الرسمية وغير الرسمية عبارات تفصح عن اقتداء الناس هنا بمنهج الحسين، كذلك يتحدث كل من تصادفه في الشارع قولا أو صورة عن عظمة المناسبة وأهمية الاحتفال بها، وبصورة أكثر فان المدن هنا تتبدل احوالها خلال الايام هذه حتى تكاد تنعدم فيها مظاهر الفرح والبهجة إجلالا وتعظيما لمصرع السيد الإمام الحسين بن علي(ع).
ويبدو أن الفهم والتعبير عن المناسبة هذه قد اقتصرا على اللون الاسود وتوزيع الطعام ومن ثم الضرب على الصدور والاكتاف والرؤوس في مشهد راح يتكرر بشكل يدعو للتأمل ،إذ من غير المعقول أن يتحدث الناس عن منهج الحسين فيما الأفعال لا تنسجم مع المنهج هذا، ولا أجد شيئا من الحرج إذا قلت بأن منهج الحسين في الحياة والممات الذي دفع حياته ثمنا له لا ينسجم مع منهج وحياة وحتى ممات الكثير من الذين يتصدون للحديث باسمه سواء في الحكومة او بين عامة الناس من الذين يدّعون اتباعه. وعبارات مثل(الحسين ثورة ضد الظلم، أو ما خرجت إلا طلبا للإصلاح، أو هيهات منا الذلة …) لا نجد لها تطبيقاً مع واقع الحياة والناس بل لا نجد من يعمل بموجبها قولا وفعلاً.
استشهد الحسين وقتل أهل بيته ثم احرقت خيامهم وسلبت ثيابه من اجل كلمة حقيقية كان قد قالها عن نفسه ووقف الموقف الصلب ضد الطغيان والقهر والفساد لكننا لا نجد بين المسؤولين في الحكومة العراقية من وقف ولو ببعض من ذلك. فهم صامتون عن طغيان حكامهم وهو قابلون بسرقات بعضهم البعض وهم خائفون مرعوبون من خصومهم. ولا نريد وصف الدبابة التي دخلوا فيها العراق كما لا نأتي على ذكر عدد الايدي النجسة التي صافحوها لكننا سنقول والحق يقال بأنهم الاعنف والاشرس والاطول يدا ولسانا على أبناء شعبهم ممن خرجوا مطالبين بحقوقهم المشروعة.
لم يقف واحد منهم ليفهمنا العلاقة بين جوهر ثورة الحسين وجوهر موقفه من ابناء شعبه، وإن وقف وحدّثنا بلسان ناعم وبصوت هامس لا نجد ما يربط حديثه بين الثورة تلك والموقف الذي عليه هو اليوم. عبارة مثل “هيهات منا الذلة” لا تعني الهروب من المعركة أو مبايعة الحاكم الظالم إنما هي تعني في جوهرها أبعد من ذلك بكثير حتى لتشمل واقع وحياة الملايين من المواطنين المساكين، الذين لا يجدون الطعام لأبنائهم والذين يُخدعون بعشرات الخطب الفارغة التي دفعوا ويدفعون خلالها اعمارهم رخيصة مؤمنين بشعارات يقرؤونها على حيطان بيوتهم يخطها أناس لا تبلغ معانيها حناجرهم. الحقيقة تقول بأن معادلة خاسرة بحاجة لمراجعة دائمة. هناك من يتخذ من قضية الحسين دافعا لبقائه وبناء ثروته وتعزيز نفوذه لكن هناك من يقف على الطرف الآخر وهم بالملايين ممن يدفعون بحياتهم في أتون الجهل والموت والعوز والمسكنة.
فهم جوهر وحقيقة ثورة الحسين يعني انك تعيش في بيئة إنسانية نظيفة، خالية من الحقد والكراهية، يتنعم فيها الفرد بكامل حقوقه في المواطنة والعناية بصحته وإكمال تعليمه وإيجاد فرصة العمل المناسبة له ويسكن السكن اللائق به والعيش في شارع نظيف تؤمّن له الخدمات البلدية غير منقوصة في شيء. لا يقهره أحدٌ ولا يتطفل عليه مخلوق وما إلى ذلك من وسائل العيش الكريم الآمن. ترى بماذا كان الحسين ينادي لو كان حيّاً حاكماً رئيساً علينا اليوم؟......(منقول)