بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين واللعنة على اعدائهم الى يوم الدين.
بحث اللفظ (الطلاق):
المقدمة:الحمد لله الذي خلق فسوى وقدر فهدى والصلاة والسلام على نبيه كهف التقى ونبي الهدى وعلى اله أولي النهى فقد جاء في الحديث الشريف عن الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله ): ((أبغض الحلال الى الله الطلاق ))وعنه (صلى الله عليه واله )((أنا أبغض كل ذوّاق من الرجال وكل ذوّاقة من النساء )) وعنه (صلى الله عليه واله ) ((ما من شيء أحب الى الله من بيت يعمّر بالزواج وما من شيء أبغض الى الله من بيت يخرّب بالفرقة )).
وبعد فان الاسلام قد جاء بنظام متقن رصين للأسرة, ووضع الحلول للإشكالات التي تعرض للأسرة المسلمة ,ومن هذه الاشكالات , إباحة لفسخ عقد النكاح بتشريع الطلاق وهذا استثناء من نظام العقود ,فان الاسلام قد جعل للطلاق تشريع , فمن حكمة الله تعالى أن شرّع الاذن للرجل بالانفراد بالطلاق دون المرأة, فلو لم يأذن الله بذلك لكان الطلاق باطلا كله الا أن يرضى الطرفان كما هو في سائر العقود فمن طلق كما شرّع الله صحّ طلاقه ومن طلق على غير ما شرّع الله كان طلاقه باطلا .
ان العلماء اتفقوا على جواز الطلاق بالجملة الا أنهم اختلفوا في بعض المسائل المتفرعة عنه ,مثل ايقاع الطلاق في الحيض والطلاق ثلاثا في مجلس واحد ,وغيره وما نحن بصدده هو لفظ الطلاق .
الفصل الاول:
تفسير سورة الطلاق(للقمي)
مدنية آياتها اثنتا عشرة.
سورة الطلاق:
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5) أسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10) رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12):
(بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ}):
قال_القمي_: المخاطبة للنبي (صلى الله عليه وآله) والمعنى للناس، وهو ما قال الصادق (عليه السلام) ان الله بعث نبيه باياك اعني واسمعي يا جارة .
والعدة الطهر من الحيض (واحصوا العدة) وذلك ان تدعها حتى تحيض فاذا حاضت ثم طهرت واغتسلت طلقها تطليقة من غير أن يجامعها ويشهد على طلاقها إذا طلقها ثم إذا شاء راجعها ويشهد على رجعتها إذا راجعها، فاذا أراد طلاقها الثانية فاذا حاضت وطهرت واغتسلت طلقها الثانية، وأشهد على طلاقها من غير ان يجامعها ثم إن شاء راجعها (غير انه ان راجعها وأشهد على رجعتها ثم يدعها حتى تحيض ثم تطهر فاذا اغتسلت طلقها الثالثة) وهو فيما بين ذلك قبل ان يطلق الثالثة املك بها إن شاء راجعها غير انه ان راجعها ثم بدا له ان يطلقها اعتدت بما طلق قبل ذلك وهكذا السنة في الطلاق لا يكون الطلاق إلا عند طهرها من حيضها من غير جماع كما وصفت وكلما راجع فليشهد فان طلقها ثم راجعها حبسها ما بدا له ثم إن طلقها الثانية ثم راجعها حبسها بواحدة ما بدا له ثم ان طلقها تلك الواحدة الباقية بعدما كان راجعها اعتدت ثلاثة قروء وهي ثلاث حيضات وان لم تكن تحيض فثلاثة اشهر وان كان بها حمل فاذا وضعت انقضى احلها وهو قوله: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) فعدتهن أيضا ثلاثة اشهر (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) واما قوله (وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) يقول إن ترضى المرأة فترضع الولد، وان لم يرض الرجل ان يكون ولدها عندها يقول (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى* لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ).
وقال علي بن ابراهيم في قوله: (وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ):
قال: لا يحل لرجل ان يخرج امرأته إذا طلقها وكان له عليها رجعة من بيته وهي أيضا لا يحل لها ان تخرج من بيته إلا ان يأتين بفاحشة مبينة ومعنى الفاحشة: ان تزني أو تشرف على الرجال ومن الفاحشة أيضا السلاطةعلى زوجها فان فعلت شيئا من ذلك حل له ان يخرجها.
قوله: (لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا).
قال: لعله ان يبدو لزوجها في الطلاق فيراجعها.
قوله: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ):
يعني إذا انقضت عدتها اما ان يراجعها واما ان يفارقها يطلقها ويمتعها على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
قوله: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) معطوف على قوله: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأشهدوا ذوى عدل منكم.
قوله: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) قال: المطلقة الحامل أجلها ان تضع ما في بطنها ان وضعت يوم طلقها تتزوج إذا طهرت وإن لم تضع ما في بطنها إلى تسعة اشهر لم تبرأ إلى ان تضع.
قوله: (أسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ) قال: المطلقة التي للزوج عليها رجعة لها عليه سكنى ونفقة ما دامت في العدة، فان كانت حاملا ينفق عليها حتى تضع حملها.
حدثنا محمد بن احمد بن ثابت قال: حدثنا الحسن بن محمد عن محمد بن زياد عن ابي ايوب عن محمد بن مسلم قال: سألت ابا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) قال: في دنياه.
اخبرنا احمد ابن إدريس عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن عاصم ابن حميد عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله عز وجل (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ) قال إذا أنفق الرجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع الكسوة وإلا فرق بينهما، وقال علي بن ابراهيم في قوله (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) قال أهل القرية (عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا) قوله (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا) قال ذكر اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالوا: نحن اهل الذكر قوله (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) دليل على ان تحت كل سماء ارض (لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا).
الشيخ علي القرعاوي.