.
من قصيدة : هي حرب صليبية يا محمد
كلما أصبح الماء ضحلا بمجرى الفراتين
حد الجفاف
وتفطرت العارض حول الضفاف
نثر النخل شعفته
ثم جرد سعفته
وغفا نصف عين
عندها يشهق الماء في الرافدين
ويلوح على الأفق وجه الحسين!
وبين الصلاة وبين الدعاء
يسمع الناس هذا النداء:
حين يصبح دجلة اوشال ماء
ويصير الفرات بلون الدماء
فاعلموا أنها دعوة للشهادة
تصعد الآن من كربلاء
وتدق على كل باب عراقية
وهي تصرخ بالدم:
انهض
فان زمان البطولة جاء!
أيها الناس
لم يكن عبثا أن كل دم الأنبياء
جاز كل الوهاد، وكل الهضاب
وتخير هذا التراب
عليه يراق
لم يكن عبثا أن يصير العراق
ساحة للشهادة
إنها سمة من سمات العبادة
ومن الموت فيها تجئ الولادة!
ويقاضونك الآن
كيف استتب لك الأمر يا وطني
كيف صارت شواطيك أبهى
ومغانيك أزهى
وعيون مياهك أنقى، وأشهى
كيف أصبحت أغنى
كيف صار لكل بريق بعينيك معنى
كيف لم ينضب الماء فيك
كيف لم ينضب الدم فيك
كيف لم تنهدم بعد ما ذبح الشر أبهى بنيك
ومن دون أن تتكلم يا وطني
يترقرق في دجلة الماء
أزرق لون المحابر
اسود لون المحاجر
احمر لون الدماء
قطط مذعورة
وكلاب مسعورة
تركض فوق ركام الكتب المطمورة
في أعماق الماء
آلاف الأقدام وآلاف السيقان
تظهر في الصورة
تعبر في الظلماء
فوق الكتب المغمورة
تنزلق الأقدام
وتنزلق الأجسام
فيغمرها الماء
سيقان معقورة
وبطون مبقورة
وعويل.. وبكاء
وأكف صغار مبتورة
عالقة بالأثداء
ويسيل الماء
يسيل الماء
وتنغلق الصورة!
ويمر الزمان
ويصبح بعد ثوان
أثراً بعد عين
يترقرق دجلة مثل اللجين
ساجيا،
صافيا..
وعلى موجه
يتلألأ دجلة الحسين!
وفي كل ألف.. كلما الأرض دنست
تسوق إلى بغداد غولا يغولها
صهايينها حينا.. وحينا مغولها!
من رأى للمعلق منكسرا في المياه؟
من رآه؟؟
والزوارق تعبر من فوقه وهي تبكي
والمويجات تحضن أوصاله وهي تبكي
وعيون الصغار
تتأمل أشلاءه
وهي تبكي!
من رأى النخل كيف استحال
مسامير سوداً منبلة تثقب العين والقلب
لا سعف، لا كرب، لا ظلال؟
ليس هذا خيال
أنا أبصرت عابا من النخل
اسود مثل المداخن
اجرد مثل رؤوس النبال
ورأيت المطر الأسود!
من يعرف كيف يهل المطر على الأشجار
سطوح الدور
وجوه الأطفال
فيصبغها باللون الأسود؟!
أهل بغداد اجمعهم يعرفون
وبيتي ما زال عاما فعام
يتحمل أوجاع هذا الوسام
يعيد له ذكر تلك الليال
والصواريخ تحرق بغداد
أطفالها،
وشوارعها
وتطارد حتى الظلال
ومن خلف حاسوبه
عالم في نيورك يهتف مبتهجا:
يا له كرنفال!
وفي فجر ليل الجريمة
فوق نفس المكان
سالت عيون السماء دموعا بلون الدخان!
ورأيت..
رأيت
رأيت الأسى
ورأيت الدموع
ورأيت إلى الناس تعرى
ورأيت جلودهمو كيف تصفر
تخضر
تسود
وهي تغلغل بين عظام الضلوع..!
مئات الجراح
ومئات النعوش الصغيرة
نحملها للمقابر كل صباح
والثكالى
والوجوه التي فقد أولادها شاع فيها جلالا
رأيت الرجال
ورأيت إلى وطني وهو ينهض بين رماد المحاق
هلالاً
ورأيت الفرات وجلة
يجريان، على وجع الموت،
صفوا زلالا
وتلفت..
أبصرت وجه الحسين
قمراً دامع المقلتين
في مياههما يتلألأ
يا محمد
انه الماء ماؤك
والدماء دماؤك
وهي دين
ولهذا يطوف عليها الحسين
يا محمد
أنت تعلم ما يضمرون
انه دينك اليغدرون
والعراق المصد
إذا ما استطاعوا
وحاشا
فمنه إلى كل أقداسنا يعبرون
هي حرب صليبية يا محمد
ونحن بها مسلمون
هي حرب يهودية يا محمد
ونحن بها مسلمون
هي حرب مغولية يا محمد
ونحن بها عرب مسلمون
نحن لا نرهب الصوت
لا نتلفت في لحظة الموت
كنني سأقول لكل العرب:
حذار خيانة أنفسكم
أن سيف المغول
واحدا واحدا سيطيح برؤوسكم
قبل أن ينفذ النصل فينا
هي هيضته الثانية
فلا تلدغن بنفس عقاربها
مرة ثانية
فغدا،
بعدما تغرق الأرض دم
ليس ينفع من يندمون الندم!
ستمر الشهور
وتمر السنون
تنام جفون
وتصحو جفون
وراية الله اكبر
سوف تبقى ترفرف ملء العيون
وتسير الحياة
يترقرق دجلة
ويجري الفرات
وعلى الشاطئين
باسما يتلألأ وجه الحسين..!!
عبد الرزاق عبد الواحد
http://al-moharer.net/moh248/abdul-r-a-wahed248.htm