بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
حينما يهتف النبي صلى الله عليه وآله: "" يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق""، فإنه وبهذا الهتاف قد نصب عليا ميزانا، أو يكون نصبه صراطا، أو يكون قد جعله قبلة للقلوب، فنحن إذن أمام قبلة علي وعلي القبلة..
استراتيجية الاستقبال:
إن الاستقبال حالة نفسية وعقدية تحمل الكثير من المعاني النفسية، كما أنها تعبير سلوكي له مباني نفسية متجذرة، وإننا نريد أن نخلع هذه المعاني على قبلة علي عليه السلام من خلال مضامين الاستقال وهي:
أ ) فالاستقبال هو المحاذاة للشيء بمقاديم البدن ولا يكفي الالتفات بالوجه فقط، وهذا النوع من السلوك يرمز إلى المبالغة في التقدير والاحترام، لهذا جرت عادة الناس في مواجهة المتحدث رمزا إلى مزيد الاهتمام بالحديث والاصغاء..
ب) وإن نصب القبلة علامة كرامة وعز، وفصل وتمييز، فحينما يدمن الإنسان الاستقبال لجهة معينة سواء كانت جهة بشرية معظمة، أو أي كائن محترم فإنه بهذا السلوك يضع على نفسه علامة فإما أن تكون علامة عز وكرامة أو تكون ذل وهوان حسب ما يستقبله..
وقد ميز الرسول وأمته وفصل عن سائر الأمم الأخرى سيما اليهود بالقبلة، قال تعالى: {فلنولينك قبلة ترضاها فولّ وجهك شطرَ المسجد الحرام}، وإنه تمييز وفصل على وجه العز والكرامة.
كما أن القبلة واجهة للعموم ولا يطلق عليها قبلة إلا إذا كانت قبلة للعموم وكل يتصل وينفصل عن العموم حسب درجة استقباله وانحرافه، لأن الناس ليست على درجة واحدة في الاستقبال !
الناس حول قبلة علي عليه السلام:
لا يوجد هناك تجانس بين الناس في استقبال علي عليه السلام إذ هناك من ليس بمسلم لكن له درجة من الاستقبال لعلي قد تفوق درجة استقبال بعض المسلمين .. وهناك من المسلمين غير الشيعة يحسن الاستقبال لعلي عليه السلام بشكل افضل من بعض المتسمين بالشيعة !!
ولأجل أن نسلط الضوء على هذه النقطة ونقيس درجات الانحراف والاستقبال لقبلة علي عليه السلام فإن هنا أنماط مختلفة:
- انحراف يصل إلى (180) درجة لقبلة علي عليه السلام، وهذا تحول واستدبار تام والاسم الشرعي لهذه الحالة هو: ( النصب) ؟!
- انحراف لا يتعدى (90) درجة، وهذا يعني أنه أعطى القبلة جانبا وأعرض عنها بالجانب الآخر من جسمه، فهو اتصال من جانب واحد فيما يبقى الجانب الآخر مفتوحا لغير هذه القبلة، كما أن هذا اللون من الإنحراف له طبع وطبعه هو الاختلاط .. فيمكن أن يحب عليا ويحب أعدائه ومناوئيه والحاقدين عليه والمجتهدين في طمس معالمه وإزاحته عن مراتبه التي رتبه الله عليها، وما ذاك إلا لأن ذهنية هذا الإنسان هي ذهنية مخلطة..
- انحراف غير مبالغ فيه (بسيط) قد يصل إلى (20) درجة مثلا، وضابطة هذا الشكل من الإنحراف أنه لا يخرج بصاحبه عن نقطة اليمين والشمال من القبلة، أو نقطة المحبة والولاء في مثل قبلة علي عليه السلام ..
وهذا شيء حاصل في بعض الشرائح والطبقات الذين ولدوا ونشأوا في بيئة شيعية !!
وإن هذه الحالة من الإنحراف مغتفرة لأنها لا تخرج صاحبها عن العموم لذا فمن الواجب شرعا كف اللسان عن شخصه، وذلك بوصية الأئمة عليهم السلام بل هو منهجهم وسيرتهم مع من حولهم فقد كان الكثير من الشيعة لا يرى في أهل البيت عليهم السلام تلك المقامات الغيبية ولكنه عومل كما يعامل سائر أفراد المذهب..
- الاستقبال التام وهذا لم يحظ به في ذلك العصر إلا أربعة حسب ما يذكر على ألسنة المحدثين، وعرفوا بـ(الأركان الأربعة)، وهم سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار.. وهذا تعبير دارج، وإلا فإن لفظة الأركان لم تأتي في النص وإنما هي تمسية عرفت بين متقدمي الرجال الشيعة ولعل أول من استعملها الفضل بن شاذان "رضوان الله عليه"، فقد سئل عن حذيفة وابن مسعود ودرجة استقبالهما لعلي عليه السلام فقال: ""لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود؛ لأن حذيفة ركنا وابن مسعود خلط ووالى القوم ومال معهم وقال بهم ""، أي أنهم ممن انحرف نحوا(90) درجة، وهنا نلاحظ أن ابن شاذان عبر عن حذيفة بأنه ركن أيضا..
فالأركان اسم لمن ثبت ولم يتزلزل ولا حاصر له في الأربعة فقط ..
والمهم أن هذه الطريقة من الاستقبال لا يهتدي إليها إلا الأوحدي الموفق من المؤمنين، فيصبح قلبه أمينا على كل حقوق علي فلا يغصبه حقا، ولا يبخسه شيئا من مقدراته، بيد أن البعض من الشيعة قد يكون في مظهر أهل العلم ولكنه يشكك في أمور ثابتة لعلي عليه السلام فهذا نوع من البخس إلا أننا نعود للكلمة السابقة أن هذه الدرجات من الإنحراف لا تخرج بالإنسان عن نقطة الولاء والمحبة له ..
آليات تحديد القبلة العلوية :
فكيف نحدد موقع هذه القبلة العظيمة، وما هي البوصلة التي تستطيع حساب المسافة وتحديد الجهة، وتستطيع أيضا أن ترسم لنا خطا مستقيما موازيا بين النقظة التي نقيم فيها ونقطة مقام علي عليه السلام..
والحقيقة أن لهذا طريقان: الطريق الأول هو التربية فيمكن أن يحظى الفتى أو الفتاة تربية كريمة من أبوين فاضلين فتشحذ فيهم المحبة والولاء لعلي عليه السلام:
لا عذب الله أمي إنها شربة حب الوصي وغذتنيه باللبن
والطريق الثاني الدراسة الذاتية إذ قد لا يحظى الإنسان بالتربية الكافية ولكن الدراسة الذاتية توصل الإنسان إلى استقبال علي عليه السلام استقبالا تاما.. إذ ما حاول أحد الدراسة لعلي أو الكتابة فيه إلا ووجد نفسه في خضم بحر عميق!!
وهناك مسارات في البحث والدراسة لعلي عليه السلام يجب أن تكون محط النظر للدارسين ومنها أمور:
1 المتواترات من الأحاديث عن علي عليه السلام:
وهنا كلمة نستمع إليها هنا، وهي أن كثرة المتواترات في علي عليه السلام تعد علامة فارقة (في علم السيرة) بين علي وغيره من الأئمة والأولياء، فعلى عظمتهم وعلى أن أمرهم ظاهر وواضح أيضا إلا أن عدد المناقب المتواترة لسائر الأئمة عليهم السلام لو جمعنا بعضها إلى بعض لم تبلغ ما تواتر لعلي عليه السلام !! فلا تكاد تسمع بحدث كريم لعلي إلا ورأيت له خيوط تمسك به الرواة !
يقول احمد بن الخليل" ما أقول في رجل أخفا أعدائه فضائله حسدا وأخفاها محبوها خوفا، فخرج من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين"".
2 التركيز على طبيعة العلاقة بين علي وبين النبي صلى الله عليه واله:
وليست المسألة مجرد مواقف حتى لو كانت متكررة، وإنما نقصد بذلك العلاقة التي تكون من نوع خاص أيها الأحبة والمواقف التي تكشف عن ميزة يراها الرسول صلى الله عليه واله وقد لا يراها غيره..
فنحن لا نتحدث عن مواقف من قبيل تولية الرسول الأعظم صلى الله عليه واله لهذا أو ذاك على سرية أو كتيبة أو قيادة جيش جرار فهذه قد تكون للشجاعة و البراعة في القيادة أو لأي اعتبار آخر، فلا ينبغي الخضوع للأسماء والصبغات من قبيل أنه صحب أو رافق أو شارك في غزوة كذا ووو ..الخ
إنما المهم أن نركز على الحصيلة الإيمانية التي يخرج بها الإنسان من الصحبة أو الرفقة أو المشاركة في الغزوة مثلا، وهذا هو النفس الذي يشهد الله أننا نقرأ به سيرة علي عليه السلام فنحن لا تهمنا المواقف كجانب تاريخي فقط، بل إننا ندرسها كجانب عقائدي يحمل من دلائل العقيدة الكثير .
و سأفرد مثالا لمزيد من التوضيح ولتثبيت قلوب بعض القراء حتى لا يظنوا بنا الظنون المشتهاة لأنفسهم، ومثالنا هو: تربي علي في حجر رسول الله صلوات الله عليهما وعلى آلهما فلو كان المعنى أن عليا يجلس بحجر رسول الله ويمضغ له الطعام لما كنا نتمجد بهذه الحكاية لأن هذه ظاهرة لا تشير إلى أي ميزة ؟ إن لم يكن عليا قد استفاد من تربيته فنحن لا نعد هذا من المناقب!!
إذن كيف كانت التربية ؟
لنستمع إلى الخاطرة العلوية وهي تتحدث عن تلك التربية وهو المأمون في حديثه عن نفسه: ""ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به "".
وقس على ذلك سائر المواقف الأخر كالأخوة، والمصاهرة التي تمت بمباركة السماء، والاستنساخ إذ استنسخه من نفسه وحكى ذلك القرآن الكريم: {وأنفسنا وأنفسكم}!!، بل واستمر في كسر أي فرق بينه وبينه فأكد الوحدة بينهما في مورد آخر وهو قوله"" حربك حربي وسلمك سلمي ""، ويقول: "" من سب عليا فقد سبني ""، وذاك هو يقول: "" أنت مني وأنا منك "".