"فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً" - "فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا"
قد يذكر القرآن الكريم جانبًا من القصة في موطن بحسب السياق الذي ترد فيه، والغرض الذي يراد منها. ويذكر جانب آخر في موطن آخر بحسب ما يرد من الغرض وموطن العبرة.
فقد ورد في قصة موسى – عليه السلام – في سورة البقرة قوله –تعالى-:
"وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً" (البقرة:60)
وورد في سور الأعراف قوله – تعالى-:
"وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا" (الأعراف:160)
فقد قال في سورة البقرة (فانْفَجَرَتْ) وقال في الأعراف (فانْبَجَسَتْ)
والانفجار غير الانبجاس، فإن الانفجار هو الانفجار بالماء الكثير، والانبجاس هو الماء القليل.
فأي الأمرين صحيح؟ أكان ثمة انفجار أم انبجاس؟
والجواب:
كلاهما صحيح، فإنه على ما يذكر أول ما انفجر الماء انفجر بالماء الغزير ثم قلّ بعد ذلك بسبب عصيانهم، فأخذ ينبجس..
فذكر حالة في سياق التكريم وحالة أخرى في سياق الذم، وكلاهما واقع وكلاهما صحيح.
إلا أنه اختار كل تعبير بحسب السياق الذي ورد فيه وهو ما تقتضيه البلاغة.
ثم إن من المشاهد كثيرًا أن العيون والآبار لا تبقى على حالة واحدة، فقد يظهر الماء باديء ذي بدء كثيرًا، ثم يقل بمرور الزمن وقد يكون العكس فلا غرابة أن يذكر كل حالة في مكانها اللائق بها، فإن كلا الأمرين واقع وكلاهما صحيح.
وهكذا يختار القرآن الألفاظ والعبارات بحسب السياق الذي ترد فيه القصة أو المسألة.