صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13
الموضوع:

ضرورة الوعي السياسي لسماحة الشيخ بناهيان

الزوار من محركات البحث: 96 المشاهدات : 877 الردود: 12
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    صديق فعال
    تاريخ التسجيل: January-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 609 المواضيع: 210
    التقييم: 146
    آخر نشاط: 22/June/2017

    ضرورة الوعي السياسي لسماحة الشيخ بناهيان

    ضرورة الوعي السياسي1

    بناهيان: الحكم الإلهي الثاني بعد التوحيد، هو الموقف الثوري تجاه الطاغوت + الآية القرآنية/ لماذا لم يتصدّ الإمام الرضا(ع) لاستلام السلطة مع أنه كان محبوبا بين الناس وسنحت له بعض الظروف؟/ ليست المحبوبيّة كافية، وإنما وعي الناس واستيعابهم شرط في حصول ولي الله على السلطة!/ لماذا لم تنحلّ الكثير من المشاكل في إيران بعد، والحال أن قد زال حكم الطاغوت من البلد؟

    الزمان: 27/08/2015
    المكان: طهران ـ هيئة الشهداء المجهولين (شهداي گمنام)
    في تكملة سلسلة أبحاث «استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام» في هيئة الشهداء المجهولين الأسبوعية، قام سماحة الشيخ عليرضا بناهيان بدراسة قسم من سيرة الإمام الرضا(ع) السياسيّة وموقع محاربة الاستكبار في منظومة المعارف الدينية. فإليكم أهمّ المقاطع من كلمته:

    إذا تعلّق أمر الله بأي شيء، يكون ذلك الشيء مصدرا للمعنوية/ وقد تعلّق بالقوّة والسياسة أمر الله

    أيّ شيء تعلّق به أمر الله، يصبح مصدرا للنور والقداسة والمعنويّة. يعني إذا قام الناس بعمل ما بنيّة امتثال أمر الله، يزدادون نورا ومعنويّة. وعليه فلابدّ أن نعتبر عملهم عملا معنويّا مقدّسا. إذا تعلّق أمر الله بالصلاة، تصبح الصلاة بطبيعة الحال محلّا لتزوّد النور والمعنويّة. وإذا تعلّق أمره بالعمل الاقتصادي، يصبح العمل الاقتصادي إذا كان بنيّة امتثال أمر الله، عاملا لازدياد نور الإنسان ومعنويّته. وكذلك إذا تعلّق أمر الله بالزواج، يصبح الزواج مصدرا للنور والمعنويّة.
    وكذلك قد تعلّق بالقوّة والسياسة أمرُ الله. فقد قال الله سبحانه في القرآن الكريم: (وَ لَقَدْ بَعَثْنا في کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوت) [نحل/36] اجتناب الطاغوت يعني لا تتبعوا القوى التي لم تحصل على السلطة من قبل الله ولا تطيعوهم. وهذا الأمر يعني لا تكونوا سياسيّين فقط بل كونوا ثوريّين أيضا!
    هناك فرق بين العنصر السياسي والعنصر الثوري. العنصر الثوري يخوض الساحة السياسية وكلّما اقتضت المصلحة يحاول أن يوجّه المعادلات لصالح الحق. كما أنه يقوم بذلك بكل حكمة وعقلانية، ولكن المهمّ هو أنه عازم على محاربة الطاغوت. بينما العنصر السياسي وغير الثوري قد يكفّ عن الجهاد عندما تضيق به الساحة، فيبدأ بتوسعة نطاق المصالح ويقدّم عافيته على طلب الحقّ.

    حكم الله الثاني بعد عبادة الله، هو اجتناب الطاغوت

    بعد الأمر بعبادة الله، قد أمر الله باجتناب الطاغوت. كما نستطيع أن نرى ما يشابه هذا المضمون في آية أخرى من القرآن حيث قال: (قُلْ يا أَهْلَ الْکِتابِ تَعالَوْا إِلى‏ کَلِمَةٍ سَواءٍ بَينَنا وَ بَينَکُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَ لا نُشْرِکَ بِهِ شَيئاً وَ لا يتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) [آل عمران/64]
    قوله تعالى: (وَ لا يتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) في الواقع تعبير آخر (وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوت). فليس المقصود من (وَ لا يتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) هو أن لا نتّخذ من دون الله ربّا نعبده ونسجد له. ولذلك فهذه الآية أيضا تنطوي على بحث سياسيّ.
    لقد قال رسول الله(ص): «مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ فَإِنْ کَانَ النَّاطِقُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ وَ إِنْ کَانَ النَّاطِقُ عَنْ إِبْلِيسَ فَقَدْ عَبَدَ إِبْلِيسَ» [عيون أخبار الرضا/1/304]
    يقول الإمام الصادق(ع) حول قوله تعالى: «وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَة يکُونُوا لَهُمْ عِزًّا کَلَّا سَيکْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ يکُونُونَ عَلَيهِمْ ضِدًّا»[مريم/81] لَيسَتِ الْعِبَادَةُ هِيَ السُّجُودَ وَ لَا الرُّکُوعَ وَ إِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ الرِّجَالِ، مَنْ أَطَاعَ مَخْلُوقاً فِي مَعْصِيةِ الْخَالِقِ فَقَدْ عَبَدَه» [تفسير القمي/2/55]
    وكذلك للعلّامة العسكري(ره) شرح لطيف وواسع في معنى كلمة «أرباب» ذكره في كتاب «دور الأئمة في إحياء الدين» ومن هنا أثبت الولاية. أنصحكم أن تقرأوا المجلّد الأول والثاني من هذا الكتاب الشريف. لقد قال سماحته في هذا الكتاب أن قد بدأ النزاع من ربوبيّة الله، وإلا فلا مشكلة لأحد مع خالقيّته ورحمانيّته. وتتبلور ربوبيّة الله في أحكامه وأوامره فهي بمعنى «إدارة الله وقيادته». فإن كانت هذه الربوبيّة لأحد غير الله أو غير مأذون من قبل الله، يصبح (أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ).

    يتبع إن شاء الله...

  2. #2
    صديق فعال

    ضرورة الوعي السياسي 2.1

    الحكم الإلهي الثاني بعد التوحيد، هو اتخاذ الموقف الثوري تجاه الطاغوت

    الحكم الإلهي الثاني بعد التوحيد والذي بلّغه جميع الأنبياء هو أن نتخذ الموقف الثوري في وجه الطاغوت. يعني أن نكون عناصر سياسيّة ثوريّة، لا أن نكون سياسيّين غير ثوريّين! وهذا يختلف عن انطباع أكثر الناس عن الدين. أغلب الناس يعتبرون الذنوب هي من قبيل «النظر الحرام وترك الصلاة وشرب الخمر وأكل الحرام و...». بالتأكيد أن كلّ هذه الأعمال قبيحة، ولكن الأقبح من كل هذه الأعمال هو عدم اجتناب الطاغوت.

    ليست رؤية أكثر الناس عن الدين هو أن أهمّ حكم بعد التوحيد، العمل الثوري والوقوف أمام الحكّام غير الإلهيّين. مع أن الله سبحانه قد قال: (...أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوت). بعبارة أخرى الخطوة الأولى في الصراط المستقيم أو طريق الدين هو التوحيد والخطوة الثانية هو الموقف السياسي واجتناب الطاغوت. ولكن مع كل هذا وبعد مضيّ خمسة وثلاثين سنة من انتصار الثورة وبعد كل هذا الكمّ من تبليغ المعارف الإسلامية، لا يزال الكثير من الناس ينصحوني بأن لا أكون سياسيّا! فيا للعجب! فلماذا صرت طالبا في الحوزة؟! وأساسا لماذا صرت مسلما؟!

    لقد بدأ النبي الأكرم(ص) الحرب ضدّ الطاغوت بعد دعوته إلى التوحيد وقبل نزول الكثير من الأحكام الشرعية. فإذا تحقّق اجتناب الطاغوت بشكل جيّد، تتحسّن أخلاق الناس ويقلّ أكل الحرام وتظهر كثير من البركات والخيرات.

    لماذا لم تنحلّ الكثير من المشاكل في إيران بعد، والحال أن قد زال حكم الطاغوت من البلد؟

    هناك شبهة يطرحها البعض وهي: «كما تقولون، لابدّ من زوال الطاغوت أولا، ثم تتحسّن جميع الأمور شيئا فشيئا. طيب، إذن لماذا لم تنحل الكثير من المشاكل في إيران بعد، والحال أن قد زال حكم الطاغوت من البلد وألقي زمام الحكم بيد الوليّ الفقيه؟!» الجواب هو أنه لم يزل «الطاغوت العالمي» بعد.

    نحن قد أطحنا بعرش الطاغوت الداخلي والحمد لله، ولكن ما زال الطاغوت العالمي والطاغوت الأكبر مهيمن على العالم. ولذلك تشاهدون كيف يؤذينا هذا الطاغوت العالمي بشتّى الأساليب من فرض الحصار الاقتصادي وغيره. كما يحاول في الآونة الأخيرة أكثر من قبل أن يتغلغل فينا ويلحق بنا الصدمات ولا ينفك عن توظيف بعض الأفراد في الداخل ليعملوا ضدّنا، كما لا يزال يحاول أن يؤسس في داخلنا محطّ قدم له. فنحن كما كنّا في حال جهاد في نظام الطاغوتي الشاهنشاهي، يجب أن لا نزال كذلك، إذ قد أسقطنا الطاغوت في المرحلة الأولى بعد، وما زالت المرحلة الثانية بانتظارنا. فإن هذا الطاغوت العالمي لا يسمح لنا بأن نعيش بحرّية. وأحد الأمثلة هو أن قد حظر مصارفنا. إذن نحن ما زلنا نعيش تحت نير الطاغوت.

    ما لم نطح بعرش الطاغوت الثاني، لن يفكّ عنّا ولا يزال يعشعش في أوساطنا ويلحق الصدمات بنا. فمن أجل إسقاط هذا الطاغوت الثاني لابدّ أن نكون ثوريّين جدّا. ولابدّ لنا جميعا أن نتصدّى لإسقاط الطاغوت الأكبر امتثالا لأمر الله في قوله تعالى: (اجْتَنِبُوا الطَّاغُوت) [نحل/36]. فإن أصبحنا جميعا ثوريّين، سوف نتخلّص من هذا الطاغوت ويستسلم لنا. ولكن المشكلة هي أننا لسنا بثوريّين كثيرا ولسنا شديدي المراعاة لقوله: (اجْتَنِبُوا الطَّاغُوت).

    إن بعض الخواص، يعتبرون أمريكا بلدا عظيما ومتقدّما، لا طاغوتا!/ ليست أمريكا ببلد متقدّم عظيم، بل إنها مجرمة عظيمة

    إن بعض الخواص والنخب لا ينظرون إلى أمريكا بصفتها طاغوتا، بل يرونها كبلد عظيم متقدّم. إن هؤلاء قد نسوا جرائم أمريكا السابقة ولا يرون جرائمها الحالية ولا يسمعون بها، كما أنهم عاجزون عن توقّع جرائمها المستقبليّة. في حين أن أمريكا ليست ببلد متقدّم عظيم، بل هي مجرمة عظيمة.

    هناك معلومات بسيطة تدلّ على حقارة هذا الطاغوت. فعلى سبيل المثال إن معدّل النموّ العلمي في إيران 16 أضعاف معدّل النموّ العلمي في باقي بلدان العالم ومن ضمنهم أمريكا. والحال أننا قد بلغنا إلى هذا التطوّر في خضم الحصار وحال كوننا لم ننهب حتى قرية واحدة من دول الجوار. فلماذا لم تقدر أمريكا على إنجاز معدّل النموّ هذا مع أنها تنهب ثروات العالم؟ السبب هو أن إدارتها الكليّة غير صحيحة وهي ضعيفة بالنسبة إلى الإدارة الكلّية في الجمهورية الإسلامية. فلو كان قد فرض عشر هذا الحصار الذي فرض علينا طوال خمسة وثلاثين سنة على أمريكا، لانهارت أمريكا إلى حدّ الآن. هذا يعني أن الإدارة الكلية في الجمهورية الإسلامية أقوى من أمريكا.

    لماذا يسمّي الله الحاكم الذي حصّل على السلطة بغير أمره، طاغوتا؟

    كلّ من لم ينصب للحكم ولم يحصل على السلطة على أساس البرنامج الإلهي، يعني كلّ من حصل على السلطة بغير أمره، فيسميه الله طاغوتا أي طاغيا. ولكن السؤال هو أن لماذا يسمي الله الحكّام الذين لم ينصبوا من قبله طواغيتا في القرآن الكريم؟

    الجواب هو أن ساحة السلطة والسياسة من الحساسية والأهميّة بمكان بحيث لا يقوى على العمل الصحيح فيها إلا المنصوبين لها من قبل الله، وسوف يطغى غيرهم في هذا المنصب قطعا. إن أدركنا هذا المعنى بتفقّه وعلم فبها ونعمت، وإلا فطواغيت العالم سوف يظلمون الناس حتى يتعطّش الناس على أعتاب الظهور إلى ظهور الإمام وسوف يقولون: «إظهر يا سيدنا ومولانا إذ لا يقدر على هذا الحكم غيرك». فإما نصل إلى هذه المعرفة بالتعقّل وإما بالتجربة. لا يمكن أن يحكم حاكم غير منصوب من قبل الله ثم لا يطغى.

    يتبع إن شاء الله...

  3. #3
    صديق فعال

    ضرورة الوعي السياسي 3.1

    من لم يتقلّد زمام السلطة وفقا للقواعد الدينية فهو طاغوت وسوف يطغى قطعا

    من لم ينصبه الله للحكم أو لم يتقلّد زمام السلطة وفقا للقواعد الدينية فهو طاغوت وسوف يطغى قطعا. فإما يصبح فرعون أو مصغّر فرعون. إن بعض طلّاب السلطة في الواقع مصغّر فرعون يعني لم تسنح له الظروف للمزيد من الطغيان وإلّا فهو مستعدّ.
    قبل أن يرسّخ المأمون دعائم حكمه، استفاد من الفضل ذوالرئاستين أكبر استفادة، إذ كان وزيرا داهية جدّا. حتى يمكن القول بأن الفضل هو الذي عبّد طريق المأمون إلى السلطة وبذل دونه كلّ وجوده. ولكن بعد أن شعر المأمون أن في سبيل كسب قلوب بعض الأوساط، لا بأس بتصفية الفضل، قام باغتياله بكلّ سهولة وقتله. (كان بعض الناس في بغداد يؤيّدون الأمين أخا المؤمون، وكانوا أعداء للفضل. فأراد المأمون أن يكسب قلوبهم ويمهّد الأسباب لإرجاع عاصمة الخلافة إلى بغداد).
    كان المأمون يبجّل الإمام الرضا(ع) حينما كان ضعيفا، بحيث كان يخاطبه «سيدي»، ولكن بعد ما شعر بالقوّة، قام باغتياله. بحيث عندما قدّم له العنب المسموم، امتنع الإمام. فأزاح المأمون الستار وأرى للإمام غلمانا شاهرين السيف، وهدّده بكل صراحة!
    فهذا الرجل الذي كان يقول للإمام الرضا(ع) «سيدي»، هكذا قام باغتياله بمنتهى الظلم. فهو نموذج للطاغوت الذي كان مصغّر فرعون ولكن بعد ذلك أصبح فرعون كاملا. فمن لم يتقلّد زمام السلطة وفقا للقواعد الدينية فهو طاغوت وسوف يطغى قطعا.

    لا تكفي محبوبيّة ولي الله لحصوله على السلطة/ إن وعي الناس واستيعابهم شرط في حصول ولي الله على السلطة

    ينطوي الدين على مجموعة من القواعد التي تمنح ولي الله السلطة. طبعا لا يخلو تطبيقها من الصعوبة، وإلا لكان أهل البيت(ع) قد حصلوا على السلطة بسهولة. إن هذه القواعد قد جعلت صلاحية الناس ووعيهم واستيعابهم شرطا لحصول وليّ الله على السلطة.
    لقد اقترب الإمام الرضا(ع) من تسلّم زمام الحكم وكان محبوبا لدى الناس جدّا. حتى قد قال بعض أعداء الإمام الرضا(ع) للمأمون: لقد قرّبت إلى نفسك صنما يعبده الناس! «فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الرِّضَا ع بِجَنْبِ الْمَأْمُونِ فَقَالَ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الَّذِي بِجَنْبِکَ وَ اللَّهِ صَنَمٌ يعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ» [عيون أخبار الرضا(ع)/2/161] طيب فلماذا لم يسحب الإمام الرضا(ع) السلطة من يد المأمون؟ أجاب عن هذا السؤال رجل عمليّا:
    أحد الأشخاص باسم «هارون» كان الممثّل الخاص للإمام الرضا(ع) في المدينة. وكان أديبا وعالما ومشهورا بكونه عاقلا. وكان قد رأى أبّهة الإمام الرضا(ع) ومحبوبيّته بين الناس وترعرع في تلك الأجواء. فجعله الإمام الرضا(ع) ممثلا عنه في المدينة وغادر إلى المرو. ولكن بعد فترة قصيرة تبيّن أن قد اشتراه عمّال المأمون. وفي الواقع قد باع نفسه إليهم وأخذ يعطي معلومات تشكيلات الإمام الرضا(ع) إلى رجال المأمون. فلعلّه لم يحدث لأحد من الأئمة مثل هذا الحدث المفجع. فبعد أن اطّلع المأمون على معلومات الإمام الرضا(ع)، هنا عرف المأمون مدى نفوذ الإمام(ع) في المجتمع!

    بعد مجيئ السلطة، قد يفسد حتى العمّال!

    بعد مجيئ السلطة قد يفسد حتى العمّال. لذلك ينبغي أن نخاطب الإمام صاحب العصر(عج) ونقول: «يا سيدنا ومولانا ويا صاحب الزمان! عجّل في ظهورك، ولكن بعد ما اطمأنت من عمّالك وعرفت أنهم لن يفسدوا بعد السلطة!» آه من عمّال السلطة. فإن بعضهم بمجرّد ما حليت السلطة في مذاقهم يصبحون خطرين جدّا. ومن أولى خياناتهم هي أن يوقعوا رئيسهم في الخطأ. لأنهم يحاولون أن يرفعوا إليه تقارير لصالحهم.
    بعد أن قتل الفضل على يد المأمون جاء المأمون إلى الإمام الرضا(ع) يبكي على الفضل ويطلب منه أن يحلّ مكانه فرفض الإمام(ع)؛ «لَمَّا کَانَ مِنْ أَمْرِ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ مَا کَانَ وَ قُتِلَ دَخَلَ الْمَأْمُونُ إِلَى الرِّضَا ع يبْکِي وَ قَالَ لَهُ هَذَا وَقْتُ حَاجَتِي إِلَيكَ يا أَبَا الْحَسَنِ فَتَنْظُرُ فِي الْأَمْرِ وَ تُعِينُنِي فَقَالَ لَهُ عَلَيکَ التَّدْبِيرُ يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ عَلَينَا الدُّعَاء» فلمّا خرج قال أحد أصحاب الإمام(ع) لماذا لم توافق على طلبه؟ فأجاب الإمام(ع): لو كنت أوافق لما ازدادت نفقتك من قبلي. فلا تظن أن لو كنت قد استلمت السلطة لازداد واردك؛ «فَلَمَّا خَرَجَ الْمَأْمُونُ قُلْتُ لِلرِّضَا ع لِمَ أَخَّرْتَ أَعَزَّکَ اللَّهُ مَا قَالَهُ لَکَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَبَيتَهُ فَقَالَ وَيحَکَ يا أَبَا حَسَنٍ لَسْتُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فِي شَي‏ءٍ قَالَ فَرَآنِي قَدِ اغْتَمَمْتُ فَقَالَ لِي وَ مَا لَکَ فِي هَذَا لَوْ آلَ الْأَمْرُ إِلَى مَا تَقُولُ وَ أَنْتَ مِنِّي کَمَا أَنْتَ عَلَيهِ الْآنَ مَا کَانَتْ نَفَقَتُکَ إِلَّا فِي کُمِّکَ وَ کُنْتَ کَوَاحِدٍ مِنَ النَّاس» [عيون أخبار الرضا(ع)/2/164].
    من الصعب جدّا أن يرى الإنسان السلطة بيد وليّ الله، ثمّ يدعمه ويؤيّده حبّا له وامتثالا لأمر الله فقط بلا أن تؤثر عليه هذه السلطة أثرا سلبيّا ودون أن يبيعها أو يشتريها.
    بعد أن ألقى الإمام الرضا(ع) حديث سلسلة الذهب المشهور في نيسابور، واصل طريقه ثم انتهى إلى المرو أو سرخس. هنا تحكي بعض الروايات أن المأمون قد حبس الإمام في بيت. بحيث جاء في بعض الروايات أن بعض الأشخاص أرادوا أن يلتقوا بالإمام، فقالوا جئنا واستأذننا السجان ولكنه لم يأذن. طبعا قد اختلفت الروايات في مكان حصر الإمام بين المرو وسرخس ولكن الثابت هو أنه قد حبس فترةً. «عَنِ الْهَرَوِيِّ قَالَ جِئْتُ إِلَى بَابِ الدَّارِ الَّتِي حُبِسَ فِيهِ الرِّضَا ع بِسَرَخْسَ وَ قَدْ قُيدَ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيهِ السَّجَّانَ فَقَالَ لَا سَبِيلَ لَكَ إِلَيهِ ع» [عيون أخبار الرضا(ع)/2/183]

    يتبع إن شاء الله...

  4. #4
    صديق فعال

    ضرورة الوعي السياسي 4.1

    لم يكن الإمام الرضا(ع) مستعدّا لاستلام السلطة اعتمادا على محبوبيّته وحسب/ إشاعة كان يكرّرها الناس عن الإمام الرضا(ع)

    أحد الأسباب التي دفعت المأمون إلى حصر الإمام الرضا(ع) هو موقع الإمام(ع) الناشئ من محبوبيّته بين الناس. فخشي المأمون أن يفقد السلطة في هذه الظروف، ولكنه كان مخطئا، إذ أن الإمام الرضا(ع) لم يكن مستعدّا لاستلام السلطة اعتمادا على محبوبيّته وحسب، كما كان أمير المؤمنين(ع) يأبى أن يستلمها بمجرد محبوبيّته، ولذلك قد ألحّ الناس عليه ولكنّه كان يرفض مهما استطاع: «دَعُونِي وَ الْتَمِسُوا غَيرِي...وَ اعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُکُمْ رَکِبْتُ بِکُمْ مَا أَعْلَمُ وَ لَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَ عَتْبِ الْعَاتِبِ وَ إِنْ تَرَکْتُمُونِي فَأَنَا کَأَحَدِکُمْ وَ لَعَلِّي أَسْمَعُکُمْ وَ أَطْوَعُکُمْ لِمَنْ وَلَّيتُمُوهُ أَمْرَکُمْ وَ أَنَا لَکُمْ وَزِيراً خَيرٌ لَکُمْ مِنِّي أَمِيراً» وكذلك خاطب الناس قائلا: «لَا حَاجَةَ لِي فِي أَمْرِکُمْ فَمَنِ اخْتَرْتُمْ رَضِيتُ بِهِ» [الكامل في التاريخ/3/190]
    لماذا أبى الإمام الرضا(ع) أن يتصدّى لاستلام السلطة بالرغم من محبوبيته؟ أحد أسبابه هو أن المأمون قد شاع بين الناس بعد حديث سلسلة الذهب المشهور «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حِصْنِي فَمَنْ‏ دَخَلَ‏ حِصْنِي‏ أَمِنَ‏ مِنْ عَذَابِي... بِشُرُوطِهَا وَ أَنَا مِنْ شُرُوطِهَا» [عيون أخبار الرضا(ع)/2/135] أن الإمام الرضا(ع) قد ادعى الألوهية ويبدو أنها قد أخذت بين الناس مأخذها. لأنه روي عن أبي الصلت الهروي أنه قال: «...قُلْتُ يا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا شَيْ‏ءٌ يحْکِيهِ عَنْکُمُ النَّاسُ؟ قَالَ وَ مَا هُوَ؟ قُلْتُ يقُولُونَ إِنَّکُمْ تَدَّعُونَ أَنَّ النَّاسَ لَکُمْ عَبِيدٌ» [عيون أخبار الرضا/2/184]

    لا يمكن التعويل على المحبوبية بين الناس، بل يجب أن يؤخذ وعي الناس بعين الاعتبار

    انظروا ماذا قال الإمام الرضا(ع) في حديث سلسلة الذهب. ثم انظروا إلى الشائعة التي انتشرت بين الناس على أثر هذا الحديث! لذلك لا يمكن التعويل على المحبوبية بين الناس، بل يجب أن يؤخذ وعي الناس بعين الاعتبار. لقد اشترط الإمام الرضا(ع) ولايته في قبول كلمة «لا إله إلا الله»، وإذا بهم أشاعوا أن الإمام الرضا(ع) يدعي «أن الناس جميعا عبيدا لي» ثم انتشرت بين الناس!
    بعد أن أخبر أبو السلط الإمام الرضا(ع) بهذه الإشاعة قال الإمام: «اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ عالِمَ الْغَيبِ وَ الشَّهادَةِ أَنْتَ شَاهِدٌ بِأَنِّي لَمْ أَقُلْ ذَلِكَ قَطُّ وَ لَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنْ آبَائِي ع قَالَهُ قَطُّ وَ أَنْتَ الْعَالِمُ بِمَا لَنَا مِنَ الْمَظَالِمِ عِنْدَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ أَنَّ هَذِهِ مِنْهَا» ثم التفت الإمام إلى أبي الصلت وقال: «إِذَا کَانَ النَّاسُ کُلُّهُمْ عَبِيدَنَا عَلَى مَا حَکَوْهُ عَنَّا فَمِمَّنْ نَبِيعُهُمْ... ثُمَّ قَالَ يا عَبْدَ السَّلَامِ أَ مُنْکِرٌ أَنْتَ لِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَنَا مِنَ الْوَلَايةِ کَمَا ينْکِرُهُ غَيرُكَ؟ فأجاب أبو الصلت: مَعَاذَ اللَّهِ بَلْ أَنَا مُقِرٌّ بِوَلَايتِکُم.» [المصدر نفسه]
    فبالرغم من شدّة محبوبية الإمام الرضا(ع) وموقعه الجيّد بين الناس، ولكن بسبب قلّة وعي الناس وفتنة الطواغيت، انظروا أي تهمة أشاعوها على الإمام بعد ما ألقى كلمته القصيرة المعروفة بحديث سلسلة الذهب. هذا ما يدل على أن الناس لم يكونوا يحظون بالاستيعاب الكافي لاستماع كلمة الحق. ففسروها بتطرّف مما أدى إلى توجيه سهام التهمة إلى الإمام(ع).
    وهناك رواية أخرى في هذا المجال عن إسحاق بن موسى فقد قال الإمام الرضا(ع) له: «يا إِسْحَاقُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّاسَ يقُولُونَ إِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ النَّاسَ عَبِيدٌ لَنَا لَا وَ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص مَا قُلْتُهُ قَطُّ وَ لَا سَمِعْتُهُ مِنْ آبَائِي قَالَهُ وَ لَا بَلَغَنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ آبَائِي قَالَهُ وَ لَکِنِّي أَقُولُ النَّاسُ عَبِيدٌ لَنَا فِي الطَّاعَةِ مَوَالٍ لَنَا في الدِّينِ فَلْيبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» [الكافي/1/187]
    الآن عرفنا لماذا لم يتصدّ الإمام الرضا لاستلام السلطة وسحب البساط من تحت المأمون مع كلّ ما يحظى به من محبوبية بين الناس واقترابه من السلطة وسنوح بعض الظروف والأسباب له. لأن المحبوبية ليست كافية لوحدها، ولابدّ من وعي الناس وبصيرتهم.
    الهي نقسم عليك بحق الإمام الرضا(ع) أن تجعلنا جنودا واعين وأولي بصيرة للإمام صاحب الزمان(عج)، وأن تجعلنا من عبادك الواعين والمأهّلين لتقبّل المعارف الولائية واستيعابها.

    يتبع إن شاء الله...

  5. #5
    صديق جديد
    تاريخ التسجيل: September-2015
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 0 المواضيع: 24
    التقييم: 2040
    مقالات المدونة: 1
    شكرا ع الطرح الرائع

  6. #6
    صديق فعال

    ضرورة الوعي السياسي 1.2

    ضرورة الوعي السياسي 2

    بناهيان: كان النبي(ص) بصدد إيصال الناس إلى قمّة «الوعي السياسي»/ أحد أهم برامج الله لتهيؤ الإنسان إلى لقاء الله هو التمتّع بالوعي السياسي/ لا يتحقّق الظهور إلا بعد ما أصبح أكثر الناس سياسيّين/ إذا أصبح جميع الناس سياسيّين، سوف تضيق الساحة السياسيّة بتيّارات حبّ السلطة والنفاق/ ما لم يصبح أكثر الناس سياسيّين، لا تزال تتسلّط عليهم أقليّة من الفئة الظالمة

    الزمان: 03/09/2015
    المكان: طهران ـ هيئة الشهداء المجهولين (شهداي گمنام)
    بعد ما استعرض سماحة الشيخ بناهيان في تكملة سلسلة أبحاث «استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام» في هيئة الشهداء المجهولين الأسبوعية، أحداثَ فترة الدعوة النبوية ومرحلة هجرة النبي(ص)، عمد إلى دراسة حكومة النبي(ص). فتطرّق إلى ضرورة الوعي السياسي بين الناس ومدى اهتمام النبي(ص) بهذا الوعي. فإليكم أهمّ المقاطع من كلمته:

    ليس مجرّد العمل الصالح معيارا في صلاح الإنسان/ يجب أن يكون العمل الصالح جديرا بتمهيد الإنسان للقاء الله

    إن التعاليم التي تعطى إلى الجنود ليست جميعها تعاليم عسكريّة بشكل مباشر، بل بعضها كالاستعراض العسكري والحركات الرياضية لا ترتبط بالعمل العسكري مباشرة، أو على الأقل لا يمكن فهم علاقتها بالعمل العسكري مباشرة، ولكنّها وفي ضمن مراحل معقّدة تنفع العمل العسكري وساعة القتال وتوطّن الجندي للحرب.
    هناك تعاليم تدرّس في المعسكرات قد يعترض عليها بعض الجنود أن: «لا نعرف ما علاقة هذه الدروس بالحرب؟!» أنا بودّي أن أشبّه هذه الحالة بقضيّة «كمال الإنسان». فقد أمرونا بإتيان بعض الأعمال الصالحة ولكنّنا لا نعرف علاقة أكثر هذه الأعمال بكمالنا.
    كما أن الإنسان كائن معقّد ذو شعب، فكماله أيضا قضية معقّدة غير بسيطة. فلا يمكن أن نقول: إن كمال الإنسان هو أن لا يكذب ولا يسرق ويكون رحيما و... فليست هذه الخصائص تمثّل الذروة في كمال الإنسان. المفترض هو أن نصل إلى هدفٍ معيّن عبر الأعمال الصّالحة وتجنّب الأعمال السيئة كالكذب ولكن لم يوضّح أحد هذا الهدف بشكل جيّد. إن المقام الذي نحن في طريقنا إليه عبر هذه الأعمال الصالحة، مقام يمهّدنا إلى «لقاء الله». يعني إنه سيغير ذات الإنسان وماهيّته ويوسّع سعته الوجوديّه ليكون أهلا للقاء الله. إذ لابدّ للإنسان من أن يحظى بسنخيّة وأهليّة للقاء الله.
    ليس أداء الأعمال الصالحة أو تجنب الأعمال السيئة معيارا في حدّ ذاته، بل المعيار هو ما يحصل للإنسان عبر هذه الأعمال. فعلى سبيل المثال، ينطوي تجنب الكذب على أثر خاص وهو الذي يهمّنا. فلعل الإنسان يتجنّب الكذب ولكنه لا يحصل على ذاك الأثر بسبب سوء نيّته.
    يفترض للجندي أن يتأهّل بعد التدريب في المعسكر ويحصل على قدرات يقوى بها على الحرب. ولذلك فلابدّ أن يتمتّع بلياقة جسدية عالية وبروح الطاعة للقائد وبمهارات أخرى لكي يؤدّي دوره الصحيح في ساحة الحرب. هذا ونحن نستطيع أن ندرك مقتضيات ساحة القتال، ولكن لم يكن أحد منا قد شاهد يوم القيامة ليرى احتياجات الإنسان في لحظة لقائه مع الله. ينكشف باطن الناس وتبلى سرائرهم يوم القيامة (يوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) [الطارق/9] فسوف ندرك يومئذ كيف تنفع الناس أعمالهم في الدنيا في لحظة لقاء الله؟ بينما هنا في هذه الدنيا وقبل الانتقال إلى الآخرة فالأمر معقّد جدّا، وشرح حقيقة كمال الإنسان ليس بهيّن.

    في معسكر الدنيا نتلقّى بعض التدريبات لكي نتدرّب على لقاء الله/ ما علاقة الزواج بلقاء الله؟

    نحن في معسكر الدنيا نتعلّم ونتدرّب لكي ننتقل إلى مكان آخر وهو مقام «لقاء الله»، فلابدّ لنا أن نتدرّب لذلك المكان. ولذلك فإن الله سبحانه قد هيأ لنا بعض الظروف التي تأهّلنا لذاك الموقف.
    فعلى سبيل المثال لابدّ للنساء في هذه الدنيا من الزواج مع رجال لا ينفكون عن بعض النواقص والمشاكل في رأيهنّ لأنها ناتجة من خصائص الرجولة الذاتيّة. ومهما حاول النساء لإصلاحهم لا يُصلحون فيضطرن إلى تحملّهم. ومن جانب آخر لابدّ للرجال من الزواج مع النساء اللاتي يجدونهنّ غير منفكّات عن بعض الإشكالات والنواقص اللتي هي مقتضى صفات وخصائص الأنوثة ولا يمكن حلّها بطبيعة الحال فيضطرّون إلى تحملّها. طيّب ما حسن هذه الظروف للنساء والرجال وكيف تنفعهم في التأهّل للقاء الله؟ وأساسا ما تأثير هذا التحمّل في استعداد الإنسان إلى لقاء الله؟ فمع أنه كان بإمكان الرجل والمرأة أن يتعبّدا عمرا طويلا ليتأهلا للقاء الله، ما علاقة الزواج وتكوين الحياة الأسرية بلقاء الله؟ الواقع هو أن الزواج بكل ما ينطوي عليه من حلاوات ومشاكل وصعوبات، يأهّل الإنسان إلى لقاء الله، ولكن إدراك هذه العلاقة بينه وبين لقاء الله أمر معقّد ليس ببسيط.
    إن مشاكل ما بعد الزواج قد استوقفت كثيرا من الأزواج فتجدهم يقولون: «لو لم يكن هذا زوجي أو هذه زوجتي لكنت عبدا صالحا لله!» أو يقولون: «لو لم أكن أعيش مثل هذه الظروف وكنت أعيش تلك الظروف لكنت عبدا صالحا!» في حين أن أساس الموضوع هو كيفية التعامل مع هذه المقدّرات التي أعدّها الله للإنسان ليستعدّ عبر هذه المقدّرات للقاء الله.
    لقد مزجت حياة الإنسان بمثل هذه الصعوبات. فعلى سبيل المثال رزقك مرهون بكدّك وجهدك. مع أن الله كان قادرا على رزقك أيسر بكثير ومن دون حاجة إلى عمل، ولكنّه قدّر لأغلب الناس أن يكون رزقهم نتيجة كدّ اليمين وعرق الجبين. فكل هذه المقدّرات في الواقع تمهّد الإنسان للقاء الله. كما أن الله سبحانه يقول: (يا أَيهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ کادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ کَدْحاً فَمُلاقيه) [الانشقاق/6]

    لم يخلقنا الله لنكون صالحين ونطيعه وحسب

    لا تحسبوا أحداث العالم بسيطة. فعلى سبيل المثال لا تزعموا أن الله كان يريد أن نكون أناسا صالحين وعليه ففرض لنا مجموعة من الأعمال الصالحة. بل الواقع هو أن نقول: «لقد فرض الله علينا هذه الأعمال الصالحة لكي نستعدّ عبر هذه الأعمال للقائه». وبالتأكيد إن الأعمال التي فرضها الله علينا في معسكر الدنيا لم تكن أعمالا قبيحة وسيئة قط. ولا شكّ في أن جميع الأعمال التي قد وصّانا الله بها هي أعمال صالحة وتنطوي على فوائد ومحاسن ذاتيّة، ولكن لابد أن نعرف أن لم يخلقنا الله لتحصيل تلك المحاسن الذاتيّة المرتبة على الأعمال الصالحة. يعني لم يخلقنا الله لكنون أناسا صالحين وحسب ثم نموت، ليحشرنا في الآخرة في الجنان ويتحفنا بالثواب.
    تتّسم أحكام الله بالحسن والجمال، ولكننا لم نخلق لأداء هذه الأحكام الجميلة وحسب، بل قد خلقنا لامتثال هذه الأحكام في سبيل أن نستعدّ لشيء آخر لا نعرفه جيّدا. ولكن نعرف بالإجمال أن هذا الشيء الآخر هو لقاء الله.

    يتبع إن شاء الله...

  7. #7
    صديق فعال
    من أهمّ برامج الله لتمهيد الإنسان للقائه هو التحلّي بالوعي السياسي/ التحلّي بالوعي السياسي جزء من العمليّة التربويّة للقاء الله

    بعد هذه المقدّمة، نشير إلى أحد أهم برامج معسكر الحياة الدنيا لتربية الإنسان. من أهمّ البرامج التي تمهّد الإنسان للقاء الله والتي تعتبر أصعب مرحلة تعليميّة له هو التحلّي بالبصيرة السياسيّة. ففي هذه المرحلة ينبغي للإنسان أن يكون قد ابتعد كثيرا عن الجهل وحظي بمرتبة عالية من النور والمعنويّة لكي يعي هذا البرنامج وينجح فيه.
    التحلّي بالوعي السياسي جزء من برنامج معكسر حياة الإنسان في هذه الدنيا. وإنه في ضمن العمليّة التربويّة المؤدّية إلى لقاء الله. كلّما جاهد النبي(ص) في هذا المجال، لم يبلغ هذا الوعي الديني العالي بعد وفاة النبي(ص) إلا أربعة. «قَالَ عَلِيٌّ ع إِنَّ النَّاسَ کُلَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص غَيرَ أَرْبَعَة»[رجال الكشي/11 و اختصاص المفيد/6 و سليم بن قيس/2/598]
    ولا أقصد من الوعي الديني العالي، الوعي السياسي بل الوعي الديني نفسه، لأن سياستنا عين ديانتنا. إذن من لم يحظ بالوعي السياسي يفتقد الوعي الديني أيضا. إذ لا يعرف المطلوب منه بعد. فإن الله لا يريد منّا الصلاة والعبادة وحسب، وإلّا لكان قد رضي عن إبليس إذ كان يقوم بكل هذه الأعمال.
    وأمّا أنّه ما العلاقة بين لقاء الله والوعي السياسي، فهذا ما يحتاج إلى بحث مفصّل ليس مجاله الآن، وبإمكانكم أن تفكّروا في هذه المسألة.

    كان النبي(ص) بصدد إيصال الناس إلى قمّة عالية باسم «الوعي السياسي»/ ولكن لم يبلغ هذه القمّة إلا أربعة

    بدأ النبي الأكرم(ص) في بداية تاريخ الإسلام بتربية الناس، ولعلّ من أسهل مراحل التربية هي تثقيفهم على القانون. طبعا لا يخفى على من درس التاريخ أن العرب يومئذ لم يكونوا بعيدين عن القانون والحضارة جدّا. فكان من أسهل أدوار النبي(ص) هو دعوة الناس إلى بعض الأعمال الصالحة كالصلاة والصدق وغيرها.
    ولكن لابدّ أن نعرف أن نبيّ الإسلام(ص) بعظمته والذي كان الأنبياء جميعا مقدمة لظهوره، كان يريد أن يوصل الناس إلى أيّ قمّة؟ بإمكاننا أن نقول: إن هذه القمّة هي الوعي السياسي وإلّا فباقي القضايا أسهل منها. أفهل استطاع النبي(ص) أن يأخذ بأيد الناس إلى تلك القمّة؟ الجواب هو أن قد بلغها أربعة فقط.

    ما هي قمّة الديانة التي لم تبلغها الأمّة؟ الوعي السياسي العالي

    أيّ أقسام الإسلام قد تحقّق في زمن النبي وأيّ الأقسام لم يتحقّق؟ يبدو أن قد انحلّت بعض الأحكام مثل الصلاة والصوم والزكاة والجهاد والشهادة ولم يكن المجتمع يعاني من مشكلة يومئذ. إذن أيّ قسم بقي بلا عامل؟ أولم يكن هذا القسم يمثّل أعلى مراتب الدين؟ فلا يمكن أن نقول: لقد تحقّقت أعلى مراتب التديّن وإنما كانت قد بقيت مشكلة فرعية فقط! كيف يكون قد بلغوا القمّة في التديّن ولكنّهم لم يجتازوا سفح الجبل؟!
    فما هي قمّة الدين التي لم تصل إليها الأمّة يومئذ؟ وما هي هذه القمّة التي إن لم يكن قد دعا إليها النبيّ، فكأنه لم يبلّغ رسالته (وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَه) [المائدة/67]؟ إنه الوعي السياسي الرفيع والعالي جدّا الذي لم تبلغه أمّة الإسلام يومئذ.

    ينبغي للبرنامج التربوي أن يكوّن أركان شخصية الطفل، بحيث يميل عند كبره إلى الدين

    أوقفوا هذا الموضوع في هذه النقطة. هنا نريد أن نطرح موضوعا آخر ثم نرجع إلى هذه النقطة. اعتقادي في القضايا التربوية هو أنه ينبغي للبرنامج التربوي أن يكوّن أركان شخصيّة الطفل، بحيث يميل عند كبره إلى الدين تلقائيّا. نحن لا نحتاج إلى ضخّ التعاليم الدينية في السنين السبع الأولى من عمر الطفل، وحتّى إن لم نعلّمه شيئا من الدين فلا بأس. فليست إسلاميّة المدرسة بهذه التعاليم.
    حسبنا أن نمرّن الطفل على التفكير المنطقي والإبداع وأن نعزّز فيه بعض المفاهيم الإنسانيّة. عند ذلك سوف يصلّي هذا الطفل صلاة الليل تلقائيّا بلا حاجة إلى تأديبه بالتعاليم الدينية. فعلى سبيل المثال من مؤشرات الإبداع هو أن يكون الإنسان مستقلّا لا يقلّد الآخرين وحرّا غير مرهون بتحسينهم ولومهم. فإنه سوف يكون عبدا لله، لأن عبد الله هو من آمن بأن «لا إله إلا الله» واقعا.

    إن توفّرت مقدّمات التديّن في شخصية الإنسان، يسهل عليه ذلك/ طرق إصلاح جذور شخصية الطفل في روضات الأطفال

    إن توفّرت مقدّمات التديّن المعنويّة في شخصيّة الإنسان، يسهل عليه ذلك. فعلى سبيل المثال في موضوع الولاء، إن خضع الإنسان للنظام التسخيري، يستعدّ للولاء ولا يحتاج عندذلك إلى أن تقنعه بقوّة الأدلّة والبراهين.
    فما الذي يجب أن نفعله في روضة الأطفال لكي يستعدّ الأطفال للولاء؟! في البداية يجب أن نصلح جذور شخصيتهم. فعلى سبيل المثال نعدّ لهم لعبة، بحيث يتعرّف كل طفل عبر هذه اللعبة على الفوارق الموجودة بينه وبين غيره، ثم يتقبّل هذه الحقيقة برحابة صدر وهي أنك تحظى بهذه المواهب وغيرك يحظى بمواهب أخرى. فلنوطّنه منذ الصغر والطفولة على معرفة الفوارق وتقبّلها. ولا نحاول أن نوحّد بين الجميع ونسعى لنجعلهم سواء في كلّ شيء.
    تحاول أنظمة التربية والتعليم عادة أن توحّد بين الطلاب جميعا تحت عنوان العدالة، خلطا منهم بين العدالة والمساواة. مع أن في كثير من الأحيان ليس عملهم عدالة، بل توهمّ العدالة أو تفسيرا خاطئا عن العدالة. فعلى سبيل المثال، لا ينبغي أن يكون الثواب والعقاب بطريقة موحّدة للجميع. بل قد تقتضي العدالة أن يطرد أحد الطلّاب بثلاث غيابات، ولا يطرد الآخر حتى بعشر غيابات.
    بمقتضى النظام التسخيري «أنا أعرف شيئا وأنت لا تعرفه، وأنت تعرف شيئا وأنا لا أعرفه»، فلابد أن أتواضع لك لما تعرفه أنت وأنا أجهله، وكذا العكس. لابدّ أن نطيل التمرين على هذا الأمر. فأولئك الذين يخضعون لهذه الحقيقة بسهولة، يستطيعون أن يتقبّلوا تفضيل الله بعض الناس على بعض برحابة صدر. ولكن المشكلة هي أن كثيرا من الناس لا يقدرون على تقبّل هذه الحقيقة. فعلى سبيل المثال، كثير من الناس لا يستطيعون أن يتقّبلوا أفضلية إنسان مثلهم وتفوّقه في تخصّصه ومهنته كتصليح بعض الأجهزة أو مهنة الكهربائية.
    في بعض الأحيان يُحوِجُ الله بعض الشخصيات الكبار إلى أشخاص صغار غير مهمّين. مثلا قد احتاج النبي سليمان(ع) إلى هدهد ليعطيه خبرا كان يجهله. فليس لله مع أحد قرابة، فقد جعل الناس يحتاج بعضهم إلى بعض. فكيف يكون ولائيا من لم يخضع للنظام التسخيري، في حين أنه لم يحظ بالركائز الشخصية المحتاج إليها في الولاء؟

    يتبع إن شاء الله...

  8. #8

  9. #9
    صديق فعال

    ضرورة الوعي السياسي 3.2

    تتبلور إحدى أهم ركائز شخصيتنا عبر «الوعي السياسي»/ كان أكثر الناس على مرّ التاريخ يتبرّمون من أيّ نشاط سياسي

    إجمال القضيّة هي أن لابدّ أن تستعدّ الركائز الشخصية للتديّن وأن تتأهّل للقاء الله، وتتبلور إحدى أهمّ ركائز شخصيتنا عبر «الوعي السياسي». فحاولوا أن تكونوا أشخاصا سياسيّين وتحظوا بوعي سياسي عال.

    يتبرّم كثير من الناس من النشاط السياسي وحتى من التفكير في القضايا السياسيّة! كما كان هذا حال أكثر الناس في أكثر المجتمعات وعلى مرّ التاريخ. وحتى الآن في البلدان الغربيّة إذا أراد بعض أفراد الشعب أن يكونوا مهتمّين بالشؤون السياسيّة كثيرا، غاية ما يقومون به هو أن يقولون: «ما هو برنامج هذا المرشّح لرئاسة الجمهورية؟ هل يريد أن يصعّد الضرائب أم يقلّلها؟ فإن أراد أن يصعّد ما علينا من ضرائب فلن ننتخبه!» ولا يهتمّون بشيء آخر. كما أن كثيرا من الكسبة وأصحاب الدكاكين لا يكترثون بالاقتصاد الكلّي. إن في الاقتصاد الكلّي معادلات معقّدة تفرق في بعض الأحيان عن الاقتصاد الجزئي بكثير، ولكنّها مهمّة ومؤثرة جدّا.

    لا يتحقّق الظهور إلا بعد أن أصبح أكثر الناس سياسيّين/ إذا أصبح جميع الناس سياسيّين، سوف تضيق الساحة السياسيّة بتيّارات النفاق

    إن السياسات الكلّية معقّدة جدّا، وقد فرض الله علينا في ما فرض أن نتحلّى بالوعي السياسي. ولكن أكثر الناس يتبرّمون من الأوساط السياسيّة، ولذلك على مرّ التاريخ، وفي مختلف الأنظمة الديكتاتورية والديمقراطيّة، حكمت فئة قليلة من الناس أكثريةَ الشعب. ولا يتحقّق الظهور إلا بعد أن أصبح أكثر الناس سياسيّين، كما أن بعد الظهور سيزداد الناس وعيا وبصيرة في القضايا السياسيّة.

    بعد أن مسح الإمام المهدي على رؤوس الناس وأكمل عقولهم [الكافي/1/25]، أحد أهمّ مصاديق العقل هو «العقل السياسي». إذن فيصبح جميع الناس سياسيّين ويتحلّون بالوعي السياسي. وإذا أصبح الجميع سياسيّين تضيق الساحة السياسية بتيارات النفاق. إذ سوف يشعر الناس بأمراض قلب الرجل السياسي من فلتات لسانه. وسوف يقدر الناس على تحليل كلام رجالهم السياسيّين وأن يعرفوا مثلا أن فلانا من السياسيّين يؤكد على موضوعٍ ما أكثر من استحقاقه.


    ما لم يصبح أكثر الناس سياسيّين، لا يزال يسيطر فئة قليلة عليهم

    إذا بلغ الناس إلى أوج الوعي السياسي، عندئذ إذا خطب رجل سياسي أو صرّح بتصريح ما، يعرف الجميع كم قد انطلق في كلامه من الأهواء النفسانيّة، وما هو الهدف الذي يرمي إليه. فما لم يكن الناس هكذا، لم يصلوا إلى أوج الوعي الديني. وكان النبي(ص) بصدد إيصال الناس إلى هذه النقطة، لا أن يعتكفوا في بيوتهم ويصلّوا فقط. ولا شك في أن الغاية من الوصول إلى هذه النقطة أي الوصول إلى الوعي السياسي، هو الوصول إلى الهدف الرئيس وهو التأهّل والتهيؤ للقاء الله.

    ما لم تخوضوا في ساحة الفكر السياسي لن تصبحوا أهلا للقاء الله

    الساحة السياسية يعني التفكير حول العالم وتعاقيده العظيمة. فما لم تخوضوا في هذه الساحة لن يكبر قدركم، وإن لم تكبروا لن تتأهلوا للقاء الله العظيم. ولكن أكثر أهل العالم ليسوا بسياسيّين. وإذا كان كذلك لا يزال تسيطر عليهم فئة قليلة وتحكم مقدّراتهم كيف تشاء.

    لماذا استطاعت انجلترا الصغيرة أن تسيطر على كثير من البلدان؟

    هل تعلمون كم مساحة انكلترا؟ لعلّ مساحتها لا تزيد عن مساحة إحدى محافظاتنا. إذن كيف استطاعت أن تسيطر على كثير من البلدان؟ ويا ترى كم كان عدد قوات جيشهم؟ الواقع هو أنهم قد استطاعوا أن يهيمنوا على كثير من البلدان بسبب مهارة واحدة يملكونها وهي: «في كل مجتمع، إذا استطعتم أن تؤثروا على بعض الخواص المؤثّرين، تستطيعون بعد ذلك أن تسيطروا على باقي أفراد المجتمع، إذ أن أكثر الناس يتبرّمون من الشؤون السياسيّة».

    كون أكثر الناس بعيدين عن الأجواء السياسيّة قد سنّى لمستكبري العالم أن يهيمنوا عليهم. هنا يأتي هذا السؤال وهو: ما علاقة هذا البحث برسالة الأنبياء؟

    الإمام الصادق(ع): «مَنْ أَطَاعَ رَجُلًا فِي مَعْصِيةٍ فَقَدْ عَبَدَهُ»/ ليست مشكلتنا الرئيسة عبادة الأوثان، بل إطاعة الرجال

    يقول الإمام الصادق(ع): «مَنْ أَطَاعَ رَجُلًا فِي مَعْصِيةٍ فَقَدْ عَبَدَهُ» [الكافي/2/398] قد يقول البعض: «نحن لم نعبده، وإنما أطعناه لنتّقي شرّه». في حين أن القضيّة ليست بهذه البساطة. فإننا إن أطعنا أحدا في معصية الله فقد عبدناه وأصبح ربّنا. ولذلك ليست مشكلتنا ـ نحن المسلمين ـ الرئيسة، عبادة الأوثان، وإنما هي «إطاعة الرجال».

    يقول الإمام الصادق(ع) حول قوله تعالى: «وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَة»[مريم/81] أيْ يکُونُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ آلِهَةً مِنْ دُونِ اللَّهِ عَلَيهِمْ ضِدّاً يوْمَ الْقِيامَةِ وَ يتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ وَ مِنْ عِبَادَتِهِمْ إِلَى يوْمِ الْقِيامَةِ؛ لَيسَتِ الْعِبَادَةُ هِيَ السُّجُودَ وَ لَا الرُّکُوعَ وَ إِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ الرِّجَالِ، مَنْ أَطَاعَ مَخْلُوقاً فِي مَعْصِيةِ الْخَالِقِ فَقَدْ عَبَدَه» [تفسير القمي/2/55]

    أوج رسالة الأنبياء الوعي السياسي

    عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع: عَنْ رَجُلَينِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَينَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَينٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَتَحَاکَمَا إِلَى السُّلْطَانِ وَ إِلَى الْقُضَاةِ أَ يحِلُّ ذَلِكَ قَالَ مَنْ تَحَاکَمَ إِلَيهِمْ فِي حَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ فَإِنَّمَا تَحَاکَمَ إِلَى الطَّاغُوتِ وَ مَا يحْکُمُ لَهُ فَإِنَّمَا يأْخُذُ سُحْتاً وَ إِنْ کَانَ حَقّاً ثَابِتاً لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحُکْمِ الطَّاغُوتِ وَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يکْفَرَ بِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (يرِيدُونَ أَنْ يتَحاکَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ‏ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يکْفُرُوا بِه) نساء/60 قُلْتُ: فَکَيفَ يصْنَعَانِ قَال: ...؛ [الكافي/1/67]

    وكان يقول الإمام الخميني(ره): «لو فرضنا أن أمريكا قد عرضت علينا مقترحا إسلاميّا إنسانيّا مئة بالمئة، نحن لا نصدّق بأنهم يخطون خطوة واحدة لصالحنا ومن أجل السلام. وحتى لو قالت أمريكا وإسرائيل «لا إله إلا الله» نحن لا نقبل.» [صحيفة الإمام الفارسية/ج15/ص339]

    قرّوا بأن بعض الأيادي قد ربّتنا على الابتعاد عن السياسة. فقد أصبحنا وبشكل مقزّز أخلاقيين ومعنويين ولكن بعيدين عن السياسة وغير مكترثين بأكثر عامل حاسم وأعقد ساحة مؤثرة في مصير الناس ومستقبلهم. بينما كان الإمام الخميني(ره) يقول: «والله إن الإسلام كله سياسة، فقد عرّفوه لنا بشكل سيّئ» [صحيفة الإمام(الفارسية)/ج1/270] وقال في مكان آخر: «الإسلام دين السياسة قبل أن يكون دين المعنوية» [صحيفة الإمام(الفارسية)/ج6/467]

    كما كان الوعي السياسي يمثّل أوج رسالة الأنبياء. ولكن أيّ من مناهجنا الدراسية وأنظمتنا التعليمية وبعد مضي 35 سنة من انتصار الثورة، تعلّم الأطفال والطلاب هذه المعارف بشكل صحيح؟ ثم نتيجة تقصيرنا في هذا المجال هو تأخير فرج مولانا صاحب الزمان(عج).

  10. #10
    صديق فعال

    ضرورة الوعي السياسي 1.3

    ضرورة الوعي السياسي 3

    بناهيان: ليس إصلاح حجاب النساء من أهم التمهيدات لظهور الفرج، بل إصلاح السياسيّين هو الأهمّ/ إن الساحة السياسية بحاجة إلى مراقبة النفس وتقوى عالية جدّا

    الزمان: 10/09/2015
    المكان: طهران ـ هيئة الشهداء المجهولين (شهداي گمنام)
    أكمل سماحة الشيخ علي رضا بناهيان في هيئة الشهداء المجهولين الأسبوعية، موضوعه في خصوص ضرورة الوعي السياسي. فإليكم أهمّ المقاطع من كلمته:

    الإسلام الذي قد اهتمّ باحتياجاتنا الحياتيّة لابدّ أن يكون قد اهتمّ بالسياسة

    لقد أخذت الأحكام الدينية احتياجاتنا الحياتية بعين الاعتبار. وقد بلغ اهتمام الدين باحتياجاتنا الحياتية إلى درجة بحيث قد اعتبر العامل الذي يذهب إلى عمله ويكدّ ويتعب لكسب الرزق لعائلته كالمجاهد في سبيل الله. فقد روي عن الإمام الصادق(ع): «الْکَادُّ عَلَى عِيالِهِ کَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» [الكافي/5/88]. كما قد أمر ديننا بتأمين احتياجاتنا الحياتية بحيث قد يصبح التقصير في قضاء هذه الحوائج فعلا محرّما. فعلى سبيل المثال إذا أضرب أحد الناس عن الطعام إلى أن يهلك جوعا، فهذا انتحار وحرام.
    فكيف يمكن لهذا الإسلام الذي اهتمّ كثيرا بتأمين احتياجاتنا الحياتية، أن يكون غير مكترث بالساحة السياسية ولم يلفت أنظارنا إليها؟ إذ أن تحقّق أكثر احتياجاتنا الحياتية مرهون بمعادلات الساحة السياسية، وأصحاب السلطة هم أصحاب القرار في تحقيق هذه الاحتياجات أو عدم تحقيقها. بحيث بإمكان أصحاب السلطة أن يقتلونا أو أن يشنّوا حربا ويبيدونا.
    إن هذا الدين الذي بالغ الاهتمام باحتياجات الإنسان الحياتية، وأمر بسدّها وقضائها، من المؤكد أنه قد اهتمّ بالساحة السياسية، إذ جميع احتياجاتنا الحياتية بنطاقها الواسع تؤمَّن هناك، وهي رهن إشارة أيدي أصحاب السلطة ومن المعلوم أن سلوك أصحاب السلطة وتداولهم في بقائهم في مناصبهم كلّها من الأحداث المهمّة التي تحسم في الأوساط السياسية. فكيف يمكن وأنى يعقل أن يكون ديننا قد أمرنا بالابتعاد عن السياسة؟!

    الإسلام الذي قد اهتمّ بالفقراء وأكّد على مساعدتهم، من المؤكد أنه مكترث بالساحة السياسية ومصادر الفقر

    لقد فرض الله مساعدة الفقراء تحت عناوين الصدقة والإنفاق والزكاة، ثمّ أعطاها من الأهمية ما قد قرنها مع الصلاة في كثير من آيات القرآن. فهل يعقل لهذا الإسلام الذي وصّى بمساعدة المستضعفين واعتبر مساعدتهم صدقة، أن يكون غير مكترث بالسياسة؟! والحال أن الساحة السياسية هي المصدر في إنتاج الفقر أو الغنى، وبها يمكن الوقوف أمام الفقر وإغاثة الفقراء في نطاق واسع. لا يُعقل أن يوصّينا الإسلام بمساعدة الفقراء وبالابتعاد عن السياسة في نفس الوقت! إذ أن المصادر الناتجة للفقر هي ساحة السياسة. فإذا أردنا أن ننقذ المحرومين والمستضعفين لابدّ أن نتدخّل في السياسة بصفتها العامل الأول في تكوين ظاهرة الفقر، لأنّ في هذه الساحة السياسية يتم إنتاج الفقر بنطاقه الواسع.
    إن الأبعاد السياسية أهم من باقي الأبعاد في الأحكام الدينية. طبعا لم يصرّح القرآن بعناوين السياسة والسلطة، كما لم يصرّح بأسماء الأئمة الإثني عشر. إذ كما قال أمير المؤمنين(ع) إن ديننا هو دين الإشارة لا التصريح؛ «فَبَعَثَهُ اللَّهُ بِالتَّعْرِيضِ لَا بِالتَّصْرِيحِ» [الاحتجاج/1/255]

    لا يعقل أن يكون الله قد أمرنا بالجهاد ولكن لم يعيّن تكليف إدارة الجهاد/ من أجل العمل بالجهاد لابدّ لنا من البصيرة السياسية

    المثال الآخر الدال على اهتمام ديننا بالسياسة هو أن ديننا قد أمر بالجهاد، وعليه فلابدّ أن نسأل: من الذي يعيّن الخصم ويحدّد زمن الجهاد؟ وأين يتمّ تنظيمه؟ من الذي يقرّر أن قد حان وقت الجهاد أو لم يحن؟ من المؤكد أن هذه القرارات تصدر في ساحة السياسة، فلا يجوز لنا أن ندع هذه الساحة تقع بيد أيّ كان، إذ لا يصلح كل امرء للدخول في الساحة السياسية فيصدر أمر الجهاد أو يقرّر إيقافه. كما الآن نرى أن تنظيم داعش قد تصدّى لذلك، فأصبحوا يفرضون على بعض الشباب وبدوافع دينية أن يهاجروا للجهاد. فإذا أطاعهم جاهل مغفّل فاقد للبصيرة السياسية، يذهب إلى الجهاد ـ على حدّ تعبيرهم ـ فإما يقوم بقتل وجرائم وإما يُقتَل ويذهب دمه هدرا.
    لا يعقل أن يكون الله قد أمرنا بالجهاد ولكن لم يعيّن تكليف إدارة الجهاد. ومن ينظر إلى الدين بهذه النظرة فقد حمل صورة غير عقلانية عنه. لأنه في الواقع يقول: «لقد مدح الإسلام الجهاد بشكل عام بدون أن يدخل في التفاصيل!» ولكن القضية المهمة هي أنه من الذي يجب أن يصدر حكم الجهاد؟ ومتى يجب الجهاد وفي أي ظروف؟ هذا الإسلام الذي جعل حرمة دم النفس الواحدة مساوية لحرمة دماء جميع الناس؛ (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعاً) [المائدة/32] كيف يمكن أن يأمر بالجهاد بلا أن يعيّن إدارته وقيادته؟!
    لابدّ للقائد الذي يحدّد زمان الجهاد ومكانه أن يكون رجلا سياسيّا بكل معنى الكلمة، كما يجب علينا أيضا أن نتحلّى بالبصيرة السياسيّة لكي نقدر على تشخيص صحّة قرارات هذا القائد، وفي سبيل أن لا ننساق وراء قادة مزيّفين منحرفين. إذن في سبيل امتثال أمر الله في قضيّة الجهاد لابدّ لنا من التحلّي بالبصيرة السياسيّة. العمل بالجهاد مشروط بالبصيرة السياسية. ولا يمكن اتخاذ القرار بشأن الجهاد أو المبادرة إليه خارج نطاق العملية السياسية، وهذا ما يؤكّد حاجاتنا الماسّة إلى البصيرة السياسية.

    يتبع إن شاء الله...

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال