17-10-2015
أفرزت الأزمة السورية سيلا من الخلافات والتوافقات في العالم، وولدت تناقضات كبيرة بين دول الخليج والولايات المتحدة وروسيا، وباتت عواصم الخليج أمام الاختيار ما بين موسكو وواشنطن.
وفي هذا الصدد، اعتبرت "فاينانشال تايمز" أن الشكوك التي تراود بلدان الخليج ناجمة عن خيبة أملها في الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي لم يلب نداءاتها ولم يقحم بلاده في صدام مفتوح مع روسيا دعما للمعارضة السورية الحاصلة على التأييد المطلق منها.
ومما يثير ريبة دول الخليج كذلك هو التراجع الأمريكي الواضح على الساحة السورية، ورفض المواجهة مع موسكو في وقت عكفت فيه الأخيرة ومنذ البداية على دعم السلطات الشرعية في دمشق، وأكدت تمسكها المطلق بالقانون الدولي، ورفضها القاطع للتدخل في شؤون الدول ذات السيادة دون قرار بذلك يصدر عن مجلس الأمن الدولي.
وآخر تقدم لروسيا على حساب الانكفاء الأمريكي في الشرق الاوسط، حسب أوساط واسعة في الخليج، كانت العملية الجوية التي أطلقتها موسكو مؤخرا في سوريا، وما أحرزته في غضون أيام في حربها على تنظيمي "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" وسواهما في هذا البلد، بينما استمر التحالف الدولي والعربي بقيادة واشنطن طوال أكثر من عام يلقي قنابله على الإرهابيين دون أن يزحزحهم عن معاقلهم قيد أنملة، وبذل مئات الملايين من الدولارات كان جلها خليجي.
السؤال، هل أن هذا التحالف كان يستهدف الإرهابيين فعلا هناك، أم أنه كان يتظاهر بذلك، أو أنه، خشي استهداف الجيش السوري تفاديا للوقوع في مرمى نيران دفاعاته الجوية، أو حتى في نطاق أهداف السفن الحربية الروسية المرابطة شرق المتوسط منذ اندلاع الأزمة السورية؟
وبغض النظر عن خيبة بلدان الخليج الكبيرة بالرئيس أوباما وإدارته، إلا أنها ما انفكت وتركيا تطالب بلا كلل برحيل الرئيس السوري بشار الأسد كشرط أساس لأي تسوية محتملة في سوريا.
ويرى الكثير من العارفين أن عواصم الخليج العربية باتت تعيد حساباتها وتتساءل عما إذا كان انخراطها في الأزمة السورية صائبا، وعن الثمن المبذول حتى الآن دون أن تلبي واشنطن وحلفاؤها الغربيون أي وعد قطعوه، أو عهد بقلب الحكومة السورية وإزاحة الإدارة السورية عن موقعها، وإتاحة وصول المعارضة "المعتدلة" الى الحكم، "معارضة" اعترفت واشنطن رسميا بفشل مسلحيها الذريع على الأرض، والتحاقهم بالتنظيمات الإرهابية بعد أن بلغت كلفة "تأهيلهم" 500 مليون دولار.
ومما تقدم يتسنى تسويغ السبب الذي يحمل العديد من دول الخليج على تقديم التعاون السياسي والاقتصادي مع روسيا، والتخلي عن مشاعر الندم والحسرة على مشاريع أبرمتها مع موسكو، وقررت تعليقها أو إلغاءها على خلفية الأزمة السورية.
ويرجح بعض المراقبين أن تكون بلدان الخليج قد لمست في السيطرة الروسية الكاملة على تطورات الميدان في سوريا، عامل ردع قوي في وجه إيران يمنع تمددها في سوريا، رغم مرارة القبول بانتزاع موسكو جميع مفاتيح الحل السوري وتسليمها لطياريها الذين يمهدون بضربات جوية دقيقة لحل سلمي للأزمة السورية لا تمتطيه قوى غير سورية.
المعادلة تجلت للعارفين بمن فيهم أوساط خليجية واسعة، فبالعودة إلى 2008 أظهرت عملية "إرغام جورجيا على السلام"، التي أطلقتها روسيا تلبية لطلب جمهوريتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا الدفاع عنهما في وجه مغامرة الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي وطرد قواته الى حيث جاءت، أن روسيا لن تسكت بعد اليوم، وسوف تدافع عن مصالحها وحلفائها.
وأعقبت هذه التطورات الأزمة الأوكرانية وتخبط الاتحاد الأوروبي إزاء سبل حلها بما لا يتعدى على مصالح روسيا التاريخية في أوكرانيا ويفكك أواصر الدين والثقافة والتاريخ التي تربط البلدين.
هذه التطورات المخيفة على حدود روسيا وفي حديقتها الخلفية كما يقال، اضطرتها كذلك للدفاع عن مصالحها وحماية الاستفتاء العام في القرم، وإرسال قوات خاصة في جنح الظلام خفية عن أعين الناتو وواشنطن وأجهزة رصدهما الى أراضي القرم، وفرض طوق بحري وجوي عليها.
المواجهة الصعبة الأخيرة وليست الآخرة على ما يبدو التي تخوضها روسيا في الشرق الأوسط، تحمل بلدان الخليج وغيرها من دول العالم على التفكير بجدوى الانحياز الى جانب حليف واحد، ووضع البيض في سلة واحدة بعد ما خذلت واشنطن حلفاءها في جورجيا، وفي قرغيزيا وأوكرانيا، وفي سوريا وغيرها على التوالي بدءا من عام 2008.
صفوان أبو حلا

https://arabic.rt.com/news/797144-%D...6%D9%87%D8%A7/