أطول حرب أهلية في التاريخ الإنجليزي، دارت في القرن الخامس عشر، وذكرها شكسبير مستخدماً مصطلح “حرب الوردتين” لأول مرة، في أحد مشاهد مسرحيته “هنري السادس”. وكان سبب التسمية هي أنَّ الفريقان المتقاتلان كان شعارهما عبارة عن وردتان: الوردة الحمراء لعائلة لانكستر، والوردة البيضاء لعائلة يورك.
كيف بدأت هذه الحرب؟
عندما أصيب هنري السادس المنتمي لعائلة لانكستر بمرض عقلي، حكم بدل منه ابن عمه ريتشارد الثاني الذي ينتمي لعائلة يورك، وعندما تماثل هنري السادس للشفاء نشبت الحرب بين أنصارهما.
قتل ريتشارد الثاني وتولى الحكم من بعده ابنه إدوارد الرابع، بعد سنوات قليلة مات إدوارد وتولى ابنه الصغير إدوارد الخامس.
استولى ريتشارد الثالث عم إدوارد الخامس على المُلك، ولكن آخر المطالبين بعرش لانكستر هنري تودور استرد الحكم وأصبح بعدها هنري السابع.
فتـرة الصــراع
كانت هذه الحرب أشبه بحروب المافيا في العصور الوسطى، وشهدت ثلاثة مراحل من الصراع المستمر، الأولى من 1459 إلى 1461، والثانية من 1469 إلى 1471، والمرحلة الأخيرة في الأعوام من 1483 ولغاية 1487، وكما ذكرنا فالعداء بين الأسرتين بدأ في عهد الملك هنري السادس من أسرة لانكستر 1422-1461.
من مجريات الحرب الممتدة عبر ثلاثة عقود
بدأ الصراع بعد طعن الدوق الثالث من أسرة يورك ريتشارد يورك، والذي كان قد شغل عدة مناصب مهمة في الدولة في شرعية التاج الملكي لهنري السادس وعدم أحقيته لأن يكون ملكاً.
كانت معركة سانت ألبانز الأولى التي اشتعلت في عام 1455 هي البداية الحقيقة لهذه الحرب، وبعد وفاة أشخاص بارزين من أسرة لانكستر فيها، أصبحت الحرب على أشدها وأخذ ورثة أسرة لانكستر على عاتقهم حمل الثأر لمن مات منهم، وقد حصل في وقت ما شيء من السلام بطلب من مارغريت أنجو ومحاولة لوضع حد لسفك الدماء.
سرعان ما استؤنف القتال بعنفٍ أكبر في 1459، فأُجبر ريتشارد يورك وأنصاره على ترك البلاد، ولكن ريتشارد نيفيل وهو أحد أبرز مؤيديه هاجم إنجلترا واقتحم مدينة كاليه فأسر الملك هنري السادس في معركة نورثهامبتون، وبسبب ذلك عاد ريتشارد يورك إلى البلاد وأصبح الوصي على العرش.
في ديسمبر 1460 اجتمعت قوات الملكة مارغريت مع قوات نبلاء أسرة لانكستر في شمال إنجلترا للإطاحة بريتشارد يورك، فدارت معركة ويكفيلد والتي قتل فيها ريتشارد مع ابنه الثاني إدموند، بعد ذلك تقدم جيش لانكاستر نحو الجنوب وهزم جيش يورك في معركة سانت ألبانز الثانية وأُنقذ الملك هنري السادس من الأسر.
شخصيات بارزة في الحرب
هنري السادس “رجل الدين في ثياب ملك”
أصبح ملكاً وهو لا يزال في المهد وكان عمره تسعة أشهر بعد وفاة والده المبكر هنري الخامس فكانت انكلترا في سنوات طفولته من 1413 إلى 1422 تحكم تحت الوصاية.
كان هنري السادس أصغر أمير يتولى العرش في تاريخ إنكلترا والوحيد الذي يتوج مرتين الأولى كملك لإنكلترا و الثانية كملك لفرنسا.
بعد بلوغه سن الشباب أثبت بأنه ملك ضعيف حتى أصبح يعرف بين أتباعه برجل الدين في ثياب الملك cleric in kings clothing لافتقاره التام إلى الاهتمام بالقضايا السياسية والعسكرية مع ميل قوي لإصدار أحكام خاطئة ثم انتهى بالجنون ويفسر المؤرخون المعاصرون بأنه ربما كان مصاباً بالشيزوفرينيا.
إدوارد الرابع
وهو أول ملوك إنجلترا من أسرة يورك، قضى النصف الأول من حكمه في محاربة أسرة لانكستر خلال حروب الوردتين، إلى أن استطاع أن يتغلب عليهم في معركة توكسبوري.
مارغريت بوفورت
هي أم الملك هنري السابع وجدة الملك هنري الثامن، وهي من الشخصيات الرئيسية خلال حرب الوردتين ولها التأثير الكبير على حكم العائلة حتى وفاتها.
انتصار لانكستر على يورك ونهاية الصراع
بعد توالي الصراعات، انتهت حرب الوردتين الأهلية بين طرفي عائلة بلانتاجانت بفوز هنرى تيودور من أسرة لانكستر على آخر خصومه الملك ريتشارد الثالث من أسرة يورك، ثم تزوج من الأميرة إليزابيث ابنة الملك إدوارد الرابع، ليضع نهاية لحرب الوردتين.
يجزم المؤرخون أن حرب الوردتين في إنجلترا كانت بداية انهيار طبقات النبلاء والمفهوم الإقطاعي في بريطانيا، وتعزيز طبقة التجّار والمفكّرين، وتكوين ملكية مركزيّة أكثر تطوراً في التعاطي السياسي مع الآخر، وكلها أمور ساهمت في انتهاء فترة العصور الوسطى بشكل كامل في بريطانيا، والدخول إلى مرحلة (عصر النهضة) التي قادت بريطانيا والعالم كله إلى مرحلة جديدة مختلفة كلياً عن الحياة القرونوسطيّة..
عصر النهضة في بريطانيا –والعالم من وراءها– بدأ من حرب أهلية!