وزير الامن الاسرائيلي....هل اعترف بالهزيمة في العراق؟!عبد الأمير المجر
نقل موقع (ميدل ايست اونلاين) مؤخراً، تصريحات لوزير الامن الاسرائيلي الاسبق (آفي ديختر) قال فيها، لقد حققنا في العراق اكثر مما خططنا وتوقعنا ، موضحاً ان تحييد العراق عن طريق تكريس اوضاعه الحالية ليس اقل اهمية وحيوية عن تكريس وادامة تحييد مصر، ثم استدرك يقول:
تحييد مصر تحقق بوسائل دبلوماسية لكن تحييد العراق يتطلب استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة ، حتى يكون التحييد شاملاً كاملاً.. وقد اشار الى ان في العراق الان دولة كردية فعلاً وهذه الدولة تتمتع بكل المقومات.. مشيراً الى دورهم في دعم الاحزاب الكردية لتحقيق هدفهم المتمثل بتأسيس دولة كردية تسيطر على نفط كركوك وكردستان وان هناك التزاماً من القيادة الكردية باعادة تشغيل خط النفط من كركوك الى خط (BC) سابقاً عبر الاردن وقد جرت مفاوضات اولية مع الاردن وتم التوصل الى اتفاق مع القيادة الكردية...الخ. هذه التصريحات التي اثارت ردود فعل في الشارع العراقي لاسيما قوله انهم يعملون على (ابقاء العراق على اوضاعه الحالية مجزأ ومنقسماً ومعزولاً داخلياً) لابد ان تقرأ من زاوية اخرى ، اي قراءة الدوافع الحقيقية من ورائها ، لان العراقيين سمعوا كثيرا ، ان هناك قوى واحزاباً عراقية كردية وغير كردية ربما لها اتصالات وعلاقات مع اسرائيل ، وان دور اسرائيل في كل ما جرى للعراق يعرفه الجميع، وان الهدف النهائي معروف ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يصرح هذا المسؤول الاسرائيلي ويكشف احشاء المشروع المعد للعراق قبل ان يتم اكماله؟لقد قال احد الصهاينة في اواخر عهد بوش الابن، اذا ما انسحبت اميركا من العراق وهو موحد وغير مقسّم فكأنها مافعلت شيئاً ، اي ان اهداف غزوها لم تتحقق.. لان الهدف هو انهاء العراق كدولة وتدميره ولعل كل ما شهدناه من اعمال ارهابية وتدمير منظم جاء من اجل هذا الهدف الذي تخفى تحت عناوين مهلهلة مثل (القاعدة) و(العنف الطائفي) وغيرها بغية التستر على اللاعب الستراتيجي الذي يحرك خيوط اللعبة القاتلة في العراق التي بدأت اخطر حلقاتها العام 2005 في اللطيفية ، وانتهت نهاية العام 2007 بعد ان يئس اللاعبون في الظلام من جر العراقيين الى حرب اهلية تنتهي الى تقسيم العراق على غرار ما حصل ليوغسلافيا ، وهو ما كانوا يتوقعون حدوثه بعد الاحتلال مباشرة ، ولم يحصل ، ليبدأوا بتنفيذ الخطة المتمثلة باستخدام الورقة الطائفية وبقوة وقسوة من خلال تجنيد مجاميع ارهابية تعمل تحت عناوين طائفية لاثارة حرب اهلية ، وقد بلغت ذروة تلك المحاولات في تفجير مرقد الامامين العسكريين (عليهما السلام) مطلع العام 2006 وشروعهم الفعلي باشعال الحرب الاهلية التي سقطت وسقط معها المشروع وصارت جزءأ من الماضي الذي يتذكره ويتغنى به هذا الوزير الاسرائيلي ، لكنه تغنى حزينا لانه لم يحقق اهدافه التي كان يتمناها هو وحكومته، لياتي كلامه هذه المرة بصيغة التمني ونلمس ذلك من عباراته التي منها ( يتطلب استخدام كل الوسائل المتاحة وغير المتاحة حتى يكون التحييد شاملا )!وهذه العبارة وامثالها مما ورد في التصريحات تعكس شعورا بالهزيمة وعدم اكتمال المخطط ، وان قراءة نفسية لها تظهر لنا مقدار الخيبة والمرارة التي يعيشها هذا الوزير ورهطه من دون ادنى شك .لعل من المعروف للجميع ان اسرائيل لاسيما اجهزتها الامنية والمخابراتية لا تصرح او تعلن عن اهدافها عند ما تقوم بعمل ما وتترك للفعل نفسه يعطي نتائجه التي يستخلصها المحللون من دون ان تعترف هي بذلك، حتى بعد ان يتحقق الهدف ، فما الذي دفع بالوزير الاسرائيلي ان يخرج عن السياق المعروف ويترك لسانه يهذي بهذه الطريقة التي تمس ستراتيجية كيانه الامنية؟
والسؤال الاهم هو ماالذي دفعه للبوح بهذه الاسرار الخطيرة التي ربما احرج بها جهات عدة ، اميركية واسرائيلية وعراقية ايضاً؟
والجواب كما نرى هو ان هذا الوزير الاسرائيلي قال ما يتمنى ان يكون لاماكان فعلاً ، لان الذي حصل وبرغم قسوة ما تعرض له الشعب العراقي لم يدفع بالعراقيين الى تقسيم بلادهم ، وان وضع اقليم كردستان الان امر معترف به من قبل الحكومات العراقية ومنذ العام 1970 وقد تم اقراره بقانون معروف ، هو قانون الحكم الذاتي في 11 اذار الشهير، وهو ايضاً لا يستفز بقية الشعب العراقي بل افرحه لانه كان من المفروض ان ينهي حالة الصراع المسلح التي دفع خلالها العراقيون بمختلف الوان طيفهم ضحايا بالالاف ، وان الخلاف بقي حول عائدية محافظة كركوك ، وهو الخلاف الذي عطل تنفيذ الاتفاق العام 1974 ومازالت هذه المشكلة تمثل تحدياً للعلاقة بين الحكومة المركزية والقادة الاكراد ، وان حلاً مقبولا لها ، غير الذي يحلم به الوزير الاسرائيلي طبعا ، يضمن لجميع ابناء كركوك بمختلف قومياتهم ، حقوقهم في اطار العراق الواحد ، سينهي المشاكل وسيخرج العراق من محنته التي يعيشها اليوم ، ولا نقول المحنة التي بسبب هذه المشكلة بل المحنة التي خلّفها الاحتلال ومشروعه التقسيمي الخائب الذي اسقطه العراقيون بتلاحمهم وصبرهم على البلوى التي عصفت ببلادهم ، بعد ان كان وراءها المحافظون الجدد بزعامة بوش الابن ، المعروفون بتصهينهم، وهذا النجاح الذي حققه العراقيون بجدارة بعد ان امتحنت وطنيتم هو ما جعل الصهاينة يصابون بهستريا بعد ان تصوروا ان نهاية العراق باتت حقيقة قبل ان يتضح لهم بانها كانت وهماً في رؤوسهم. ان تصريحات الوزير الاسرائيلي تحريضية بامتياز وتهدف الى اثارة البلبلة ، وانها تمثل اشتغالاً لا نراه ذكياً بقدر ما نراه خبيثاًعلى اذكاء النزعات العرقية في العراق ، وهي ايضاً تعكس ضمناً الخيبة التي يعيشها الصهاينة ومن كان يعكس ارادتهم في البيت الابيض والبنتاغون في عهد بوش،لاسيما وانها تأتي قبيل الانسحاب العسكري الاميركي ولو ليس بشكل كامل ، مما يعني ان العراق الذي بات مدعوماً بارادة دولية واقليمية تؤكد على وحدته، قد تجاوز المؤامرة بارادة شعبه الصابر والقوي وان يبقى علينا كشعب اولا وكذلك القوى السياسية المؤمنة بوحدة العراق ان نظل متيقظين ومتحسبين لنقطع الطريق على اماني الحالمين بتدميرنا وتقسيمنا. وهذا ما يجب ان يكون منهاج عملنا المشترك وان اختلفت البرامج السياسية والعقائد الحزبية ومواقع الكراسي التي لا تستحق كلها ان نخسر بسببها العراق.