نسبه

هو العلامة آية الله محمد حسين الطباطبائي (1321- 1402 هـ)، ويرجع نسبه من جهة أبيه إلى الإمام الحسن بن علي عليه السلام، ومن جهة أمه إلى الإمام الحسين بن علي عليه السلام.


ولادته

وُلد السيد الطباطبائي في التاسع والعشرين من ذي الحجة سنة 1321هجرية/ 1862ميلادية، في مدينة تبريز في إيران.


نشأ السيد الطباطبائي وترعرع في أسرة عريقة بالعلم والثقافة. يتصّل نسبه إلى السيد الجليل مير عبد الوهاب الذي تقلّد منصب "شيخ الإسلام" في أذربيجان قبل ظهور السلسلة الدولة الصفوية.


حياته ودراسته:

فقد العلاّمة أمه وهو في الخامسة من عمره، وفقد أباه في التاسعة من عمره. ولم يكن له إلا أخ واحد، وهو السيد محمد حسن . وحفاظاً على حياتيهما من التداعي، تابع وصيّهما رعايتهما، واستخدم لأجل ذلك خادماً وخادمة، أشرفا بشكل مستمر على أمورهما بدقة حتى كبرا.


تعلّم السيد في المدرسة في تبريز القرآن والأدب الفارسي والرياضيات، وتابع دراسته في الجامعة الإسلامية في تبريز حيث تعلّم الصرف والنحو والمعاني والبيان والفقه والأصول والكلام. ولم يترك شيئاً من العلوم الرائجة يومذاك إلاّ وقد انتهل منها حتى درس الخط واستغرق جميع ما درسه من الآداب والسطوح العالية تسع سنين ونال منها حظاً عظيماً.


سنة 1344هـ، وبغية إكمال دراسته، انتقل السيد الطباطبائي إلى النجف وأمضى فيها أحد عشر عاماً منشغلاً بالدراسات الفقهية والأصولية والفلسفية والعرفانية والرياضية.


وبسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، اضطر السيد الطباطبائي إلى مغادرة النجف والعودة إلى مسقط رأسه تبريز حيث اشتغل بالزراعة لمدة عشر سنوات في قرية "شادباد" التبريزية. وقام خلال هذه الفترة بتأليف رسائل عرفانية وفلسفية، منها "الإنسان قبل الدنيا" و"الإنسان في الدنيا" و"الإنسان بعد الدنيا"، والرسائل الأربع وغيرها من الرسائل. وبسبب الاضطرابات التي حدثت في محافظة أذربيجان، توجّه العلامة الطباطبائي إلى مدينة "قم" المقدسة سنة 1364هـ، وظلّ يعيش فيها ما يقارب 35 سنة، حيث درس علم التفسير والفلسفة والعلوم العقلية. ومنذ سنة 1368هـ، شرع بتدريس الأخلاق والعرفان، ثم قام بعدها بتدريس رسالة السير والسلوك المنسوبة للسيد بحر العلوم. وتخرّج على يده جيل كبير من أكابر الحوزة وعلمائها وهم بين مفسِّر لكتاب الله العزيز وحكيم وأخلاقي...


وفي آخر أيام حياته اختار الإقامة في دماوند طهران حيث أدخل المستشفى للمعالجة. وبعدها اشتدّ عليه المرض إلى الدرجة التي لم يعد ينفع معها العلاج الطبي فرجع إلى "قم" وتوفي فيها في الثامن والعشرين من محرّم الحرام سنة 1402هـ.



عطاؤه العلمي:

كان العلاّمة الطباطبائي فيلسوفاً وحكيماً، وكان أستاذاً موهوباً كرّس معظم حياته لتعليم المعارف الإسلامية الحقّة. أعطى دروساً في الفلسفة في المدرسة الحجّتية في مدينة "قم"، كما أعطى دروساً في الفلك وتفسير القرآن الكريم، وفي الأخلاق والسير والسلوك.


كان أستاذاً في علم الهيئة القديمة إذ كان لديه اطّلاع بعلوم الجبر والمقابلة والهندسة الفضائية والمسطّحة والرياضيات الاستدلالية. كما درّس الأدب العربي وعلم المعاني والبيان والبديع.
أما في الفقه والأصول، فقد كان أستاذاً صاحب ذوق فقهي قريب للواقع. ورعم أهليّته للمرجعية لم يكتب رسالته العملية إذ إنه تفرّغ للعلوم الحكمية والمعارف الربانية.


كما كان للعلاّمة الطباطبائي محادثات مع الأستاذ هنري كوربان الذي كان يقصده خصيصاً ثم ينشر هذه المطالب العلمية في أوروبا باللغات الأربعة: الفارسية والعربية والفرنسية والإنكليزية. وكان يشارك الأستاذ كوربان الأستاذ حسين نصر في حواراته مع العلاّمة حول نصوص عرفانية وصوفية إسلامية وكذلك مباحث ودراسات مقارنة مع التصوُّف الصيني واليوبانيشاو وإنجيل يوحنا وغيرها...


كتبه:

لقد كتب العلاّمة الطباطبائي في مجال الفلسفة والتفسير، وخطّ العلاّمة أكثر كُتُبه في النجف. من أبرز كتاباته:


أصول الفلسفة والمذهب الواقعي، وهو عبارة عن مجالس علميّة عقدها العلاّمة في البحث المقارن بين فلسفة الشرق والغرب. وقد نُشر في خمس مجلدات مع تعليقات وشروحات تلميذه الشهيد مطهري.


حاشية على كتاب "الأسفار الأربعة" لصدر المتألهين، والذي درّسه رغم الصعوبات التي واجهته أثناء تدريسه.

بداية الحكمة، وهو كتاب ألّفه للمبتدئين في دراسة الفلسفة.
نهاية الحكمة، وهو كتاب دراسي جامع للمسائل الفلسفية.
الرسائل التوحيدية، وهي رسائل ثلاث في طبيعة الإنسان قبل الدنيا، وفي الدنيا وبعد الدنيا.
الرسائل السبع، وهو مجموعة تحتوي على رسائل فلسفية وهي البرهان، المغالطة، التركيب، التحليل، الاعتباريات، المنامات والنبوات، القوة والفعل.


ومن أهم أعماله ذات القيمة العالية وتُعتبر زبدة وخلاصة دراساته القرآنية "الميزان في تفسير القرآن" في عشرين مجلداً. وقد ترجم إلى الفارسية وإلى لغات أخرى.

وله أكثر من أربع وأربعين عنواناً، أبرزها بالإضافة إلى ما ذُكر:
حاشية الكفاية.
رسالة الولاية.
رسالة التشيُّع.
رسالة محمد في المنهج الإسلامي.
تعليقة على كتاب أصول الكافي.
رسالة في العشق.
رسالة في الحكومة الإسلامية.
الوحي.
رسالة في الصفات.
رسالة في البرهان.
علي والفلسفة الإلهية.
القرآن في الإسلام.
أصول العقائد.
أصول الفلسفة المادية.
تعليقة على كتاب الأصول.
سنن النبي.

كما أنّ له كتابات شعرية في اللغة الفارسية والعربية.

منهجه العلمي والتفسيري:

لقد كان العلاّمة مفكِّراً وفيلسوفاً وحكيماً متألِّهاً، لم يكن ليمرّ على المطالب العلمية بسهولة، فإذا لم يصل إلى عمق المطلب ويكشف جميع جوانبه لم يكن يرفع عنه أبداً، إذ كان ميّالاً بفطرته إلى التفكير في المسائل الكليّة العائدة إلى الكون وقوانينه، فأحاط بالمناهج الفلسفية المختلفة.
لم يكن يخرج عن دائرة البرهان في الأبحاث الفلسفية، ولم يخلط بين المسائل الفلسفية والمسائل الشهودية والعرفانية والذوقية.


كان يحرص كثيراً أن ينحصر البحث في كل فرع من العلوم حول مسائل ذلك العلم وموضوعاته وأحكامه دون الخلط بين العلوم.

كان السيد الطباطبائي مفكراً كبيراً وكان لتفكيره أبعاد مختلفة، في التفسير والفلسفة كما في العرفان والأخلاق. وبلغ القمة في دراسة العرفان النظري ولكنّه ضمّ إليه العرفان العملي بتهذيب النفس والتقوى. فكان جامعاً بين العلم والعمل، فقد كان ضليعاً بالعلوم النظرية في الوقت نفسه الذي كان حريصاً على مراقبة نفسه وتربية طلابه.


أما بالنسبة لمنهجه التفسيري، فقد اعتمد منهج تفسير الآيات بالآيات، فجعل أساس تفكيره رفع إبهام القرآن بالقرآن. وقد صرّح أن هذا الأسلوب هو أسلوب أستاذه الميرزا علي القاضي. وكان العلامة الطباطبائي بعدما ينتهي من تفسير الآيات يعقبها ببحوث إجتماعية وفلسفية وأخلاقية وتاريخية. وقد خدم تفسير "الميزان" الحديث، فعرض قسماً من الأحاديث الواردة حول الآيات على القرآن الكريم وفصل الموافق عن المخالف.


وقد حظي العلامة الطباطبائي بمنزلةٍ رفيعةٍ عند كثير من علماء عصره ومراجعه، لاسيما السيد البروجردي، مرجع الطائفة آنذاك، الذي كان يشيد بتفسير الميزان ويحرص على قراءة أجزائه التي تُطبع تباعاً.


وفاته:

توفي العلامة الطباطبائي (قده) في الثامن والعشرين من محرّم الحرام سنة 1402هـ، ودفن بجوار مرقد السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام). وقد كانت آخر كلماته التي ما فتئ يردّدها قبل أن يُسلِّم الروح: "أنا محتاج، أنا محتاج، أنا محتاج...".