إن عرفة من المواقف الجميلة والمهمة؛ لتغيير رؤية الإنسان والسعي به نحو الكمال.. وعليه، فإن من الضروري الاستفادة من هذا الموقف العظيم الاستفادة الحقيقية القصوى، وذلك بـ :
* المبالغة في الدعاء والمناجاة لله عز وجل بانقطاع وتوجه وتذلل: أليس من الغريب أن الله تعالى -وهو الحكيم- لم يجعل في يوم عرفة أعمالا بدنية مرهقة: كالسعي، والطواف، والهرولة، ورمي الجمرات، والمبيت.. وإنما فقط الوقوف في الصحراء، والانشغال بالدعاء، إلى حد أنه منهي عن الصوم إذا كان يضر بمسألة التوجه إلى الله تعالى.
* الربط بين يوم عرفة ويوم عاشوراء: ما بال هذه الأمة تعامل ابن النبي، تلك المعاملة الفجيعة في يوم عاشوراء، حيث تضرب شفاهه الطاهرة بالخيزران!.. وهو صاحب دعاء عرفة : (إلهي ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك؟!.. أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك.. متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟!.. ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟!.. عميت عين لا تراك!..).
* التأمل في مضامين دعاء الإمام الحسين (ع) يوم عرفة: من الملاحظ أن الإمام (ع) في أول دعاء عرفة، يقف على منصة المشرحة، ويشرِّح الإنسان إلى عظام دقيقة، وأعضاء فعالة؛ حتى يتذكر الإنسان بأن عليه أن يؤدي حق هذه النعم، ويشكر الله تعالى.. ثم نرى بأنه يعقد مقارنة جميلة بينه وبين الرب حيث يقول: (أَنا الَّذِي أَسَأْتُ، أَنا الَّذِي أَخْطَأْتُ، أَنا الَّذِي هَمَمْتُ... أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ، أَنْتَ الّذِي أَنْعَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ...).
* تحسس الرحمة الإلهية الغامرة، التي تطول حتى قساة القلوب، والذين لهم تاريخ غير مشرق في المعاصي المختلفة.. ثم إن الحالة الشعورية بين الحجاج من التواد والتآلف فيما بينهم، حيث تنعدم كل الحواجز المكانية والفكرية والعقائدية والاجتماعية.
وعلى كلٍّ، فإن من لم يستفد من يوم عرفة، حاله كإنسان فاتته ليالي القدر، ولم يحقق فيها قرباً إلى الله تعالى.