التشريعات العقارية وواقع التطبيق
زيدان خلف حسين مستشار في مجلس شورى الدولة
1- صدر قانون التسجيل العقاري رقم (43) لسنة 1971 بجريدة الوقائع العراقية بعددها (1995) في 10/5/1971 واعتبر نافذاً بعد مرور سنة كاملة من تاريخ نشره، كما نصت على ذلك المادة (234) من القانون، وكانت هذه الفترة ضرورية لتهيئة المستلزمات المطلوبة للمباشرة بتطبيق ما ورد فيه من مبادئ، وبالأخص الجديدة منها ومن أهمها الآتي:
أولاً: تسمية القانون، تم تغيير تسمية الطابو الى التسجيل العقاري.
ثانياً: تنظيم سجلات شخصية للمالكين وأصحاب الحقوق العقارية الأخرى يمكن الإفادة منها في بيان المعلومات المطلوبة.
ثالثاً: تسجيل الطوابق وإفرازها، عالج القانون النقص في التشريع العراقي وأجاز افراز العمارات الى طوابق وشقق ووجود ملكية مشاعة وملكية مستقلة في هذا النوع من العقارات.
رابعاً: اللامركزية في تدقيق معاملات التسجيل العقاري فقد أجاز القانون تشكيل هيئات تدقيق في كل مديرية للتسجيل العقاري بدلاً من حصرها في دائرة التسجيل العقاري العامة وبالتالي تدقيق المعاملات لدى الدوائر الفرعية تسهيلاً لإجراءات إنجاز المعاملات العقارية.
2- ثم صدر القانون رقم (181) لسنة 1980 التعديل الأول لقانون التسجيل العقاري الذي عالج موضوع تسجيل العقارات غير المسجلة والذي الزم الحائزين لتلك العقارات بتسجيلها خلال سنة واحدة من تاريخ نفاذه وقرر بعض الامتيازات لمن يبادر الى مراجعة دوائر التسجيل العقاري وتسجيل العقار الذي بحوزته خلال المدة المذكورة وذلك بإعفائه من رسوم التسجيل العقاري ورسوم الطابع المتحققة عليه، كما نص التعديل على تأليف لجنة تثبيت الملكية برئاسة قاضي بداءة المنطقة التي يقع العقار ضمن اعمالها، وأجاز الطعن بقرار تثبيت العائدية أو رفض التسجيل الصادر عنها لدى محكمة استئناف المنطقة خلال مدة إعلان القرار.
كما نصت الفقرة (3) من المادة (50) مكررة من القانون بتسجيل العقارات والأسهم التي لا تثبت عائديتها الى شخص معين باسم وزارة المالية.
3- ان الغاية الأساسية للتعديل الأول هي إلزام حائزي العقارات غير المسجلة بوجوب تسجيلها خلال فترة محددة بهدف تلافي بقاء نسبة غير قليلة من العقارات غير مسجلة في السجلات العقارية ما يجعل جزءاً مهماً من الملكية العقارية بحكم المعطلة.
ويلاحظ بأن التعديل قد نص في الفقرة (1) من المادة (50) مكررة (إذا انتهت المدة المنصوص عليها في هذا القانون وبقيت عقارات أو أسهم غير مسجلة تتولى دوائر التسجيل العقاري التحقق من العائدية والمباشرة بإجراءات تسجيلها مجدداً على ان تخضع معاملات تسجيل العقارات للرسوم المقررة قانوناً، وبرغم مرور ما يقارب الثلاثين عاماً على صدور التعديل، الا ان هناك العديد من العقارات ما تزال غير مسجلة في سجلات التسجيل العقاري في عموم العراق، إضافة الى تعثر تنفيذ أحكام الفقرة (1) المشار اليها بسبب الصعوبات التي افرزها واقع التنفيذ الجبري. وبرغم الأحكام الجديدة التي جاء بها قانون التسجيل العقاري رقم (43) لسنة 1971 التي انعكست بشكل إيجابي على تطور العمل في دوائر التسجيل العقاري على الصعيدين القانوني والتطبيقي، الا ان بعض تلك الأحكام قد تعثر تنفيذها ومنها تنظيم السجلات الشخصية للمالكين وأصحاب الحقوق العقارية الأخرى، إذ برغم الجهود الكبيرة التي بذلت في تأسيس تلك السجلات، الا انها أهملت بشكل كبير ولم تحدث المعلومات المطلوبة فيها وفقاً للتصرفات اللاحقة، وبرغم ان القانون قد حدد مدة سنتين لإنجاز تلك المهمة، كذلك لم يحالف النجاح المطلوب حكم إفراز العمارات الى طوابق وشقق بسبب الصعوبات العملية والفنية، إذ اقتصر التنفيذ على بعض العقارات كان اغلبها العمارات التي تعود الى الدولة.
ومن أهم الصعوبات ضعف الكادر الإداري المسؤول عن إنجاز معاملات التسجيل المجدد وعدم توفر التخصيصات المالية المطلوبة لإنجاز التسجيل الإجباري للعقارات المشمولة بأحكام التعديل وستظل هذه الأسباب قائمة ما لم تعالج من الإدارة بشكل جذري تحقيقاً لأهداف القانون.
4-ثم صدر القانون رقم (31) لسنة 1982 وهو التعديل الثاني لقانون التسجيل العقاري ويعد الأهم في واقع التشريع العقاري في العراق، إذ انه عمد الى تعديل أساليب العمل في دوائر التسجيل العقاري، وتضمن النص على عدم نقل محتويات السجل العقاري عند كل تسجيل يجري على الوحدة العقارية توفيراً للجهد والوقت وتقليلاً من نسبة الأخطاء عند التسجيل، كما استعاض عن اضبارة العقار ببطاقة العقار بأن خصص لكل عقار بطاقة تحمل رقماً خاصاً يسهل مراجعتها واعتمد أسلوب تصوير المستندات بطريقة المايكرو فيلم ليسهل حفظها وخزنها، ورسم القانون طريقة التسجيل في السجلات العقارية بشكل منظم ودقيق يمكن معه إدراك الأخطاء الحاصلة فيها، كما أجاز استخدام الحاسبات الالكترونية أو أية وسيلة علمية أو فنية في تنظيم وفهرسة أسماء مالكي العقارات والحقوق العقارية الأخرى وفي إعداد البطاقات الشخصية التي حلت محل السجلات الشخصية، هذا ما كان يهدف اليه التعديل الثاني كما ورد في الأسباب الموجبة للقانون.
5- لقد شكل صدور التعديل الثاني لقانون التسجيل العقاري نقطة تحول مهمة في مسيرة التشريعات العقارية، إذ جاء بمبادئ جديدة تهدف الى تغيير جذري في طريقة تسجيل التصرف بالعقارات، إذ من المعروف ان الأسلوب المتبع في تسجيل التصرفات العقارية هو نقل الصفحة الخاصة بمالك العقار من السجل العقاري المعرفة بعدد التسجيل الى صفحة جديدة مـن السجل العقاري الممسوك من الدائرة بتاريخ التصرف وبعدد تسجيل جديد وهي الآلية التي تجمع بين التسجيل العيني الذي يعتمد وصف العقار موضوع التصرف والتسجيل الشخصي الذي يعتمد اسم مالك العقار في بيانات التسجيل العقاري وهو أسلوب باعتقادنا ناجح ودقيق في إثبات المعلومات المطلوبة كافة للعقار والمالك، وقد أثبت واقع التطبيق الذي استمر لسنين طوال نجاحه ودقته.
6- ان الطريقة الجديدة في تسجيل التصرفات اللاحقة للعقارات قد اعتمدت آلية جديدة بفتح سجل عقاري واحد أو أكثر لكل منطقة عقارية م (71) وان تخصص أربع صحائف منه لكل وحدة عقارية تخصص الصفحة الأولى لأوصاف العقار والثانية والثالثة لتدوين أوصاف المعاملات الجارية على حقوق الملكية او التصرف والرابعة لتسجيل معاملات الرهن التأميني أو الحيازي أو حق الامتياز.
ان نقل الملكية وفق هذه الآلية يعتمد على تدوين العقد في الصفحة الثانية أو الثالثة وتوقيع المتعاقدين وتأييد الموظف المختص دون الحاجة الى نقل شرح الإقرار المثبت في المعاملة الى السجل او نقل صفحة السجل الى صفحة جديدة وإنما يكتفي بشطب اسم البائع ودرج اسم المشتري الجديد في الصفحة المذكورة. نصت المادة (23) من القانون بعد التعديل الثاني على تخصيص بطاقة لكل عقار أعطي له رقم خاص وإلغاء الاضبارة المعتمدة بموجب القانون قبل التعديل على ان يتم تدوين الأوصاف الثابتة للعقار والمعاملات المسجلة عليه موانع التسجيل وحفظ المعاملات التي يتم تسجيلها مع وثائق التسجيل في أضابير عامة.
7- جابهت الصعوبات الكبيرة تنفيذ هذا التعديل وقد اجل تنفيذه بقرارات لاحقة عدة سنوات الى ان تمت المباشرة بذلك في أواخر الثمانينيات في بغداد بشكل أساسي وفي بعض دوائر التسجيل العقاري وبشكل جزئي إذ استمرت آلية التسجيل القديمة جنباً الى جنب مع الآلية الجديدة التي أوجدها التعديل ولا زالت لحد الآن.
8- ان الأسباب التي أدت الى تعثر تنفيذ التعديل الثاني عديدة ومنها أسباب جوهرية تتعلق بالطريقة الجديدة التي اعتمدها التعديل بالنسبة للتسجيل فـــي السجل العقاري وإلغاء الاضبارة وما افرزه من سلبيات كثيرة ومنها الآتي:
أولاً: عدم دقة تأشير نقل الملكية الجديدة الذي اقتصر على تدوين العقد وتوقيع المتعاقدين والاكتفاء بشطب اسم البائع في السجل العقاري وفصل شرح الإقرار وتثبيته في سجل اليومية دون السجل العقاري كمعالجة جاءت بها تعليمات تنفيذ القانون وبشكل لا يتفق مع نصوص التعديل اذ شاعت الفوضى في إجراءات التسجيل وحصلت الأخطاء لأجل التزوير في السجل العقاري المقترح بموجب التعديل.
ثانياً: أدى اعتماد البطاقة العقارية وإلغاء الاضبارة الى إرباكات عديدة في حفظ المستمسكات الخاصة بنقل الملكية وانعدام الأوليات الضرورية للرجوع اليها في تدقيقها عند نقل الملكية ولاسيما كتب الحجوزات ظهر ذلك جلباً بعدم قبول البطاقة من المحاكم عند طلبها الاضبارة الخاصة بالعقار موضوع الدعاوى.
ثالثاً: مسك العديد من السجلات العقارية مثل السجل العقاري وسجل اليومية وسجل الإجمال وسجل التأشيرات الهامشية، إضافة الى السجلات الأخرى المعتمدة وبعكس الهدف المعني للقانون القاضي باختصار الجهد والوقت وتراكم السجلات.
9- ورغم هذه الصعوبات والإشكالات القانونية التي جابهت تنفيذ التعديل الثاني ونتائج التطبيق غير الملائمة، الا ان القانون لا يزال يطبق جزئياً في دوائر التسجيل العقاري في بغداد.
لم تفلح المحاولات العديدة التي جرت لتلافي التعارض الموجود في التطبيق العملي لإجراءات التسجيل وفق التعديل الثاني وذلك عن طريق إعداد قانون جديد للتسجيل العقاري وصل الى مراحل متقدمة في إجراءات تشريعه الا انه أوقف لأسباب غير معروفة في حينه.
10- ان بقاء تعايش الآلية القديمة في إجراءات تسجيل معاملات نقل الملكية جنباً الى جنب مع الآلية الجديدة التي نص عليها التعديل الثاني أدى الى الإرباك والتخبط وعدم الدقة، إضافة الى المخالفات القانونية التي فرضها واقع التطبيق العملي والمطلوب من القائمين على دوائر التسجيل العقاري التفكير جدياً بضرورة معالجة الوضع الحالي والتأكيد على استكمال إجراءات مشروع قانون التسجيل العقاري الجديد الذي تم إعداده من لجان ضمت العديد من المختصين في الملكية العقارية من قضاة وموظفين، إضافة الى انجاز تدقيقه في مجلس شورى الدولة من الناحية الموضوعية والشكلية.