Monday 11 June 2012
متجر «ماكسي مول» يبقى مفتوحا حتى منتصف الليل.. والمتبضعون من السنة والشيعة يشعرون بالأمان
أسوشيتدبرس: مآسي «شارع الموت» انتهت فـي الأعظمية
بغداد – جريدة العالم
يعدّ افتتاح متجر لبيع ملابس حفلات، وبدلات رجالية مستوردة وعطور من ماركات معروفة، بالنسبة لأهل الأعظمية، التي كانت في السابق من أكثر أحياء بغداد عنفا، علامة على أن مستقبلا أفضل قد يكون ممتدا أمامهم، كما وصفت وكالة (اسوشيتدبرس) المدينة في تقرير لها.
كانت الأعظمية قبل خمس سنوات فقط مكانا مرعبا. فجثث الشيعة والسنة المذبوحة في قتل طائفي يحدث يوميا تقريبا، ملقاة على الأرصفة أو مرمية في أكوام القمامة، حتى أطلق على أحد شوارعها تسمية "شارع الموت". كان السكان الخائفون يقبعون في بيوتهم، وكانت دورية مشاة أميركية فقدت في الاعظمية 13 رجلا، في عمليات قنص وقنابل طريق، خلال أكثر الفترات دموية من العام 2006 و2007.
والآن يبقى متجر (ماكسي مول)، بواجهته الزجاجية وطوابقه الخمسة، فاتحا أبوابه حتى منتصف الليل، ويتسوق منه شيعة وسنة جنبا الى جنب. ومع أن الأعظمية منطقة سنية في غالبيتها الساحقة، يقول مندوبو مبيعات المتجر، إن كثيرا من زبائنهم يأتون من المناطق الشيعية المحيطة بها، تجتذبهم الشاشات الملونة والجو المكيف الذي يشكل ملاذا هادئا من حرارة بغداد وطقسها المغبر.
مراكز التسوق متعددة الطوابق ما زالت شيئا نادرا في بغداد، والـ 3 ملايين دولار التي استثمرها مالكو (ماكسي مول) الاتراك الذي افتتح في نيسان، تظهر كعرض ثقة بمستقبل الأعظمية.
تقول أم زيد (45 عاما)، التي تتطلع للبضائع مع اطفالها الثلاثة، ان "الارهابيين فشلوا، وبغداد تتحول الى مدينة حياة بدلا من ان تكون مدينة موت"، وتضيف "لم يعد هناك خطر من أن أخرج مع أطفالي الى الشوارع والمحال"، لكن كثيرين يخشون أن الهدوء لن يدوم.
كان السنة، هم الجماعة المهيمنة في عهد حكم الديكتاتور المخلوع صدام، والان يشعرون أنهم عرضة لأهواء حكومة نوري المالكي التي يهيمن عليها الشيعة، وقد اتهم بتأجيج التوترات عبر تهميشه شركاءه في الائتلاف الحكومي من السنة والاكراد.
وبوصفها معقلا سابقا لأنصار صدام ومركز فخر السنة، تشعر الأعظمية بنحو خاص بأنها مكشوفة، كما يقول داود محمد، عضو المجلس البلدي السني، الذي يوضح ان "الاعظمية ستكون هدفا وستتراجع الى الوراء"، اذا استؤنف العنف الطائفي، ويستدرك "لكن إذا حُلت المشكلة السياسية، ستشهد الاعظمية تطورا سريعا".
الوجود المكثف للجيش العراقي يعتبر استفزازا ولاسيما في الاعظمية، فالحي مقطوع عن بقية بغداد باستدارة نهر دجلة، وجدار من الاسمنت ارتفاعه 4 امتار اقامته القوات الاميركية العام 2007.
وبعد 5 سنوات، تسيطر نقاط التفتيش على حركة الدخول الى الحي والخروج منه، فيصطف خط من السيارات يدوم توقفه حتى الى ساعات. وبعض الشوارع محاطة بأسلاك شائكة وتسدها كتل كونكريت، ويراقب الجنود بسيارات الهمفي بعض البؤر الساخنة المحتملة فيها، مثل جامع ابي حنيفة، الذي ربما يعد أكثر الاماكن السنية قدسية في العراق، ومحور المسلحين في ما مضى.
في حكم صدام، كانت الاعظمية التي تسكنها طبقة متوسطة مشهورة بمطاعم الشواء التي تجتذب شيعة وسنة واكرادا على حد سواء، لإقامة ولائم شواء في وقت متأخر من الليل. وجامع ابي حنيفة مركز إقليمي شهير لدراسة الفقه السني، ويضم رفات العالم السني القدير ابو حنيفة. وأفراد من العائلة الهاشمية التي حكمت العراق لمدة زمنية قصيرة، مدفونون في ضريح بطرف الأعظمية.
في 9 من نيسان 2003، عندما كانت معظم مناطق بغداد تسقط بايدي القوات الأميركية، اختار صدام الاعظمية لتكون آخر مكان يظهر فيه، صاعدا فوق سيارة ليحث العشرات من أنصاره على مواصلة قتال الغزاة، قبل أن ينسل هو ويختفي، لكن الحي سقط بسرعة، بعد معركة ضارية، ليتحول في ما بعد الى مقر لمسلحي القاعدة.
وخلال القتال الطائفي بين الاعوام 2005 و2007، أصبح هذا الجيب السني وضواحيه، واحدا من ساحات الحرب الرئيسة لفرق الموت السنية والشيعية.
شارع عشرين في الاعظمية، القريب من مركزها، سرعان ما سمي بـ "شارع الموت" لأن أعدادا كبيرة من الجثث كانت توجد فيه، معظمها أطلق عليها النار بأسلوب الاعدام، الا ان جثثا اخرى كانت تحمل آثار تعذيب، مثل آثار دق مسامير على أجساد الضحايا. وكانت المحال تفتح لبضع ساعات فقط، وكان السكان الخائفون يهرعون للاختباء في بيوتهم قبل حلول المساء.
اللواء مايكل باكا، الذي كان يقود سرية شارلي، وهي وحدة مشاة مكلفة بمنطقة الاعظمية، قال انه عثر في أول دورية له في آب 2006، على رجل مقتول ملقى في كومة قمامة. وقال في اتصال هاتفي من افغانستان، حيث يخدم الآن، ان " قطاعي كان ينفجر مثل برق"، على خريطة عسكرية أميركية كانت تتعقب أماكن العثور على الجثث، واضاف "كانت هناك نقاط تلتهب في كل مكان"، من الاعظمية.
محمد، عضو المجلس البلدي، أشار إلى ان نحو ألف شخص من أهل الاعظمية قتلوا منذ العام 2003 وان نحو 5 آلاف آخرين هربوا، من بينهم ألفا شيعي و3 آلاف سني. وتابع ان نحو نصف الشيعة عادوا الآن، بينما الغالبية العظمى من اللاجئين السنة، وهم عموما كانوا أفضل حالا واستقروا في بلدان اخرى، بقوا لاجئين.
احمد محمد (39 سنة) وهو صاحب مكتب عقارات، هرب مع عائلته واطفاله الثلاثة الى مصر العام 2006، بعد ان تلقى تهديدا من جانب مسلحين لارتباطه باعمال تجارية مع الاميركيين. عاد احمد محمد، وهو سني، الى الاعظمية ليعمل العام 2009 بعد ان نفدت امواله، الا ان عائلته بقيت في مصر.
ويبين احمد محمد "ليس هناك سببا واحدا يجعلني متفائلا بالمستقبل"، ويضيف "ليس هناك خدمات والمخاطر كبيرة".
أما عامر الحسناوي (39 عاما)، الذي يعمل بائع اثاث وهو شيعي وأب لطفلين، غادر الاعظمية العام 2006، خشية ان تمسك به الميليشيات، على الرغم من انه كان يحمل بطاقتي هوية شيعية وسنية، يؤكد أن "جيراني السنة دفعوني الى المغادرة"، ويضيف "قلت لهم انكم لن تحموني عندما يأتي المسلحون عليَّ في الليل، او حتى لو اوقفوني وانا امشي في الشارع".
وعاد عامر اواخر العام 2007، ليلقى ترحيبا حارا من جيرانه السنة، ولفت إلى ان الوضع تحسن كثيرا، وذكر "الان هناك نوع من التعايش"، مضيفا "الناس اكتشفوا في النهاية ان القتل لن يحل مشاكلهم".
في مناطق بغداد، انخفضت مستويات العنف الى حد كبير في السنوات الاخيرة، على ان المسلحين ما زالوا يستهدفون من حين الى اخر مواقع دينية ومسؤولين حكوميين وقوات امنية بعمليات تفجير واطلاق نار. ففي وقت سابق من الاسبوع الماضي، قتل 23 شخصا في تفجير انتحاري امام مبنى الوقف الشيعي، المؤسسة التي تدير المواقع الدينية والثقافية الشيعية.
ويشكو اهل الاعظمية من ان القوات الامنية تقوم باعتقالات شاملة متكررة، وهم يعتقدون ان السنة لا يحصلون على فرص عادلة في التقديم للعمل في القطاع العام، وان الخدمات البلدية في حيّهم أسوأ من أماكن اخرى في بغداد.
ورفض الفريق حسن بيداني، وهو مسؤول امني رفيع المستوى ببغداد، الاحاديث التي تشير إلى أن القوات تتعامل مع الاعظمية بتمييز، وقال ان نحو نصف نقاط التفتيش ستزال في وقت لاحق من الشهر الحالي، بعد اكتمال مراسم زيارة الشيعة.
ويقول حامد الاعظمي (45 عاما)، وهو طالب دكتوراه في الدراسات الاسلامية يعمل حلاقا في محل ضيق في سوق شعبي مفتوح امام جامع ابي حنيفة "اريد البقاء في بلدي، لكن المستقبل غير واضح لأننا لا نستطيع رؤية بصيص أمل".
لكن محمد هاشم، وهو متحدث باسم المدينة، يختلف مع الاعظمي، حين يقول إن الخدمات سيئة في كل انحاء بغداد، وليس في المناطق السنية فقط. ومنذ الغزو بقيادة الولايات المتحدة، يعاني العراقيون انقطاع التيار الكهربائي. ويحمل سكان الاعظمية بعضا من مرارتهم الكبيرة تجاه الولايات المتحدة.
محمد، عضو المجلس البلدي، ذكر انه قال بصراحة لمسؤولين اميركيين، خلال زيارة قام بها وفد من الاعظمية الى واشنطن العام 2008 "انكم دمرتم البلد والناس تكرهكم".
ومع ذلك، يقول اهل الاعظمية ان الجنود الاميركيين بذلوا عموما جهودا لتجنيب المدنيين في الحي اي ضرر، وهذا ربما كان له الاثر الجيد عندهم، واسهم في تحسن الامن تدريجيا منذ العام 2008.
الرائد سيسل ستركلاند، الذي تولى قيادة سرية شارلي في اذار 2007، أعرب عن اعتقاده بأن وحدته، التي فقدت 13 جنديا على مدى 15 شهرا، خدمت بمثابة حافز للتحول في المدينة.
وقال في اتصال هاتفي من كولورادو سبرنغز "اعتقد اننا لم نضيع وقتنا"، مضيفا "اود ان أعتقد ان بعضا من هذا الامل، قد اتى بثماره".