مجموعة من منحوتات الفنان العراقي مكي حسين

وهي مجموعة نحتية موضوعها الأول هو رفض الأحتلال الأمريكي ومقاومته في العراق





الوطن عبر نافذة الجسد

جولة في أعمال الفنان مكي حسين

نزار رهك
لم أجد أصلح من هذا العنوان لأعمال الفنان التشكيلي العراقي مكي حسين في مجموعته الجديدة المكرسة لمقاومة الأحتلال في العراق والذي سيبدأ عرضه في المانيا مع مجموعة من الفنانين التشكيليين العراقيين في المنفى.
إن المتابع لأعمال الفنان مكي حسين والذي يعتبر من رموز الفن التشكيلي العراقي المعاصر ورغم الأنقطاع الذي دام سنوات طوال بسبب الديكتاتورية وبعدها بسبب الأحتلال , سيلاحظ ولادة نمط فني جديد يتجاوز الموروث الشكلي وطرائق التعبير والحركة المتجسدة في النتاج النحتي والذي يصنع من الجسد قوة تخلق عوالمها وإرادتها ومن تفردها المكاني الى تعبيرها عن الكل المجتمعي وعن الأرادة الحرّة الخالية من الرضوخ والحواجز وعنف السلطات وترسانة أسلحة الغرباء المحتلين.
لقد جسد الفنان في منحوتاته الأنسان العراقي ,بأعتباره الضحية المرعوب من القذائف والصواريخ و صخب الحرب والقتل الجماعي وجسّده كذلك قتيلا على الأرصفة دون هوية , فالقتيل هو العراقي والقتلة هم الغرباء
رعب الحرب
وفي الجانب الآخر لهذا الأنسان حيث تكمن قوته وصبره وصموده الأسطوري وبالتالي ثورته ومقاومته للأحتلال بكل مايمتلكه من طاقات .
تصدح شخصياته النحتية في فضاء الحرية الحالمة ويمتطي الشهداء في أعماله أجمل الجياد وهم يزورون الأهل وللأعلان إننا المنتصرون رغم الموت ومهما تكاثرت رؤوسنا المقطوعة فها نحن ننتفض حتى دون رؤوس .
قتل على الأرصفة
إن الدراسة الدقيقة لأعمال الفنان تدفعنا الى أن نسير مع هذه الشخوص التي تحكي الحكاية وتنتفض , تلتف بالراية الوطنية ولا تنكّس الأعلام للشهداء بل ترفعها عاليا تحية لهم و متحدية الموروث وتجعل من أجسادها سارية للراية أو بمعنى آخر سارية للوطن الواحد.
وتتجزأ الأجساد ولكن صورة الوطن واحدة .. هكذا نرى الوطن بتفاصيله عبر الجسد التي تنتفض أياديه لتكمل الأطار الوطني الذي يريد الأحتلال كسره وتحطيمه وما غير الأيادي , الشعب الواحد , من يجمع هذه الحطام التي تأبى من أن لا تؤطر صورة الوحدة الوطنية وكمشاهدين لا نحتاج الى المزيد من التخصص الفني ولا معارف مستفيضة في المدارس النحتية والتشكيلية لفهم الحركة وإعطاء مدلولاتها فحركة الأعمال هي مجساتنا وهي أحاسيسنا الملتفة في هذه الأجسام النحتية وشخوصها هم نحن ومعاناتها وإنتصاراتها هي من والى الشعب , حتى لنحسها أكثر جرأة وثقة بالنفس منا وبنفس الوقت نرى الفنان يعتمد مختلف المدارس الفنية الحديثة ولم يعد على مدرسة جياكوماتي أو هنري مور الفنية رغم مرتكزاتها الصلبة في تاريخ و طبيعة الفن التشكيلي العراقي النحتي. فقد إستخدم مكي حسين طابعه المميز وأستخدامه المتميز للأطار المربع الذي لم يعد مجرد شكلا لتمركز الشخصية النحتية بل أصبح مركزا للموضوع النحتي الذي يقع أحيانا خارج دائرة الشخصية المتمركزة في المنحوتة وفي أحيانا أخرى تفسر لمرحلة معينة من مراحل صعود ونمو موضوع العمل النحتي . إن إطارات مكي حسين لم تعد إطارات مربعة لشكل أو صورة شخصية بل هي تتعدى في أغلب المنحوتات ليكون أطارا للوطن أو هو الوطن نفسه وتدور حوله الشخوص والمواضيع.
المحتلون الذين حولوا الوطن الى ساحة للنهب وفريسة سهلة للعصابات وقطاع الطرق والمافيات السياسية وقد كانت من أولويات أهدافه سرقة التاريخ وماتبقى منه من آثار وفتحوا أبواب الوطن على مصراعيها للقتلة والمجرمين وما كان على السياسيين الموالين للأحتلال إلا أن ينصبوا الولائم لأفتراس الثروات والحضارة والتاريخ ومنها كان نصب الوليمة للفنان مكي حسين حيث كان الرأس على الطاولة هو رأس سرجون الأكدي والمحتفى بهم هم المحتلون الغرباء الذين لا يهمهم من الرأس قيمه الحضارية والأنسانية سوى إنه الفريسة.
ونجد الفنان في إعمال أخرى ينتفض مع منحوتاته وعلى إيقاع الصمود والأنتفاضة ومن ثم المقاومة الوطنية حتى يأتينا بتموز وهو يقرع طبول الثورة وكما الداعية أو قارع طبول السحور في رمضان كانت منحوتته فلتقرع طبول الثورة في تموز تدعونا أن لانكتفي برؤية العرض وأنما أن نأخذ الطبل معنا ونعلن الثورة سوية.
لتقرع طبول تموز
إن الفنان مكي حسين في مجموعته الأخيرة المقاومة للأحتلال هي مقاومة للهزيمة التي أراد بها الأحتلال أن يلحقها بثقافتنا وفنوننا العراقية وتاريخنا الحضاري .. وهي أساس لمدرسة جديدة في الفن التشكيلي العراقي المعروف بتميزه الوطني وجماليته الحضارية الأصيلة .
نزار رهك



أجساد متمردة تصبوا الى تحقيق أملها




موسى الخميسي


مكي حسين هو واحد من نخبة من فنانينا العراقيين المعاصرين الذين كرسوا أنفسهم لجهد خاص يتسم بسعيهم لخلق موازنة واعية بين الرمز والتشخيص . بعض تماثيله تقيم داخل مربع يرمز لفكر الأنسان وقدرته على صنع عوالمه , وهي تزرع في أنفسنا أحاسيس غريبة لكنها مألوفة تسير في الطريق وفي أغوار الزمن وتعبر عن الأمل والرفض والثورة والحلم وهي دائما مختزلة لدرجة توهمنا بأنها قريبة من أجسادنا , إن لم تكن هي أجسادنا نفسها .

إنه يمسك الأنسان حتى في عزلته لأنه يدرك إن هذا الأنسان الذي يناضل من أجل قضاياه سنوات طويلة , يستلزم من الفنان تفحصه في وجوده قبل الشروع بوضعه في المكان الذي يحدده.


إن كل مادة من خاماته يختارها وسيطا تعبيريا , يصل بها الى تكوين أناشيد بصرية تعبر عن رغبة الأنسان في النهوض والأنعتاق , وتحمل قدرا كبيرا من حنين يهبه القوة لتحقيق النجاح في بحثه الداصم عن مصير الأنسان العراقي , بطاقة تعبيرية بعيدة عن السطوة الحرفية التقليدية للنحت , فهو كمن يرى الفن وسيلة ضرورية تعينه على التمكن مما يراه.

في أعماله يصبح التعبير غير منفصل عن الشكل الجمالي , بل إن كل منجز نحتي يصبح كيانا عضويا ينمو ويتطور مع تطور وتغير المضمون , فالتشكيلات الفراغية التي يعالجها بين شدة الأيقاع المتصاعد والحركة في أجزاء الجسد , يحاول على الدوام إستنهاص تكويناتها , فالجسد الأنساني الطويل , المنخور , الصامت وكأنه هيكل شبحي مسلوخ , الممتلئ بثغرات وتقسيمات متقاطعة كأنها تفاصيل لقلق تاريخي كان ولا يزال يحمله بين ثناياه , يشعرنا وكأنه بريد إستعجال توجهاته المجسمة لتكون أقوى تعبيرا وأكثر حضورا وأسرع بناءا لتحقيق المهمات العالقة بذهنه.

نزعته الأولى في فترة السبعينات من القرن الماضي التي عاصرناها في محترفه الفني في بغداد , لم تكن تنتمي الى حركة محددة مع إنها لا تنكر تأثراتها بنتاجات الفنان السويسري البيرتو جياكوميتي , إستطاع أن يتميز بنزعة واقعية ممزوجة بتعبيرية تعكس الواقع بأحاسيس ومدركات تحمل تفسيرات مختلفة تجعلنا نحاول تشكيل مفاهيم ومعارف لا نهائية للوصول الى بعض الحقائق.

في كل تجاربه اللاحقة نلاحظ إمتدادا مستوحى من تلك الجماليات الأولى المرتبطة بالعفوية والتلقائية وهي تبحث عن نقاط إرتكاز , حيث كان يمزج بين التجريد والحركة المعبرة الى حد كان يشعرنا فيه بأنه يصوغ علاقة مثالية بين الكتلة والفراغ , وبين الخامات وقدراتها التعبيرية التي لم يخضعها الى أسلوب موحد .

إن هذه التماثيل المصغرة , مشاريع للأعمال أكبر حجما تمثل نقطة إنطلاق لسلسلة كبيرة من أعمال فنية نحتية تؤلف شكلا شاملا لجوانب عديدة من حياة مجتمعنا العراقي في مسار تطوره الملحمي وتعبر عن مفهومين أساسيين : الحرية والتجذر في حياة الأنسان.

يحرص مكي على بلورة شخصية نحتية متمردة على النزعات المحافظة التي سبقته من خلال غنى الأشكال والخصائص الرئيسة الفنية التي تفسر مظاهر عديدة لا يشبه بعضها بعضا نتيجة لضروف تاريخية متعددة لا يمكن لأحد ربط أي منها بحالة معينة مادامت مشكلاتنا مركبة على نحو شائك ومعقد , إلا إن إستيعابها الخيالي للواقع في مجالات متعددة سيظل هاما لنشاط الأنسان الروحي الذي هو في جوهره متلون بشكل أخاذ.

يقيم مكي بأعماله حوارا يحاول التوفيق من خلاله بين العوالم المرئية وبين عالم آخر يحمل غرابته ووحدانيته وكوابيسه ومآسيه وهواجسه وعذاباته , فهو يشعرنا وكأنه في أحيان كثيرة يضع قوة الأدراك في خدمة الأحساس الذي يتحول الى هذه الأشكال البالغة الرشاقة التي لا تتحدد علاقتها إلا في الفضاء الشاسع من خلال دراميتها التي صاغها وهي في أوضاع تمتد فيها الأجساد الى أبعد قدر ممكن لتبدو في أحيان كثيرة منفلتة عن واقعها وهي تكشف في الوقت نفسه عن خيوط مأساة درامية محتدمة , إلا إنها في الواقع تشكل فصلا أكثر حداثة من خلال التواءات الجسد وتدفقه وتموج خطوطه بحركات وتعابير حية.

مقتطفات من كتاب - فنانون عراقيون على خرائط المنفى - للكاتب موسى الخميسي