تعريف بيوم عرفة وعرفات
يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة. كما أن عرفات بقعة مخصوصة وموقف معروف. وقد سميت عرفات بذلك لأن آدم وحواء عليهما السلام تعارفا بها. وقال آخرون: بل سميت بذلك لأن جبريل عليه السلام لما علَّم إبراهيم عليه السلام مناسك الحج قال له: أعرفت؟ وقال قوم: بل سميت بذلك لأنه مكان مقدس معظم، كأنه قد عرف، كما ذكرنا في قوله تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} [محمد: 6]. قال في تاج العروس: "كأنها عرفت أي طيبت. وقيل: لأن الناس يتعارفون بها". قال الراغب في المفردات: "وقيل: بل لتعرف العباد إلى الله تعالى بالعبادات والأدعية" [1].
المسألة الأولى: في فضل يوم عرفة
قال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده" رواه مسلم [2] عن أبي قتادة رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: "يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" رواه أبو داود [3] عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار، من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟" رواه مسلم [4] عن عائشة رضي الله عنها.
المسألة الثانية: في استحباب صومه وفضل ذلك
قال صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده"، وهذا الحديث وإن كان الرواي عن أبي قتادة هو عبد الله بن معبد الزماني وقد قال فيه البخاري رحمه الله في التاريخ الكبير: "ولا نعرف سماعه من أبي قتادة"، إلا أن البخاري نفسه قد بوب في الصحيح قائلًا: "باب صوم يوم عرفة"، ثم ذكر تحته حديث أم الفضل رضي الله عنها ولفظه "أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره، فشربه" [5]، فدل هذا على أن صيام يوم عرفة معروف معهود وأما صيام يوم عرفة بعرفة بالنسبة للحاج ففيه حديث يروى وهو في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما وقد بوب الترمذي رحمه الله عليه بالكراهة، وأكثر أهل العلم يستحبون الإفطار ليتقوى على الدعاء.
المسألة الثالثة: لِمَ يكفر يوم عرفة سنتين؟!
قال ابن القيم رحمه الله: "إن قيل لِمَ كان عاشوراء يكفر سنة ويوم عرفة يكفر سنتين؟! قيل فيه وجهان: أحدهما: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء. الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم والله أعلم" [6].
المسألة الرابعة: يوم عرفة وتكفير الذنوب
قال الإمام النووي رحمه الله: "وقد يقال إذا كفَّر الوضوء، فماذا تكفر الصلاة، وإذا كفرت الصلاة فماذا تكفر الجمعات ورمضان وكذلك صوم يوم عرفة كفارة سنتين ويوم عاشوراء كفارة سنة وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه؟
والجواب: ما أجابه العلماء أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير فإن وجد ما يكفره من الصغائر كفره وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات ورفعت به درجات وإن صادفت كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر والله أعلم" [7].
المسألة الخامسة: صيام عرفة والقضاء من رمضان
قال ابن عثيمين رحمه الله: "فمن صام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح" [8].
المسألة السادسة: إن وافق صيام يوم عرفة يوم الجمعة
إن وافق صيام يوم عرفة يوم الجمعة فلا بأس بذلك , ولا يعد هذا داخلا في النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام, قال الإمام أحمد رحمه الله: "إنما كره أن يتعمد الجمعة" كما في المغني [9]، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام".
المسألة السابعة: في التعريف وحكمه
التعريف هو اجتماع غير الحاج في المساجد عشية يوم عرفة، في غير عرفة، يفعلون ما يفعله الحاج يوم عرفة من الدعاء والثناء. وأول من جمع الناس يوم عرفة في المساجد هو ابن عباس رضي الله عنهما، وذلك في مسجد البصرة. وقيل إن أول من عرف بالكوفة مصعب بن الزبير.
والتعريف نوعان:
الأول: اتفق العلماء على كراهته، وكونه بدعة وأمراً باطلاً، وهو الاجتماع في يوم عرفة عند القبور، أو تخصيص بقعة بعينها للتعريف فيها كالمسجد الأقصى، وتشبيه هذه الأماكن بعرفات.
الثاني: ما اختلف العلماء فيه، وهو قصد الرجل مسجد بلده يوم عرفة للدعاء والذكر. فقال بعضهم: محدث وبدعة. وقال بعضهم: لا بأس به" [10] أ.هـ مختصرا.
ختامًا
أ- روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره وبشره شيئا"، وفي رواية "وأظفاره" [11]. قال ابن عثيمين رحمه الله: "والحكمة من ذلك أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي، وجعل لنسك الحج محرمات ومحظورات، وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليها، والذين لم يحرموا بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي، وشرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة؛ لأن المحرم لا يأخذ من شعره شيئا، يعني لا يترفه، فهؤلاء -أيضا- مثله، وهذا من عدل الله عز وجل وحكمته، كما أن المؤذن يثاب على الأذان، وغير المؤذن يثاب على المتابعة، فشرع له أن يتابع" [12]. وأما النهي فإن الجمهور يحملونه على عدم وجوب الإمساك بخلاف الحنابلة فإنهم يحملونه على وجوب الإمساك.
ب- ولا يمسك المضحي إلا عن ثلاثة أشياء فقط:
الأظفار والأشعار والأبشار, وكون الحكمة ما تقدم لا يعني أن يجتنب كل ما يجتنبه المحرم فلا يجتنب الطيب والجماع وغيره مما يجتنبه المحرم وهذا خطأ شائع.
ج- إن وافق يوم الجمعة يوم العيد
فمن شهد أحدهما سقط عنه الآخر, قال ابن تيمية رحمه الله: "والقول الثالث: وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها ومن لم يشهد العيد. وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: كعمر وعثمان وابن مسعود وابن عباس وابن الزبير وغيرهم. ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف" [13].
[1] يرجع لمعجم مقاييس اللغة والمفردات للراغب وتاج العروس للزبيدي.
[2] برقم 1162.
[3] برقم 2419 وصححه الألباني.
[4] 1350.
[5] 1988.
[6] بدائع الفوائد 4/211.
[7] شرح مسلم 3/113.
[8] الفتاوى 20/48.
[9] 3/170.
[10] البدع الحولية 263.
[11] 1977.
[12] الشرح الممتع 7/486.
[13] مجموع الفتاوى 24/211.
حمود بن فهد الشمري