بسم الله الرحمن الرحيم السلام
قال تعالى (( وَإِن مِّن شَىْء إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً(44)
تتحدث الآية التالية عن تسبيح كائنات الوجود لذاته المقدسة إذ تقول: (تسبح لهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فيهُنَّ). ثمّ تتطرق الآية إِلى أنَّ التسبيح لا يقتصر على ما هو موجود في السماوات والأرض،
وإنّما ليسَ هُناكموجود إِلاّ ويسبِّح وَيحمد الله، وَلكن لا تدركون تسبيحهم: (وإن مِن شيء إِلاّ يُسَبِّح بحمده وَلكن لا تفقهون تسبيحهم). وَمَعَ ذلك: (إنّهُ كانَ حليماً غفوراً). أي لا يُؤاخذكم وَلا يعاقبكم بسبب كفركم وَشرككم مُباشرة، وَلكن يمهلكم بالقدر الكافي، وَيفتح لكم أبواب التوبة ويَتركها مفتوحة لإتمام الحجة.بتعبير آخر: إنّكم تملكون القدرة على إدراك تسبيح ذرات الوجود والكائنات جميعاً لله القادر المتعال، وتَدركون وجوده عزَّوجلّ، وَلكنّكم مَع ذلك تقصّرون، والله سبحانُه وَتعالى لا يُؤاخذكم مُباشرة على هذا التقصير، وَلا يجازيكم به فوراً وَلكن يعطيكم الفرصة الكافية لمعرفة التوحيد وَترك الشركجانب من روايات العترة الطاهرة
.أنَّ جميع الموجودات في العالم، الأرض والسماء، النجوم والفضاء، الأناس والحيوانات وأوراق الشجر، وَحتى الذرات الصغيرة، تشترك جميعاً في هَذا التسبيح والحمد العام
:
هناك تعابير لطيفة في هَذا المجال وَردت في أحاديث الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أهل البيت(عليهم السلام)، منها:
* أحد أصحاب الإِمام الصادق(عليه السلام) يقول: سألت الإِمام عن تفسير قوله تعالى: (وإن مِن شىء إِلاَّ يسبِّح بحمده) فقال(عليه السلام): «كل شىء يسبّح بحمده وإنَّا لنرى أن ينقض الجدار وَهو تسبيحها»()
.* وَعن الإِمام محمّد الباقر(عليه السلام) قال: «نهى رسول الله أن توسم البهائم في وجوهها، وأن تضرب وجوهها لأنّها تسبِّح بحمد ربِّها»(
* وَعن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «ما مِن طير يُصاد في بر وَلا بحر، وَلا شيء يُصاد مِن الوحش إِلاَّ بتضييعه التسبيح»(3).* أمّا الإمام الباقر(عليه السلام)، فعندما سمع يوماً صوت عصفور، فقال لأبي حمزة الثمالي ـ وَكانَ مِن خاصّة أصحابه ـ : «يسبحن ربّهنّ عزَّوجلّ ويسألن قوت يومهن»(
.* وفي حديث آخر نقرأ أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أتى إِلى عائشة، وقال لها: «اغسلي هَذين الثوبين» فقالت: يا رسول الله، لقد غسلتهما أمس، فقالَ(صلى الله عليه وآله وسلم): «أمّا علمت أنَّ الثوب يسبّح فإذا اتسخ انقطع عن تسبيحه»5
).* في حديث آخر عن الإمام الصادق نقرأ قوله(عليه السلام): «للدابة على صاحبها ستة حقوق: لا يحملها فوق طاقتها، وَلا يتخذ ظهرها مجلساً يتحدث عليها، وَيبدأ بعلفها إِذا نزل، وَلا يسمها في وجهها، وَلا يضربها فإنّها تسبح، ويعرض عليها الماء إِذا مرَّ بها»().إِنَّ هَذِهِ المجموعة مِن الأحاديث والرّوايات والتي لبعضها معاني دَقيقة، تظهر أنَّ التسبيح العام للموجودات يشمل كل شيء بدون استثناء
،أمّا ما قرأناه في هَذهِ الأحاديث مِن أنَّ اللباس إِذا توسخَ ينقطع تسبيحهُ، فهو كناية عن أنَّ المخلوقات إِذا كانت محافظة على نظافتها الطبيعية فسوف تذكِّر الإنسان بخالقه، أمّا إِذا فقدت نظافتها الطبيعية فسوف لا تقوم بالتذكير
المصدر الامثل في تفسير كتاب الله المنزل