الفصل الثالث والأربعون: في الباءات.
منها باء زائدة وقد تقدّم ذِكرها ويقال لبعضها: باء التبعيض كما قال عزَّ وجلَّ: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} (1) أي بعضها. ومنها القَسَم كقولهم: باللهِ وبالبيتِ الحرامِ وبحياتك. ومنها باء الإلصاق كقولك: مَسَحتُ يَدَيَّ بالأرضِ. ومنها باء الاعتمال كقولك: كَتَبْتُ بِالقَلَم وضَرَبتُ بالسَّيف وزَعَمَ قوم أنَّ. ومنها باء المُصاحَبة كما تقول: دخل فلان بثياب سفره وركب فلان بسلاحه وفي القرآن: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ} (2) . ومنها باء السبب كقوله تعالى: {وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ} (3) أي من أجل شُركائهم. وكما قال: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} (4) أي من أجله. ومنها الباء الدّاخلة على نفس المخبر والظاهر أنها لغيره نحو: رأيتُ بِفلانٍ رجلا جَلْداً ولَقيتُ بِزيد كَريماً توهمُ أنك لقيتَ بزيدٍ كريماً آخر غير زيد وليس كذلك وإنما أردت نفسه كما قال الشاعر: [من المتقارب]
إذا ما تأمَّلتُهُ مُقْبِلا ... رأيتَ بِهِ جَمْرَةً مُشعَلة.
وفي القرآن: {فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً} (5). ومنها الباء الواقعة موقع "مِن وعَنْ" كما قال عزَّ وجلَّ: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} (6) أي عن عذاب واقع وكما قال: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} (7) أي منها. ومنها الباء التي في موضع "في" كما قال الأعشى:. ما بُكاءُ الكَبيرِ بالأطلالِ. أي في الأطلال وقال الآخر: [من الخفيف]
ولَيلٍ كأنَّ نجومَ السَّماء ... بِهِ مُقَلٌ رُنَّقَتْ (8) للهُجُوعِ.
ومنها الباء التي في موضع "على" كما قال الشاعر: [من الطويل]
أَرَبٌ يَبولُ الثُّعلُبَانُ بِرأسهِ ... لقَدْ ذَلَّ مَنْ بالتْ عليهِ الثَّعالبُ.
أي على رأسه. ومنها باء البدل كما تقول: هذا بذاك أي عوض وبدل منه كما قال الشاعر: [من الكامل]
إنْ تَجْفُني فَلَطالَما وصَلتَني ... هذا بذاك فَما عليك مَلَامُ.
ومنها باء التعدية كقولك: ذهبت ورجعت به. ومنها الباء بمعنى حيثُ كقولهم: أنتَ بالمُجَرَّب أي حيث التَّجريب. وفي كتاب الله عزَّ وجلَّ: {فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} (9) أي حيث يفوزون.