بعد تخرجك من الثانوية أو من الفترة الجامعية أو ربما فى فترة متقدمة من عمرك تبدأ بعض الأسئلة المصيرية تلح على عقلك، والتى يجب أن تتخذ قرارات مهمة طبقاً لها، مثلاً أى الكليات التى يجب أن ألتحق بها؟ ما هى طموحاتى بها وما الذى أستطيع أن أحققه خلال سنوات الدراسة من خبرة وعلم؟ وماذا ستعمل بعد أن تتخرج؟ هل سأحب هذا العمل؟ هل أستطيع أن أعمل به لبقية العمر؟ هل ستصبح سعيداً حينها؟! أسئلة كثيرة ربما تصبح فى بعض الأحيان مزعجة.
لكن بالنظر لسير العظماء والذين نجحوا فى مجالاتهم فإنه ليس المهم متى بدأوا أو كيف بدأوا المهم أنهم وجدوا فى النهاية الشيئ الذى يحقق ذاتهم وإستقلاليتهم، لكن كشيئ مهم بالنسبة لنا كبشر لا نريد أن ننظر ورائنا فنجد أن العمر إنقضى دون أن نحقق شيئاً عظيماً بحياتنا أو حتى عند تحقيقه متأخراً، وتلك نقطة مهمة أيضاً، يمكن إختصار الأسئلة التى بالأعلى بسؤال (كيف تقرر مالذى يجب أن تفعله بحياتك؟) والإجابة على هذا السؤال قد يختلف من شخص لآخر، لكن توجد بعض النقاط المهمة والتى يجب أن تدركها خلال بحثك عن حياة مهنية أو فرصة جيدة لحياة كريمة.
لا أحد يعلم المستقبل
معظم الشباب وهو صغير يخطط لمستقبله سأصبح مهندسا أو طبيباً أو طياراً..، الكثير من هذه الأحلام والتى لا تدرى ماذا سيحدث مستقبلاً من الأسباب والأشياء التى قد تمنعك من تحقيقها، فى معظم الأحيان ستجد أن الحياة لا تسير حسب خطتك، الفتاة التى كنت قد خططت لزواجها قد لا تنتظرك، الشركة التى تحلم بالعمل بها قد تفلس وتباع، مجموع الثانوية قد لا يدخلك الكلية التى تريدها.
أنت نفسك قد تتغير كلما تقدمت بالعمر وتجد أن أهدافك الطفولية تغيرت معك، فرصك تتغير، الوظائف المتاحة تتغير، فمثلاً منذ بضع سنوات كانت وظائف مثل جوجل وأمازون وتويتر وفيسبوك غير موجودة.
ويأتى السؤال هنا إذا كنت لا تدرى ما يحمله المستقبل، ماذا ستفعل؟! لا تضع تركيزك كله على المستقبل، ضع تركيزك فيما تستطيع أن تفعله الآن وأفعله جيداً أفعله بإحسان، أصنع أشياء، أبتكر، كون صداقات جيدة، أقرأ وتعلم جيداً، وتيقن بقول الله عز وجل:
“وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ” هود – الآية 115.
تكيف مع العمل الجاد والشاق
يقول الله عز وجل “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ”، من أعظم المهارات التى عليك تطويرها هى التكيف مع عدم الراحة والتعب والصعوبات، إذا لم تكيف نفسك على العمل الشاق ستبقى دائما كما أنت وتقريباً لن تحقق شيئاً فى حياتك، السيناريو المتوقع أنك ستتعلم ثم تتخرج لتعمل بما يكفيك لتتزوج وتنجب أطفالاً ثم تموت وتترك أطفالك فى هذه الدورة الحياتية المملة، إذا كانت لديك أهدافاً عظيمة وطموحات كبيرة من الآن عود نفسك على العمل الشاق، إذا أستطعت أن تتكيف مع هذه المهارة فستتمكن من بدء عملك الخاص، ستستطيع أن تضحى براحتك لأجل أشياء تستحق ولن تكتفى بالجلوس فى الظلال.
إذن كيف تطور هذه المهارة؟ ما الذى عليك فعله؟ قم بعمل أشياء غير مريحة وطويلة المدى وأبدأ بالتدريج، قم بعمل بعض التمارين البدنية وقم بزيادة معدلها كل يوم، قم بكتابة مقال أو تدوينة تعبر عن فكرة ما كل يوم، أبدأ فى تأليف كتاب، قلل من ساعات النوم، أبدأ فى العمل على مشروع تحبه يومياً، عندما تجد نفسك ستميل إلى الراحة أدفع نفسك قليلا للعمل بعض الوقت الإضافى.
تكيف مع المخاطرة
تخيل أنك أردت أن تبدأ بعملك الخاص، ووجدت نفسك تسأل الأسئلة المعتادة ماذا لو فشلت ماذا لو خسرت أموالى؟ أو حتى خوفك من النجاح ماذا لو توسع العمل ولم أستطع أن اديره؟ وهكذا؛ فتبقيك هذه الأسئلة بعيداً عن المخاطرة وإكتساب المهارات والأشياء الجيدة التى ربما تحدث عند تجربتك لشيئ جديد.
إذا تكيفت مع العمل الشاق والمخاطرة فتستطيع عمل أى شيئ تريده بحياتك، ستستطيع أن تسافر حول العالم وتعيش بأقل التكاليف، ستقوم بكتابة كتاب، ستبدأ بريادة الأعمال الخاصة بك، ستعيش فى دولة أجنبية وربما تصبح معلماً للغة العربية، ستتعلم كيف تبرمج وتصنع تطبيقاتك الخاصة، ستفتتح مجلة على الويب مع بعض الكتاب المهرة، كل هذا رائع إذا حققت الشرطين العمل الشاق والمخاطرة.
التخلص من المشتتات
كل الأشياء التى يمكنك فعلها عديمة الفائدة إذا لم تستطيع أن تتغلب على المشتتات والملهيات التى تعيقك حينها، فمثلاً تحميلك لكورسات تعلم البرمجة لن يجعلك مبرمجاً، لعبك على برنامج الفوتوشوب لن يجعلك مصمماً، قد تكون جيداً مع العمل الشاق والمخاطرة ولكنك تهدرهم بتضيع الوقت فى العبث والتشتت، كتابة مقال والدردشة فى نفس الوقت لن ينتج عنه إلا مقال سيئ غير منظم.
فى الواقع فإن التشتت والعبث ما هو إلا تجنب العمل بجد، لذا فعليك أن تستفيد بوقتك وتركيزك فى العمل الذى تقوم به وتنسى موضوع القيام بعدة أشياء فى وقت واحد خاصة إذا كانت ذهنية.
تعلم أكثر عن عقلك
معظم الناس لا تدرك أن الخوف يتحكم بهم، لا يلاحظون كيف يتشتتون، أو كيف يعودوا لفعل أشياء قد أقسموا بعدم فعلها مجدداً، فى أكثر الأحيان من الصعب تغيير العادات الذهنية لأنك ببساطة لا تدرك طريقة عملها فى عقلك.
معرفة كيف يعمل عقلك وما الذى يحفزه للعمل وكيف تريحه قليلاً من الأشياء المهمة التى تتحكم بأفعالك وعاداتك، من أفضل الأساليب لسكون العقل قليلاً والتجرد للخالق عز وجل هى الصلاة والتى تحدث عنها الشقيرى فى حلقة كاملة من حلقات خواطر هذا العام، شاهدها من هنا.
من الأشياء الأخرى أيضاً والتى ستُبقى على تركيزك هى الكتابة ومتابعة إنجازاتك اليومية والشهرية وكذا السنوية، فكتاباتك مثلاً عن مجال تدرسه ومناقشته مع المهتمين على الإنترنت والشبكات الإجتماعية سيجعلك تتقنه وتتعرف على نقاط القوة والضعف لديك، كما أن التدوين سيعتبر المرآة التى تصف إنجازاتك ومدى فهمك وتقييمك لما تفعله فى حياتك اليومية والعملية، لذا أبدأ بالتعلم أكثر عن عقلك وكيفية عمله لتطبق الآليات والطرق الصحيحة فى العمل والحياة.
قم ببناء شيئ بنفسك، ولو كان صغيراً
الكثير من الناس تقضى أوقاتها أمام التلفاز أو ألعاب الفيديو والشبكات الإجتماعية، قراءة الأخبار، عاماً من هذه الأشياء وستجد نفسك لم تحقق أى شيئ، لكن ماذا لو أنشئت مدونة أو طورت موهبة كالتصميم والرسم كممارستها يوميا لمدة نصف ساعة أو ساعة بالتأكيد ستجد أنك حققت شيئاً جيداً بالنهاية، يمكنك عمل قناة يوتيوب وعمل الفيديوهات المفيدة، شيئاً بعد مدة من الوقت تفخر أنك بنيته بنفسك وأجتهدت فيه.
أبدأ بعمل الأشياء الصغيرة وقم بتطويرها كل يوم إن أمكن، إنه كإستثمار موهبتك والتى ستزيد قيمتها كل يوم.
كن شخصاً أميناً يستحق الثقة ذو سمعة طيبة
عندما تقوم شركة أو شخصاً بتعيين شخصاً لا يعرفونه فأكبر مخاوفهم أن يكون هذا الشخص مخادعاً وغير أميناً، يتأخر عن أوقات العمل يكذب عن المهام التى قد أنجزها، عند إلتحاقك بعمل قم بترك سمعة طيبة لك، حافظ على مواعيدك قم بآداء المهام على أكمل وجه، مع الأيام ومع إنتقالك لأماكن أخرى للعمل ستكون قد كونت سمعة جيدة تستحق أن توظف فى أماكن جيدة كما ستكون أكتسبت مهارات تواصل جيدة مع مديريك وأصدقائك بالعمل.
النقطة الأهم: كن دائماً مستعداً للفرصة ما لم تحاول صنعها
إذا حققت هذه الصفات والمهارات أو على الأقل معظمها وكنت دائماً مستعداً فستصبح بإذن الله الفرص الجيدة سهلة التحقيق، كإيجاد عمل، كفرصة لبناء شركة مع أحد ما، كالبدء بمشروعك الخاص، ربما تأتى هذه الفرص على المدى البعيد فيجب أن تكون مستعداً لها وإذا لم تأتى فأعتمد على أن تقوم أنت بصنع فرصتك لتحقيق أهدافك وحياتك المهنية الجيدة.
أخيراً ربما لا تعرف الآن ماذا ستعمل أو ما هو شغفك الذى تريد قضاء عمرك للعمل به، ما هى الفرص المتاحة الآن وهل ستتغير بعد فترة، ولكنك ستعرف شيئاً واحداً إذا طبقت النقاط المذكورة، إذا كنت مستعداً؛ فستستطيع عمل أى شيئ تريده.
كن مستعداً بالتعلم عن طريقة عمل عقلك، بأن تكون حسن السمعة جديراً بالثقة، قم ببناء أشيائك الخاصة، تغلب على المشتتات، تكيف مع العمل الشاق والمخاطرة، ويجب أن تضع بالحسبان أن أحياناً الشخص والخبرة التى تكونها أثناء سعيك نحو هدفك ذات قيمة رائعة ربما ستدركها مع الوقت؛ فلا تندم على أى مرحلة من مراحل حياتك بل تعلم منها ثم ضع نقطة ومن بداية العمر.