ضرورة الوعي السياسي1
بناهيان: الحكم الإلهي الثاني بعد التوحيد، هو الموقف الثوري تجاه الطاغوت + الآية القرآنية/ لماذا لم يتصدّ الإمام الرضا(ع) لاستلام السلطة مع أنه كان محبوبا بين الناس وسنحت له بعض الظروف؟/ ليست المحبوبيّة كافية، وإنما وعي الناس واستيعابهم شرط في حصول ولي الله على السلطة!/ لماذا لم تنحلّ الكثير من المشاكل في إيران بعد، والحال أن قد زال حكم الطاغوت من البلد؟
الزمان: 27/08/2015
المكان: طهران ـ هيئة الشهداء المجهولين (شهداي گمنام)
في تكملة سلسلة أبحاث «استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام» في هيئة الشهداء المجهولين الأسبوعية، قام سماحة الشيخ عليرضا بناهيان بدراسة قسم من سيرة الإمام الرضا(ع) السياسيّة وموقع محاربة الاستكبار في منظومة المعارف الدينية. فإليكم أهمّ المقاطع من كلمته:
إذا تعلّق أمر الله بأي شيء، يكون ذلك الشيء مصدرا للمعنوية/ وقد تعلّق بالقوّة والسياسة أمر الله
أيّ شيء تعلّق به أمر الله، يصبح مصدرا للنور والقداسة والمعنويّة. يعني إذا قام الناس بعمل ما بنيّة امتثال أمر الله، يزدادون نورا ومعنويّة. وعليه فلابدّ أن نعتبر عملهم عملا معنويّا مقدّسا. إذا تعلّق أمر الله بالصلاة، تصبح الصلاة بطبيعة الحال محلّا لتزوّد النور والمعنويّة. وإذا تعلّق أمره بالعمل الاقتصادي، يصبح العمل الاقتصادي إذا كان بنيّة امتثال أمر الله، عاملا لازدياد نور الإنسان ومعنويّته. وكذلك إذا تعلّق أمر الله بالزواج، يصبح الزواج مصدرا للنور والمعنويّة.
وكذلك قد تعلّق بالقوّة والسياسة أمرُ الله. فقد قال الله سبحانه في القرآن الكريم: (وَ لَقَدْ بَعَثْنا في کُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوت) [نحل/36] اجتناب الطاغوت يعني لا تتبعوا القوى التي لم تحصل على السلطة من قبل الله ولا تطيعوهم. وهذا الأمر يعني لا تكونوا سياسيّين فقط بل كونوا ثوريّين أيضا!
هناك فرق بين العنصر السياسي والعنصر الثوري. العنصر الثوري يخوض الساحة السياسية وكلّما اقتضت المصلحة يحاول أن يوجّه المعادلات لصالح الحق. كما أنه يقوم بذلك بكل حكمة وعقلانية، ولكن المهمّ هو أنه عازم على محاربة الطاغوت. بينما العنصر السياسي وغير الثوري قد يكفّ عن الجهاد عندما تضيق به الساحة، فيبدأ بتوسعة نطاق المصالح ويقدّم عافيته على طلب الحقّ.
حكم الله الثاني بعد عبادة الله، هو اجتناب الطاغوت
بعد الأمر بعبادة الله، قد أمر الله باجتناب الطاغوت. كما نستطيع أن نرى ما يشابه هذا المضمون في آية أخرى من القرآن حيث قال: (قُلْ يا أَهْلَ الْکِتابِ تَعالَوْا إِلى کَلِمَةٍ سَواءٍ بَينَنا وَ بَينَکُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَ لا نُشْرِکَ بِهِ شَيئاً وَ لا يتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) [آل عمران/64]
قوله تعالى: (وَ لا يتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) في الواقع تعبير آخر (وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوت). فليس المقصود من (وَ لا يتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ) هو أن لا نتّخذ من دون الله ربّا نعبده ونسجد له. ولذلك فهذه الآية أيضا تنطوي على بحث سياسيّ.
لقد قال رسول الله(ص): «مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ فَإِنْ کَانَ النَّاطِقُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ وَ إِنْ کَانَ النَّاطِقُ عَنْ إِبْلِيسَ فَقَدْ عَبَدَ إِبْلِيسَ» [عيون أخبار الرضا/1/304]
يقول الإمام الصادق(ع) حول قوله تعالى: «وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَة يکُونُوا لَهُمْ عِزًّا کَلَّا سَيکْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَ يکُونُونَ عَلَيهِمْ ضِدًّا»[مريم/81] لَيسَتِ الْعِبَادَةُ هِيَ السُّجُودَ وَ لَا الرُّکُوعَ وَ إِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ الرِّجَالِ، مَنْ أَطَاعَ مَخْلُوقاً فِي مَعْصِيةِ الْخَالِقِ فَقَدْ عَبَدَه» [تفسير القمي/2/55]
وكذلك للعلّامة العسكري(ره) شرح لطيف وواسع في معنى كلمة «أرباب» ذكره في كتاب «دور الأئمة في إحياء الدين» ومن هنا أثبت الولاية. أنصحكم أن تقرأوا المجلّد الأول والثاني من هذا الكتاب الشريف. لقد قال سماحته في هذا الكتاب أن قد بدأ النزاع من ربوبيّة الله، وإلا فلا مشكلة لأحد مع خالقيّته ورحمانيّته. وتتبلور ربوبيّة الله في أحكامه وأوامره فهي بمعنى «إدارة الله وقيادته». فإن كانت هذه الربوبيّة لأحد غير الله أو غير مأذون من قبل الله، يصبح (أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ).
يتبع إن شاء الله...