بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين فاطر السموات والارضين جل على عن وصفه الواصفين ونعت الناعتين
والصلاه والسلام على اشرف بريته ومعادن حكمته وتراجمته وحيه والسن ارادته محمد المصطفى وعترته
اللهم صلِ على محمد وآلــه محمد عليهم صلوته ورحماته وبركاته ما دام بريته
واللعنه على ظاليهم وناكرين فاضلهم على قيام يوم الدين

جمالية الإيقاع في الكلام المحمدي


روي أن النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ لما فتح خيبر وقدم جعفر ابن أبي طالب من الحبشة قال: "ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر".
إن الإيقاعات التي حليت بها النصوص الصادرة من النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ تنسجم مع محتويات هذه النصوص ومضامينها،
فتمنح النصوص بعدا جماليا يثير الشعور الإنساني ويحفز الإدراك الجمالي عند الإنسان في عملية التذوق الفني كالحديث النبوي السابق
وكقوله _صلى الله عليه وآله وسلم_: "إن الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه".
وكقوله _صلى الله عليه وآله وسلم_: "إن الله يحب البصر النافذ عند مجيء الشهوات، والعقل الكامل عند نزول الشبهات، ويحب السماحة ولو على تمرات".
كما قال النبي الكريم خاتم الرسل: "إعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس، وأرض بقسم الله تكن أغنى الناس، وكف عن محارم الله تكن أورع الناس".
هذه النصوص كما ترى تستبطن إيقاعات رائعة منسجمة مع ظاهر اللفظ وانجذاب الإنسان نحو الإيقاع هو انجذاب غريزي،
وبشكل لا إرادي يرافق الإنسان من سنين مبكرة في حياته، فخلو الآداب من عنصر الإيقاع يعني فقدان جاذبيتها الصوتية
التي تكون من الضرورة الفنية اللازمة لتشويق المتلقي
قال الرسول _صلى الله عليه واله وسلم_ حين سئل عن خير العباد: "الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا".
كما قال _صلى الله عليه وآله وسلم_: "العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان"..
ويقول الصادق الأمين: "ملعون ملعون من ضيع من يعول".
فالألفاظ الدالة على الإستبشار والعلم والإعانة هنا، لها رنين في نفس المتلقي يرددها مع نفسه، ليس رنينا خارجيا،
وإنها تتولد هذه الإيقاعات بتفاعل المتلقي معها من داخل النص وليست من خارجه. وهذا أيضا فن تميز به أدب الرسول _صلى الله عليه وآله وسلم_.
والسؤال الذي نود أن نطرحه هنا هو: من هو ملهم النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_؟
إن جواب هذا السؤال ينحصر في حقيقة مطلقة ماثلة في حياة الأنبياء ككل ومنهم النبي محمد _صلى الله عليه وآله وسلم_.
فالإلهام الذي اشترك به عمومهم هو من الله تعالى، فأدب الأنبياء هو وحي الله وتلقينه، فمن الله سبحانه كانت حروفهم تنطق وألسنتهم تبدع،
فالواحد الأحد جل جلاله هو موضوع أدبهم ومنه واليه تنصب عاطفة النبي، فإذا عرفنا أن العاطفة عنصر وركن من أركان الأدب،
فالله ورضاه هو المتبقي من هذه العاطفة في الأدب النبوي،
قال _صلى الله عليه وآله وسلم_ لأصحابه: "ألا أخبركم بشيء إن فعلتموه تباعد الشيطان عنكم، كما تباعد المشرق من المغرب"؟
قالوا: بلي يارسول الله،
قال: "الصوم يسود وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله عزوجل والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والإستغفار يقطع وتينه،
ولكل شيء زكاة وزكاة الأبدان الصيام".
أجل.. إن الله عز اسمه هو محرك الأدب النبوي، ومن أجله ينطلق، فرضاه تعالى هو محرك الأدب النبوي،
ومن أجله ينطلق اللفظ وتتصاعد المشاعر والأحاسيس في جو النصوص من أجل رضا المحبوب الأزلي والموجود اللامتناهي،
الذي يملأ قلب النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ وينوره.
إن الأدب النبوي يكبح العواطف البشرية الشاذة ويضبطها، فالإنحراف العاطفي يتراجع أمام الحواجز العقلية المنيعة
التي وضعها الرسول _صلى الله عليه وآله وسلم_ ولا يتراجع العقل والفكر البشري أمام النصوص النبوية بل يأتلف معها ائتلافا واضحا،
فالأسلوب بهذه الصورة يكسب رصانة بين رقة العاطفة وصحوة العقل وتكامله.
ونخلص مما تقدم إلى أن كلام سيد الأنبياء _صلى الله عليه وآله_ يتميز في كثير من نصوصه بجمالية الإيقاع وشدة تأثيره في نفس المخاطب به،
وهذه الجمالية وشدة التأثير ثمرة لاندكاك القلب المحمدي بالذات الإلهية المقدسة،
وهو اندكاك نوراني ظهرت آثاره في كل وجود النبي الخاتم ومنها كلامه – صلى الله عليه وآله –.

نسـألكم الدعاء
منقول