باستقراء الوثائق السياسية التي صدرت عن الإمام الجواد عليه السلام (الرسائل والاحاديث) والمواقف التي صدرت عن السلطة العباسية تجاه الإمام ودراستها وتحليلها، نستطيع ان ندرك أن الإمام الجواد عليه السلام، كان يمارس نشاطه السياسي في خفاء.
كان عليه السلام له مقام قيادي عميق الأثر في وجدان الأمة ووعيها. وحفظت لنا كتب التأريخ والحديث والرواية والسيرة بعضا من الرسائل الوجّهة من الإمام محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، إلى اصحابه وأتباعه ووكلائه، والتي تكشف برضوح النشاط السياسي الخفي للإمام الجواد ولأصحابه الذين أحاطوه. فقد كانت السلطة العباسية تلاحق مثل هذا النشاط وتسعى بشتى الوسائل لايقافه، إلا أنه في المقابل كان الإمام عليه السلام وأتباعه يواصلون العمل في الأمة بمختلف الوسائل بغية تعريفها بدينها ومعالم رسالتها وعدم انحرافها وانسياقها مع مخططات السلطة في القمع والفساد والتضليل.
اما عن موقف السلطة من الإمام عليه السلام، فان دراسة وتحليل الخليفتين العباسيين المأمون والمعتصم، من الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام، يشير بوضوح إلى أهمية شخصية الإمام (ع) القيادية وموقعه الرفيع في النفوس وميل الأمة إليه باعتباره الرمز المثّل لإمامة أهل البيت في تلك المرحلة.
لذلك نجد المأمون العباسي يستقدم الإمام الجواد عليه السلام من المدينة المنورة سنة 211 هـ ويقوم بتزويجه من ابنته أمّ الفضل، ويدخل في نزاع مع أعمامه بني العبّاس بسبب ذلك التزويج، في محاولة منه لاستيعاب موقف الإمام الجواد عليه السلام وضمّه إلى حاشيته واحتواء حركته الجماهيرية في المجالين الفكري والسياسي.
لكن الإمام عليه السلام كان على العكس من ذلك، كان يرفض البقاء في بغداد، ليكون بعيدا عن حصار السلطة ومراقبتها، ويعود إلى المدينة المنورة، ليسقط الخطة، ويحقق الاهداف المرتبطة به كإمام للأمة ورائد من رواد الشريعة.
بعد موت المأمون جاء المعتصم للسلطة، فكان كأسلافه العباسيين على خوفه من إمامة أهل البيت عليهم السلام ومكانتهم العلمية والسياسية، فاستدعى الإمام الجواد عليه السلام من المدينة المنورة الى بغداد عام 219هـ خوفا من تألق نجمه واتساع تأثيره أكثر وليكون على مقربة من مركز السلطة والرقابة ولعزله من ممارسة دوره العلمي والسياسي والشعبي.
وفعلا تم استقدام الإمام الجواد عليه السلام من المدينة المنورة إلى بغداد، ولم يبق في بغداد إلا مدة قصيرة حتى استشهد سنة 220هـ بدسية حاقدة خبيثة، فقد استغل المعصتم ام الفضل لتنفيذ هذه الجريمة النكراء.
اما بالنسبة الى عمر الإمام الجواد عليه السلام، فقد قضى نحبه مسوما فكان خمسا وعشرين سنة على ماهو المعروف، وهو أصغر الائمة الاثنى عشر عليهم السلام سنا، وقد امضى حياته الشريفة في سبيل عزة الإسلام والمسلمين ودعوة الناس إلى رحاب التوحيد والايمان والتقوى ومقارعة الظالمين والطغاة.
واستشهد الإمام الجواد عليه السلام في بغداد، يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي القعدة وقيل لخمس بقين من ذي الحجة وقيل في آخر ذي القعدة. ودفن في مقابر قريش مع جدّه الإمام موسى بن جعفر عليهم السلام.
في بعض ما جاء عن أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام من الواعظ والحكم والآداب قال عليه السلام:
* المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيقٌ من الله وواعظٌ من نفسه وقبولٌ ممّن ينصحه.
* من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه. من هجر المداراة قارنه المكروه. من لم يعرف الموارد أعيته المصادر. من انقاد إلى الطمأنينة قبل الخبرة فقد عرّض نفسه للهلكة والعاقبة المتعبة
* راكب الشّهوات لا تستقال له عثرة. إيّاك ومصاحبة الشّرير فإنّه كالسّيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره. كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة. عزّ المؤمن غناه عن النّاس.
* العامل بالظلم والمعين له والراضي شركاء.
من استحسن قبيحاً كان شريكاً فيه.
* كفر النعمة داعية للمقت ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك اكثر ممّا أخذ منك.
* موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل.
(محمد بسطامي)