ولدت الرسامة السريالية المكسيكية في مكسيكو سيتي في 1907، وقضت معظم حياتها في تلك المدينة. ورسمت هذه الفنانة – التي غالبًا ما كانت تجلس مجبرة بين حدود سريرها بسبب متاعبها الجسدية – بورتريهات شخصية، وباستخدام خيالها الواسع وقوتها الشخصية الخارقة ساعدت على توحيد الجمهور من خلال تصوير آلامها الشخصية في لوحات زيتية. رويت قصة حياتها في مكسيكو سيتي بين جدران منزل الأسرة: لا كازا أزول “البيت الأزرق
كانت فريدا كالو رسامة محبة للخير ذات حيوية وبريق، حيث نشاهد اليوم حياتها المليئة بالأحداث ونحتفل بها في منزل أسرتها القديم، الذي تحول إلى متحف على يد زوجها دييجو ريفيرا.
طوال حياتها، تأثرت فريدا بشكل كبير بشخصيات اجتماعية وسياسية مهمة، فزوجها على سبيل المثال كان واحدًا من أهم رسامي الجداريات في عصره، وكلاهما كانا عنصرين نشطين في الحزب الشيوعي. قدمت فريدا نفسها منذ الصغر على أنها قوية العقل، وكثيرة الخلاف مع زملائها في المدرسة، التي كانت تضم 30 فتاة فقط، وعرفت أنها ثورية وذات حس فكاهي خيّر، ومقبلة على شرب التيكيلا، وتتميز بطبيعة ودودة ودافئة.
تعرفت على زوجها، دييجو ريفيرا، في أواسط العشرينيات من القرن الماضي، حيث كانا أصدقاءً وزملاءً، وتزوجا لاحقًا في عام 1929. استمر زواجهما لمدة طويلة وكان مليئًا بالحب وبعد انفصالهما وإبداع أكبر لوحات فريدا: The Two Fridas (1939)، تزوجا مرة أخرى في نهاية 1940.
يقع المنزل الأزرق في مكسيكو سيتي، في ضاحية كوفوكان، كانت هذه الضاحية، وبخاصة منطقة كولونيا ديل كارمين، تغص بنزهات المفكرين، وتمتلئ بالشخصيات الخلّاقة الهامة التي ظهرت في العشرينيات من القرن الماضي وما بعد ذلك، وكان الثوري الماركسي الروسي، ليون تروتسكي، صديقًا لكل من ريفيرا وفريدا، وأقام في منزلهما في الفترة من 1937 إلى 1939 أثناء هروبه من تهديدات تحت حكم ستالين، وطوال فترة إقامته زاره عدد كبير من المفكرين الشيوعيين الآخرين، وأدى هذا في النهاية إلى تقديم أعمال فريدا إلى شخصيات هامة متعددة منها على سبيل المثال مؤسس السريالية أندريه بريتن، فقد كان هو، كما قالت فريدا، أول من أثار انتباهها إلى أن لوحاتها تتسم بأسلوب سريالي. كل من قابل فريدا كالو قال أنه شعر بالارتقاء النفسي بسبب شغفها وشهوتها نحو الحياة، تأثر تروتسكي بشكل خاص بفريدا، ودخلا في علاقة عاطفية قصيرة. بعد محاولة قتل فاشلة من جانب رسام الجداريات ديفيد سيكيروس، مات تروتسكي بشكل تراجيدي في 1940.
ولدت فريدا كالو وماتت في لا كازا أزول، في أحد غرف العليّة، ومن خلال الأعمال والقطع الفنية المعروضة في المتحف يمكن ملاحظة النظرة الحميمية التي كانت تبديها فريدا كالو تجاه الحياة، وزواجها المضطرب، وعائلتها والمشاكل المستمرة التي واجهتها مع جسدها. يضم المتحف بعضًا من أعمالها المرسومة، ويحتوي كذلك على أعمال فنانين آخرين في ذلك العصر، والعديد منها ضمن مجموعة فريدا الشخصية.
بتقديمه لفريدا كالو كشخصية، وكذلك كفنانة تتمتع بحب الناس الكبير وذات مكانة عالية، فإن المنزل يحتفظ بطراز مشابه لما كان عليه في الخمسينيات من القرن الماضي، بالإضافة إلى أعمالها الشخصية، يضم المنزل فنونًا شعبية وقطعًا شخصية وصورًا وتذكارات شخصية وأعمالًا وقطعًا فنية أخرى مثيرة للاهتمام كالبورتريه الصغير لريفيرا الذي اعتادت فريدا حمله معها، وأعمال فنية كهذه تقدم نظرة شخصية جدًا على حياتها وعلى البيئة التي عاشت فيها.
يتميز المبنى بهندسة معمارية مثيرة للاهتمام حيث أنشئ في الأصل في عام 1904 على الطراز الفرنسي، وأضافت فريدا وريفيرا عليه تعديلات في عام 1941 بعد وفاة والد فريدا، ليضم حديقةً أكبر وألوانًا أكثر بريقًا كالحوائط المطلية باللون الأزرق التي يمكن مشاهدتها اليوم، ولاحقًا تم التبرع بالمنزل وافتتاحه كمتحف عام 1958 من جانب دييجو ريفيرا، حيث يضم عشرة غرف في طابقين. وجدير بالذكر أنه لا يسمح بالتقاط الصور داخل المبنى نفسه، ولكن يسمح بذلك خارجه، على سبيل المثال في الشرفة والفناء المدهش، الذي يقدم أيضًا دليلًا على حياة فريدا، حيث تصطف قطع من الفن المكسيكي ولوحات ليهوذا “اليوداسيس” على حائط الفناء ذي الطلاء البرّاق والمزيّن بالأزهار البرية الملونة.
مرت المكسيك في أوائل القرن العشرين بأحداث سياسية هامة، فبعد الثورة وسقوط الدكتاتورية في 1910، شهدت البلاد حراكًا اجتماعيًا هائلًا وصراعًا وحروبًا طوال السبع سنوات التالية. فالفن في ذلك الوقت كان فعلًا سياسة، وكما هو الحال مع زوجها ريفيرا وفنانين اشتراكيين مثل ديفيد سيكيروس وخوسيه كلمينته أورزكو، فإن العديد من فناني العصر الرئيسي كانوا رسامي جداريات. فلوحات الحائط كانت تتم بدافع من اعتقاد أن الفن كان للشعب، أي ملكية للشعب.
كما تأثرت فريدا كالو بالسفر والترحال، ففي عام 1931 ذهبت مع ريفيرا إلى نيويورك لمعرضه في المتحف الجديد (حينها)، متحف الفن الحديث، وخلال هذه الفترة في أمريكا رسم ريفيرا لوحة بهو روكفللر الشهيرة، التي تصور نيلسون روكفللر بجوار بورتريه لفلاديمير لينين، الثوري والشيوعي الروسي، وبرفض تغيير العمل بعد إتمامه قهرًا، تم تمزيقه.
تأثرت فريدا أيضًا بالأحداث الجارية حينها، وغالبًا ما كانت تختار من الأخبار قصصًا تصور الألم الذي تشعر به بسبب تجاربها الشخصية. على سبيل المثال، يعتقد أن لوحة A Few Little Nips (1935)، ما هي إلا تصوير لعنوان أخبار شهير في ذلك الوقت عن زوج طعن زوجته 22 مرة ويعكس ألم فريدا بسبب اكتشافها للعلاقة الجنسية بين زوجها وأختها. تعبر هذه الأعمال الحيوية بشكل قاس عن الأسلوب التعبيري لفريدا، حيث أدهش خيالها الكثيرين، مما جعلها من أكثر الفنانين فرديّةً في عصرها. ورغم عدم ارتياحها بشكل كبير لفن اللوحات الجدارية المكسيكي “الذي هو ملك الشعب”، فإن أعمال فريدا على اللوحات الزيتية تتحدث إلى الشعب بطريقة لم تفعلها أية أعمال فنية سياسية تقليدية أخرى، فأعمال فريدا تحتوي على رسالة بأن أفراد الشعب يمكنهم تحمل مقدار ألم بأكثر مما يتخيلون لأول وهلة بسبب الإدراك الشائع من جانبهم بأنهم وحدهم من يمرون بالمعاناة.
كانت حياة فريدا كالو تراجيدية ومليئة بالآلام، الجسدية والنفسية، فقد أصيبت فريدا بشلل الأطفال في سن السادسة، وفي سن الثامنة عشر تعرضت لحادث مريع دمر جسدها بشدة لدرجة أن معظم الأطباء لم يتوقعوا أنها ستتمكن من المشي بعدها أبدًا. وأثناء الزمن الطويل الذي قضته طريحة الفراش بدأت في محاولات الرسم وأنتجت لوحات فعليًا بعد ذلك بعد شراء حامل وألوان رسم من جانب والديها. ولأنها كانت دائمة الدخول والخروج من المستشفى بسبب اضطرارها لإعادة ضبط عظامها وإجراء عمليات لمساعدة جسدها على الشفاء، فقد شعرت فريدا بالألم الجسدي طوال حياتها، وكانت معظم أعمالها انعكاسًا لهذا الألم، في لوحة Broken Column (1943) تظهر الفنانة عارية الصدر، وتحمل حزامًا معدنيًا وتغطي المسامير وجهها وجسدها. تسببت هذه الحادثة في وجود مشاكل في الحمل لديها، ورغم أنها أجهضت ثلاث مرات، إلا أنها لم تتمكن من الحمل بنجاح أبدًا، وقد ظهر تصوير لهذه المأساة في العديد من لوحاتها، والأكثر صدمةً من بينها هي لوحة Henry Ford Hospital (1932(، هذه اللوحة، التي أبدعتها بعد إجهاضها الثاني، تبرز معرفتها بالطب، الذي درسته قبل الحادثة التي وقعت لها. وفي عام 1953، أقامت أول معرض فني لها في موطنها في المكسيك، وهذا المعرض سيكون المعرض الوحيد الذي تقيمه طوال حياتها، حيث أنها توفيت في عمر السابعة والأربعين في عام 1954. واليوم، يعتبر متحف فريدا كالو واحدًا من أكثر المتاحف شعبية في مكسيكو سيتي، حيث يرتاده الآلاف كل عام لإلقاء نظرة على الحياة الفريدة لواحدة من أهم الفنانات المحتفى بهنّ في جميع العصور، وطوال حياتها كان حضورها مؤثرًا أينما ذهبت، حتى في الموت أثناء حرق جثمانها، ذكر الحاضرون أنهم لاحظوا ابتسامة خفيفة في اللحظة التي تحققت فيها آخر أمنية لها والتي كانت حرق جثمانها. آخر سطر كتبته في يومياتها كان: