بمساحة 30 ملعب كرة قدم: تليسكوب راديوي عملاق يسترق السمع لأعماق الكون!
هناك دومًا تلك المشاريع العملاقة التي تنطلق وتستمر لسنين طويلة قبل أن تبدأ في اكتساب وجه يتناسب مع ضخامتها وثقلها المنتظر! هكذا تسمع عن البدء في تشييد أكبر بناء في مجال كذا، أو أطول جسر في دولة ما، وتنسى الخبر وتمر السنين لتفاجأ بعدها بكيان مهول يملأ الأرض والسماء! هل كان هذا حقًا هو ما تخيلوه عند بدء العمل منذ سنين؟! هكذا تسأل نفسك في حيرة بينما تحاول تقدير كم المثابرة والإرادة التي توفرت عند انطلاق نفير العمل في أول يوم من أي من هذه المشروعات!
الصين تبني أضخم تليسكوب راديوي في العالم في مقاطعة Guizhou، جنوب غرب الصين.
هكذا كان الخبر منذ 4 سنوات كاملة! خبر جميل لكن مجرد! والآن فلننظر للصورة بالأسفل ونفرنها بنفس الخبر لتضطرب أنفاسنا انبهارًا!
بدأ تشييد التليسكوب الكروي ذي الفتحة بقطر 500 متر Five hundred metre Aperture Spherical Telescope (أو ما يطلق عليه اختصارًا FAST) في مارس 2011. ومن المتوقع الانتهاء منه في سبتمبر 2016. سيتكلف التليسكوب العملاق قرابة 1.2 مليار يوان (120 مليون جنيه استرليني)، ما يجعله المشروع الفلكي الأضخم في تاريخ الصين بأكمله. وسيسمح لعلماء التقاط أضعف إشارات الراديو القادمة من الفضاء الخارجي، حتى أبعد من نظامنا الشمسي المعروف.
يقول (لي دي)، كبير علماء المراصد الفلكية القومية في أكاديمية العلوم الصينية: “سيحتل تليسكوب FAST المرتبة الأولى على مستوى العالم، كونه الأفضل في فئته طيلة العشرين إلى الثلاثين عامًا التالية لبدء عمله.”
تم طرح فكرة بناء التليسكوب الراديو لأول مرة في عام 1993، لكن لم يتم التصديق عليها إلا عام 2006، بعد عقد مؤتمر بحثي واستشاري دولي حول العلوم والتقينات المطبقة في تليسكوب FAST. وفيه وُصف التليسكوب العملاق بأنه “آذان البشرية” الجديدة التي ستسمح للعلماء بالاستماع إلى صوت الكون نفسه.
رحّب العلماء من كافة المجالات، بما يتضمن فيزيائيين، جيولوجيين، وفلكيين، بتشييد التليسكوب الجديد الذي من شأنه أن يعزز قدرة البشر على مراقبة الفضاء الخارجي. يقول Chen Xuelei أن البيانات المتلقاة من التليسكوب ستساعد في إثبات نظرية النسبية الخاصة بـ (آينشتاين) حالما يتم تلقي معلومات وبيانات أوفر حول الموجات الجذبوية من التليسكوب الجديد.
وأضاف Li Di: “لن يتمكن FAST من الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالفلك فحسب، بل على كثير غيرها يتعلق بالإنسانية والطبيعة. الإمكانات العلمية والتطبيقات المحتملة لهذا التليسكوب يصعب التنبؤ بها حقًا!”.
يتكون التليسكوب من 4500 لوح عاكس، وستساوي مساحة طبق الاستشعار مساحة ٣٠ ملعب كرة قدم! كل لوح من ألواح التليسكوب العاكسة العديدة متصل بكوابل تحكم لتغيير إحداثياته.هذا التركيب المعقد يسمح للعلماء بتحريك طبق الاستشعار لاستقبال إشارات الراديو من عدة اتجاهات مختلفة.
يقول Li Di: “التحدي الأكبر في هذا المشروع هو تحليل وحساب البيانات المتلقاة من التليسكوب ونقلها سريعًا لآلاف الحواسب الإلكترونية لتغيير اتجاه التليسكوب العملاق.”
سيخسر مرصد Arecibo في بورتو ريكا لقب أكبر تليسكوب راديوي بفتحة وحيدة لصالح تليسكوب الصين الجديد الجاري إنشاؤه. وسيكون باستطاعة تليسكوب FAST مسح واستكشاف الفضاء أفضل من نظيره Arecibo بعشر مرات كاملة!
يضيف Li Di: “نحن نسعى لاكتشاف شيء جدير بالفوز بجائزة نوبل! وعلى الرغم من أننا نحن من بنى التليسكوب، إلا أننا نرحب بالعلماء من كافة أنحاء العالم لاستخدامه والاستعانة بقدراته.”
يتم بناء تليسكوب FAST في منخفض Dawodang الغائر في ولاية Guizhou. الموقع الطبيعي يوفر الحجم والشكل المناسبين تمامًا لتشييد التليسكوب. الأرض المحيطة كذلك توفر الدعم والاستقرار للتليسكوب العملاق.
فالتربة المسامية التي يبنى عليها التليسكوب تشكل نظام تصريف طبيعي تحت الأرض، ما من شأنه حماية البناء الضخم. ومع وجود مدينة واحدة فقط في نطاق بقطر 12 ميلًا حول التليسكوب، يعد منخفض Dawodang معزولًا بشكل شبه تام عن التداخلات والاضطرابات الميغناطيسية.
هكذا، لا بد أمامنا إلا الانتظار إلى أن يتم تشغيل التليسكوب ومعاينة ما سيسفر عنه تحليل النتائج؛ ومن يدري! لربما فاجأنا التليسكوب العملاق بأسرار لا نعرفها بعد عن كوننا الغامض المهيب!