- يعتبر تصميم زها حديد لمسجد الافينيوز من أجرأ تصميمات المساجد المعاصرة و يلقى آراء متضاربة ممن شاهدوا صوره المعدودة المتوفرة على الانترنت أو ممن شاهدوا تصميمه الفريد والمتميز. فبالرغم من وجود تجارب سابقة لتصميمات غير تقليدية للمساجد في الكويت إلا أن اغلب تصميمات المساجد الجديدة تتبع الطرق التقليدية لتصميم المساجد. ويجئ تصميم مسجد الافينيوز لزها حديد في وسط مرحلة جديدة للمجمع الافينيوز التجاري ذو التصميم الحديث الذي أصبح قبلة المتسوقين في الكويت لما يضمه من محلات ومتاجر عالمية ومراكز ترفيهية ومطاعم ومقاهي بالإضافة إلى اكبر عدد من مقاهي ستاربكس تحت سقف واحد وفى جو مكيف وتوافر مواقف سيارات ذكية والذي تعمل إدارته على توسعته ليصبح اكبر مجمع تجارى في الخليج. وفى حين يرى البعض أن تصميم المسجد لا يمت بصلة لما يجب أن يكون عليه المسجد وانه مثال للعمارة العبثية والتجريبية التي تنتشر في دول الخليج من خلال "نجوم العمارة العالمية" (starchitects) الذين يغزون الخليج بتصميماتهم الغريبة التي تعمد إلى إظهار الثروة والثراء أكثر من توفير الحاجة والوظيفة ، يرى البعض الآخر انه تعبير عن لغة معمارية رمزية جديدة تعكس خطاب اسلامى متطور يتناسب مع ثقافة وحضارة إنسان القرن الواحد والعشرين والتي بدأت تظهر في تصميمات مساجد كثيرة في العديد من أنحاء العالم.
وتصميم مسجد الافينيوز ليس الاول بالنسبة لزها حيث سبق ام صممت مسجد ستراسبورغ الكبير المستوحى شكله من انسيابية حروف الخط العربى التقليدى. وقد جاء تصميم مسجد الافينيوز الانسيابي النابع من انسيابية الحركة في مساحة الأرض والفراغ المتاحة للمسجد وسط مباني المجمع التجاري ذو الأشكال الهندسية المتعامدة لتحقيق هدف الصلاة في مسجد وهو التسامي الروحي عن الملذات الأرضية والارتقاء بالإنسان إلى السماء نحو درجات الخشوع الأعلى. ويعتمد التصميم على التعامل مع المبنى ككيان متكامل ومنحوتة بنائية واحدة وليس أجزاء متراصة ومتراكبة بالإضافة إلى الابتعاد التام عن الخطوط التقليدية المستقيمة والمتعامدة. وتتميز فراغات المسجد الداخلية كذلك بالانسيابية وعدم الخضوع للأشكال الهندسية التقليدية لتحقيق تكامل الظاهر والباطن بالإضافة لاستخدام الإضاءة الطبيعية كعنصر اساسى في تحقيق التجربة الإنسانية للخشوع. ويؤكد استخدام عناصر تصميمية مثل المدخل المنكسر والقبة والمئذنة على احتفاظ المسجد بالعناصر الأساسية المعروفة للمسجد ولكن من خلال صياغة جديدة وأسلوب غير تقليدي. فالمئذنة في تصميم زها أصبحت عنصر من عناصر تشكيل المسجد بعد أن تغير الغرض منها كمكان للنداء على المصلين حيث حلت الميكروفونات محلها وأصبحت عنصر رمزي يشير إلى وجود مسجد ويساهم في توفير ارتباط المسجد مع السماء ، والقبة أصبحت عنصرا رمزيا مندمجا في جسم المسجد توفر الإضاءة الطبيعية للفراغ الداخلي والاتصال بالسماء من خلال مادتها الزجاجية الشفافة والرقيقة. وفى حين يرى البعض أن تصميم المسجد يمثل الفوضى وسط النظام إلا أن القراءة المقابلة ترى أن تصميم المسجد يمثل الملاذ الروحي المطلوب بعيدا عن صخب وحمى التسوق والشراء. ويؤكد انعكاس تصميم المسجد على الحدائق والفراغات الخارجية من حوله على فكرة تكامل المبنى مع الأرض من حوله وفصل الديني عن الدنيوي ، خاصة في وجود المسجد وسط هذا الطغيان المالي والتجاري.
وقد حققت المعمارية زها حديد من خلال تصميمها فلسفة تصميم الاتجاه التفكيكى (Deconstructivism) (وليس "التحطيمي" كما يسميه البعض بالخطأ!) للعمارة المعاصرة والذي ينادى بالبحث عن العناصر الأساسية وجذور التجربة الإنسانية وإعادة صياغتها بما يتناسب مع متطلبات إنسان عصر المعلومات الذي يبحث دائما عن المعنى والتعقيد والكثير ولا يرضى بالقليل والبسيط والمباشر. وهى فلسفة بدأها الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا خلال نهايات القرن العشرين وهى مزيج من الفلسفة الظاهراتية التي تعتمد على البحث المتعمق وتحليل التجربة الإنسانية للتعرف على مكوناتها الأساسية والفلسفة البنائية التي تعمد إلى الوصول إلى النظم التي تتبعها التجربة الإنسانية. وقد تمكن دريدا من تطوير الفلسفة التفكيكية التي تعتمد على تحليل أو "تفكيك" التجربة الإنسانية إلى عناصرها الأساسية ثم إعادة تركيبها بنظم ومفاهيم تتناسب مع الإمكانات والاحتياجات الإنسانية الحالية وبصورة تبتعد عن التقليدي والمعروف والمكرر. وقد تبنى العديد من المعماريين هذا الاتجاه كفلسفة للتعامل مع معضلات الأصالة والمعاصرة ، المحلية والعالمية ، التراث والحداثة وغيرها من المقابلات المتضادة التي واجهوها في أواخر القرن العشرين.
وكما كانت العمارة دائما انعكاس صادق للحضارة الإنسانية ومتغيراتها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية فقد جاء تصميم زها حديد ليعكس متغيرات كثيرة يمر بها العالم العربي والاسلامى يقاومها البعض ويرحب بها البعض الآخر. فبدأ من تصميم مسجد ذو شكل غير تقليدي بايدى سيدة معمارية ضمن مجمع تجارى حديث وفلسفة غير مفهومة باستخدام لغة معمارية من مفردات وعناصر وتكوينات غير مسبوقة وحتى استخدام تقنيات بناء ومواد لم تكن موجودة من قبل. لذلك سوف يصبح هذا المسجد في المستقبل رمزا لحقبة تاريخية تعكس الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للعالم العربي والاسلامى كما هو الحال بالنسبة للمعالم المعمارية التي خلفتها لنا العصور السابقة المتعاقبة.
نقلا عن التشكيلي