نشر الحساب الخاص لأمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي سلمان رسالة خاصة على لسانه موجهة لابنته "نبأ" ذات السبع سنوات، يحاول من خلالها الإجابة على سؤال طالما لازم ابنته ويحيرها: لماذا سجن أبي؟.
وأوضح سلمان في رسالته المنشورة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أنه كان يحتفل مع ابنته بعيد ميلادها السابع عندما سمعوا طرقات الشرطة على باب البيت، قبل أن يتم اعتقاله وسط خوف طفلته وتعهده لها بالعودة لفتح الهدايا معاً.
وقال سلمان مخاطباً طفلته نبأ: "أنا في السجن لأن أطفالاً كثيرين غيرك، لا يتاح لهم أن يفتحوا هدايا عيد ميلادهم مع آبائهم، بل لا يتاح لهم حتى أن يفتحوها وحدهم، وبعضهم لا يحصل عليها"، وأضاف "أنا في السجن لأني أحبك و أريد أن أحميك. كي لا يؤذيك أحدٌ بكلمة، أو أن يحرمك من حقك كمواطنة كاملة الحق في وطنك. كي لا يهدّد حريتك أحد أو يصادرها أو يسجنك أو يسجن أباك أو أخاك أو زوجك أو ابنك، فقط لأن له موقفاً سياسياً أو رأياً معارضاً للحكم". ووجد من الصعوبة أن تفهم طفلته الأسباب التي كتبها لها حول وجوده في السجن الآن، لكنه أعقب: "حتماً ستفهمينه بعد سنوات قليلة من الآن، ستدركينه أسرع مما تتصورين"..
وفيما يلي نص الرسالة التي كتبها الشيخ سلمان لطفلته "نبأ" كاملة، وفقا لـ«مرآة البحرين»:
إلى ثمرتي فؤادي، ابني الحبيب مجتبى وابنتي الحبيبة نبأ..
تعلمان يا سرور قلبي أنني أحبكما كثيراً كثيراً، وأشتاق لرؤيتكما، وأحلم بمستقبلكما الذي أتمناه..
اسمح لي يا ولدي الحبيب مجتبى أن أخاطب أختك الصغيرة في هذه الرسالة، أجيب على سؤال يراود خاطرها البريء: لماذا سجنت يا أبي؟ فهي لا تدرك ما أصبحت تُدركه أنت من واقع نعيشه..
ابنتي الحبيبة نبأ..
في ذلك اليوم كنتِ تطفئين شمعتك السابعة. بيتنا الدافئ يضج بضحكاتك البريئة؛ تمر في كل زاوية من زواياه فتلونها. ما زلت أذكر كيف التقطنا معاً الصور التذكارية، وأنتِ تتأكدين أن عدد الشموع لم تخطئ سنة من عمرك الذي أقيسه بعمر الوطن منذ لحظة 14فبراير. أذكر أيضاً تلك النظرة الفزعة التي ارتسمت على وجهك وأنت تسمعين الطرقات القوية ترطم باب بيتنا، ودموعك وأنت تقولين لي لم تأتِ الشرطة إلى بيتنا في يوم ميلادي يا بابا؟ نحن حتى لم نفتح الهدايا بعد.. ماذا يريدون؟ وعندما ودّعتك ذاهباً، أخذتِ عهداً علي أن أعود لنفتح هداياكِ الجميلة في المساء، ولتنامي في حضني كما كل ليلة، وما زال وعدي ووعود آباء أطفال آخرين معلقة بين بحرين، بحر الأرض وبحر السماء، وما زالت هناك الكثير من الهدايا تنام في العتمة..
حبيبتي نبأ..
تعلمين يا صغيرتي أنني لا أريد أن أفارقك وأذهب إلى السجن. لكن الحكم أودعني السجن دون رغبةٍ مني. لماذا أودعني السجن؟! تلك قصة آمل ان أحكيها لك لاحقاً كاملة، قد يمنعك صغر سنك من فهم كل ما سأقوله الآن، لكن حتماً ستفهمينه بعد سنوات قليلة من الآن، ستدركينه أسرع مما تتصورين.
ما أستطيع أن أقوله لك الآن، أنني في السجن لأن أطفالاً كثيرين غيرك، لا يتاح لهم أن يفتحوا هدايا عيد ميلادهم مع آبائهم، بل لا يتاح لهم حتى أن يفتحوها وحدهم، وبعضهم لا يحصل عليها.
آباء كثيرون كتبوا إلى أطفالهم، لست الوحيد الذي أكتب إليك. بعضهم كتبوا رسائلهم على شكل أبناء يذهبون إلى ساحة الحرية ويرتفعون إلى الله شهداء. وبعضهم يكتبون رسائلهم على شكل أبناء يذهبون إلى دوار اللؤلؤة ولا يعودون، وبعضهم يكتبون إلى أبنائهم الصغار عبر أبنائهم الكبار الذين يقضون في السجن ربيع أعمارهم. وأنا أكتب إليك رسالتين، هذه الرسالة، ورسالة أخرى في شكل أب يعتقل ليلة ميلاد ابنته، ويفقدان متعة فتح صناديق الهدايا معاً.
يوماً ما، ستكون هديتي إليك وطن هداياه مفتوحة لكل أبنائه من غير تمييز.
ابنتي الحبيبة نبأ..
لا أعرف كم ستمضي علي من السنوات في السجن قبل أن أخرج وأعانقك في الضوء مجدداً. لكن ما أريدك أن تعرفيه الآن أني في السجن لأني أحب رؤية الشمس وهي تشرق على بلدي وتنير ظلامها، أحب أن تكون بلدي مشرقة ومزدهرة. الشمس نعمة كبيرة خلقها الله للناس جميعاً، ولا يمكن لأحد أن يستأثر بها أو يتملكها ويمنع الآخرين عنها، ولا يحق لأحد أن يحجب عن أحد نور الشمس بسجنه ومنعه عنها، تماماً كما الوطن، هو نعمة من الله، وهو ملك للجميع، وحق للجميع، وخيره مكفول للجميع دون إثرة أو تمييز.
أنا في السجن لأن البحر الذي أعرف أنه يقع خلف هذا المبنى الذي أسجن فيه، من دون أن أتمكن من رؤيته، هو واحد من الأشياء الفاتنة التي تميّز جزيرتنا الصغيرة الجميلة، لكن الناس لم تعد تصل إليه اليوم، والأطفال الذين هم في مثل عمرك أو أكبر قليلاً لا يستطيعون السباحة فيه أو اللعب على سواحله الجميلة كما كنا نفعل صغاراً. لقد صار البحر ملكاً لفئة من الناس وليس لكل الناس. البحر كما الوطن هو نعمة وهبها الله للناس، وهو حق لكل الناس الذين يعشقونه دون تخصيص أو تمييز.
حبيبتي نبأ..
أنا في السجن لأني أحبك و أريد أن أحميك. كي لا يؤذيك أحدٌ بكلمة، أو أن يحرمك من حقك كمواطنة كاملة الحق في وطنك. كي لا يهدّد حريتك أحد أو يصادرها أو يسجنك أو يسجن أباك أو أخاك أو زوجك أو ابنك، فقط لأن له موقفاً سياسياً أو رأياً معارضاً للحكم.
أنا في السجن لأني أحاول أن تكون أمّك "علياء" آمنةً في بيتها، آمنة على نفسها وعليك وعلى أختك سارة، أن لا تشعر بالخوف والقلق على أحد منكم الآن أو غداً.
انا في السجن لأني أريد لك أن تتعلّمي أحسن تعليم في المدارس العامة، وتفتخري بنفسك ووطنك.
أنا في السجن لأني أريد أن أضمن لك فرصة في بعثةٍ مناسبة أو منحةٍ دراسية حين تتخرجين من الثانوية العامة وتكوني واحدة من أولئك المتفوقين المستحقين لهذه المكافأة. أن تكون فرصتك محكومة باستحقاقك الدراسي لا وفق طائفتك أو موقفك السياسي.
نا في السجن لكي تحصلي أنت وأختك "سارة" على عملٍ يتناسب مع شهادتيكما حين تكبران وتتخرجان من دراستكما الجامعية.
أنا في السجن يا حبيبتي الغالية من أجل مستقبلك ومستقبل "سارة" ومستقبل كلّ البنات والأولاد الذين في مدرستك وفي عمرك، وكلّ صديقاتك، وكل أطفال البحرين.
أنا في السجن لأن هناك من يسلبكم الفرح، وأنا أريد لكل طفل في البحرين أن يكون فرحاً، ويكون والداه مطمئنين على مستقبله.
أنا في السجن لأني أحبّ الله وأحبّ عباد الله وأحب خدمتهم، ولا أرضى بظلمهم.
حبيبتي نبأ
ما زلت تسألين كيف تكون هذه الأمور سبباً في سجني؟ باختصار، أنا أحاول ان أصلح الأمور الخطأ في وطننا. لعلك تسألين - ببراءتك و فضولك - وما الأشياء الخطأ في وطننا؟ تلك أمورٌ كثيرة يا ابنتي العزيزة .. سأسرد لك أهمّها، وأعلم أنك لن تفهميها الآن..
1- استئثار قلة من الناس من قبيلة واحدة بالتصرف في شؤون البلاد والعباد، وتهميش بقية الشعب من المشاركة الفعلية في صناعة القرار السياسي والتأثير في واقع البلاد. من الصعب عليك أن تفهمي ذلك الآن يا حلوتي، سأحاول أن أشرح لك أكثر عندما أراك.
2- وجود فقراء كثيرين في بلادنا، بسبب أن المنتفعين والاستغلاليين أخذوا مالهم المفترض أن يكون لهم، واستأثروا لنفسهم على حساب الشعب الفقير.
3- ولوجود أخطاء كبيرة، أبرزها التمييز بين الناس على أساس القبيلة والطائفة، وانتشار الفساد الإداري والأخلاقي، بسبب سيادة الحكم والفشل في تنويع مصادر الدخل، وزيادة الدين العام، و تدني الخدمات العامة في الصحة والتعليم، والطرق والحدائق والبنية التحتية، وانتشار البطالة وتدني الدخل الفردي والواقعي، وغياب حرية التعبير وحرية الإعلام وحرية الحصول على المعلومة، وحرية تكوين الجمعيات، وحرية تكوين الأحزاب السياسية، وعدم وجود التداول السلمي للسلطة، وعدم استقلال القضاء، وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان، وتسلّط الدولة على المجتمع المدني ومؤسساته.. و.. و.. و.. و..
أعلم أن ما قلته صعبٌ عليك، أليس كذلك؟ اعتبري أن هذه رسالة أخرى لك حين تكبرين، حين تبدئين سنواتك الأولى في المدرسة ستكتشفين بعض ما سأقول، وحين تصلين إلى المرحلة الجامعية، سيكون كل ما أقوله واضحاً في اللحظة التي تبحثين فيها عن بعثة دراسية لتخصص تستحقينه، أو وظيفة تطمحين إليها، أو حياة كريمة ترغبين بالعيش فيها.
حين تضيق بك الأمور ارجعي لرسالتي هذه، فربما لا أكون معك حينها، قد أكون ما أزال في السجن، وقد يكون شيء آخر لا أعلمه الآن.
حبيبتي نبأ..
ادعي الله بأن أخرج من السجن وأعود إليك، ادعي أيضاً أن يفرّج الله عن جميع المعتقلين في وطننا الحبيب، فدعاء الطفل وحده يصل بحر الأرض ببحر السماء، والله يحب أن يهدي الأطفال هدايا تفرح قلوبهم، هدايا ليس لأحد أن يسلبها منهم، ولا يمنعهم من فتحها في يوم ميلادهم..
أحبكم يا أبنائي.. مجتبى ... نبأ... سارة..
وإلى لقاء يكون فيه الجميع سعداء .


http://www.alalam.ir/news/1738573