بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ثورة الحسين صلوات الله وسلامه عليه اراد الله لها ان تتقدم كنموذج للبشرية جمعاء وتمثل كل الجوانب العامة في الحياة ولا تختص بفئة دون فئة سواء في الخطابات التي قدمها الحسين صلوات الله وسلامه عليه من اول لحظة خروجه من المدينة الى مكة ثم الى كربلاء او من خلال المواقف التي قام بها الامام الحسين او اصحابه، اصحاب البصائر الذين كانوا يتحلقون حول الحسين صلوات الله وسلامه عليه حتى تبقى ثورة الحسين تمثل الرمز للمظلومية للمطالبة بالعدالة لأثبات الحق، كل هذه الجوانب صرخة الامام الحسين في عمق التاريخ لما نادى «هل من ناصر ينصرني» هو لا يطلب النصرة في تلك اللحظة فقط ولا يطلب النصرة لشخصه لأن الحسين ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو طلب الحق الا انه يقدم الصرخة في ضمير التاريخ على امتداده من اول يومه الى اخر يومه لتمتد هذه الصرخة بنداءات الامام المهدي المنتظر الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف، هذه الصرخة تنادي كل انسان يحمل ضمير في داخله من دون ملاحظة الدين او المذهب انما تناشد انسانية الانسان حينما يكون هناك مظلوم وحينما يكون هناك عدل مستلب وحينما تكون هناك ظلامات في المجتمع فأن لسان الحق ينادي اصحاب الضمائر ان ينصروا الحق اينما كان وان يقفوا الى جانب المظلوم في وجه الظالم، في حياتنا التي نعيش فيها الكثير من الظلامات في حق مغتصب من الحقوق التي تعاني منها الشعوب المستضعفة في الكون كله هؤلاء يحتاجون الى صرخة الحسين ان تكون قريبة من آذانهم وتحتاج الى تنشيط وتحفيز الضمائر الحية في كل انحاء الوطن، في كل انحاء الكون الذي يعيش فيه هذا الانسان، هذه الصرخة المباركة وهذا النداء الذي ناداه الامام الحسين في يوم العاشر من المحرم «هل من ناصر ينصرني»ينصر الحق وينصر الاسلام وينصر العدالة في اي زمن وفي اي مكان دون ان يتحدد النداء في حدود معينة ومعنى ذلك لو اننا اردنا ان نقرأ هذا النداء او غيره من النداءات او نستقرأ موقفاً من المواقف في حدود التاريخ الذي حدث فيه هذا الحدث او وقع فيه هذا الخطاب نقتل الثورة ونخنق خطاباتها ونجمد كل سلوكياتها، اراد الله لهذه الثورة المباركة ولهذه الحركة المباركة ان تكون حية ونشطة على امتداد التاريخ تحفز الانسانية وتحفز البشرية، تخاطب ضمائرها وتستشعرها القوة وتعطيها لغة النصر تستمده من حركة الحسين صلوات الله وسلامه عليه فأذن هذا الشعار لايجمد في الحدث وانما يمتد امتداد الانسان وامتداد الزمان الذي يعيش فيه هذا الانسان. لقد كان للامام الحسين (صلوات الله عليه) من رسول الله (صلی الله عليه وآله) كثر من وراثة نسبية، ووراثة سببية، وراثة أبوية، وأخری سبطية، وراثة روحية، وثانية بدنية، وراثة والدية ووراثة رسالية، ومن هنا أعلن الامام الحسين (عليه السلام) للناس أنه من أهل البيت النبوي، وأنه قام ليتم مسيرة المصطفی في أمته، فاذا كان رسول الله قد نهض بالنبوة وقاتل علی التنزيل، فإن أهل البيت نهضوا بخلافته كما أمر الله في كتابه وصرح بذلك رسول الله (صلی الله عليه وآله) فقاموا بالامامة وهم أهلها، وقاتلوا علی التأويل، إصلاحاً لما فسد، ودفاعاً عن حرمات الدين، وكشفاً للانحرافات والاضاليل، ومن أولی بذلك يومها من الحسين سيد شباب اهل الجنة، الذي دعاه الصحابة - ومنهم ابن عباس - بابن رسول الله، ولما استشهد أقر عبد الله بن عمر أن القوم قتلوا ابن رسول الله، وقبل ذلك خطب يزيد ابن مسعود النهشلي في البصرة يدعو الناس إلی نصرة الامام فقال لهم: هذا الحسين بن علي، ابن رسول الله (صلی الله عليه وآله)، ذو الشرف الأصيل، والرأي الاثيل. وقبل ذلك لما أشار مروان بن الحكم علی والي المدينة الوليد بن عتبة أن يقتل الحسين غدراً إن لم يبايع، أجابه الوليد قائلاً: والله يا مروان، ما أحب أن لي الدنيا وما فيها وأني قتلت حسينا، سبحان الله! أقتل حسينا إن قال لا أبايع؟! والله إني لأظن أن من يقتل الحسين يكون خفيف الميزان يوم القيامة! وقبل ذلك كله، كم تقدم رسول الله (صلی الله عليه وآله) في بيانات عديدة ذاماً ومحذراً، بل ومخاصماً كل من يقدم علی قتل ولده الحسين (عليه السلام)، حتی آخر ساعة من عمره الشريف، فقد روي الخوارزمي عن ابن عباس قوله: ثم أغمي علی رسول الله ساعة، ثم أفاق فقال: "يا حسين، إن لي ولقاتلك يوم القيامة مقاماً بين يدي ربي وخصومة، وقد طابت نفسي أذ جعلني الله خصماً لمن قاتلك يوم القيامة". وبعدة، هل خفيت علی الناس بعد البيانات النبوية، تلك الملامح النبوية، التي شعت في شخصية أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه)
فكان الحسين المشكاة والزجاجة والنور، وتلك مقولة جده رسول الله "حسين مني وانا من حسين". نعم، وقد تقدم الامام الحسين في بياناته الحكيمة بالهدف النبوي، لأنه الوريث النبوي، ففي طريقه الی كربلا، يوم اجتمع به من الكوفة في الثعلبية، كان له (عليه السلام) معه كلام جاء فيه: "أما والله لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرئيل في دارنا، ونزوله بالوحي علی جدي. يا أخا أهل الكوفة، من عندنا مستقی العلم، أفعلموا وجهلنا؟! هذا مما لا يكون!" ويوم جاء الحر الرياحي بألف فارس ليحول بينه وبين دخول الكوفة، خطبهم فقال (عليه السلام) لهم: "أيها الناس! إنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله، يكن أرضی لله، ونحن - إهل بيت محمد (صلی الله عليه وآله) - أولی بولاية هذا الامر من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين بالجور والعدوان". ومازال الحسين (صلوات الله عليه) من المدينة الی كربلاء يدلي ببياناته، وفيها مرارا: أيها الناس! أن رسول الله (صلی الله عليه وآله) قال، وكذا جاء فيها: أنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول الله. واستنصر الناس ليرفعهم الی كمستوی التكليف الذي بلغه النبي (صلی الله عليه وآله)، فقال (عليه السلام) لعبيد الله بن الحر: "هل لك من توبة تمحو بها ذنوبك؟" سأله ابن الحر: وما هي يا ابن رسول الله؟ فأجابه الحسين (عليه السلام): "تنصر ابن بنت نبيك وتقاتل معه". وأكثر من ذلك، فالحسين (سلام الله عليه) دعا عمر بن سعد إلی نصرته لينقذه مما ورطته نفسه الطامعة فسولت له قتل آل رسول الله، فأرسل اليه الحسين واجتمع به ليلا في كربلاء، وكان له معه حديث، قال له (عليه السلام) فيه: "يا ابن سعد، أتقاتلني؟! أما تتقي الله الذي إليه معادك؟! فأنا ابن من علمت، ألا تكون معي وتدع هؤلاء، فإنه أقرب إلی الله تعالی؟!"، ولكن كان في مقابل الاستنصار،
خذلان واعتذار وقد خاطبهم الحسين (عليه السلام) بهذه الأبيات كاشفا عن الحقائق المرة: -
فناصره والخاذلون سواء
أنا ابن الذي قد تعلمون مكانه
وليس علی الحق المبين طخاء
أليس رسول الله جدي ووالدي
أنا البدر إن أخفی النجوم خفاء
ألم ينزل القرآن خلف بيوتنا
صباحاً، ومن بعد الصباح مسا
ءبأي كتاب، أم بأية سنة
تناولها عن أهلها البعداء؟
ألم ينزل القران في بيوتنا
صباحاً، ومن بعد ألصباح مساء
بأيكتاب، أم بأية سنة
تناولها عن أهلها ألبعداءُ؟!