في إحدى ليالي الربيع الهادئة خرجت مع بعض الأصحاب لرحلة في بحيرة قريبة.. كان القمر بدرا وانعكاسه في الماء جعل من سحر الليل يزيد أضعافا… كل شيء حولنا كان مثاليا.. سكون الليل.. نسيم الربيع.. ضوء القمر.. سافرت في عالمي الخاص.. شعرت بأني وحدي تماما وكأن لا أحد سواي في القارب.. مع أني رافقت أصدقائي إلا أني لم أعد أراهم.. كانت أجسادهم معي لكنهم في مكان آخر تماما.. كانوا في مكان ما في الماضي والمستقبل دون المرور أبدا بهذه اللحظة الرائعة.. ثم فجأة سألني أحدهم: “هل تؤمن بوجود الله؟”
تأملت قليلا في السؤال وتلعثمت بالكلمات وكأنها لا تريد كسر السكون وجمال المكان.. كيف يمكن الحديث عن الله لشخص لا يمكنه الإحساس بهذه النعم والأجواء؟..
الحياة هي الألوهية.. من يستطيع عيش الحياة بإمكانه اختبار الألوهية.. لذلك أجبتهم: “أصدقائي: هل هذه هي البحيرة؟ هل هذا هو القمر؟ هل نحن في الليل؟”
بالطبع أجاب الجميع بصوت واحد: أجل بالتأكيد..
ثم تابعت: أنا نفسي أستطيع أن أقول ذلك.. ليس لدي أي شك، فقد كنت حاضرا مع المياه والقمر والنسيم.. كنت هنا والآن أما أنتم فكنتم تسبحون مع أفكاركم في مكان بعيد.. الألوهية موجودة هنا.. أما أنتم فموجودون في جميع الأزمان إلا في الآن.. فكيف ستتمكنون من الإحساس بالألوهية؟ دعوني أجيبكم بقصة قصيرة:
في إحدى المرات تجمع بعض طالبي العمل أمام واحدة من الدوائر الرسمية بانتظار نتيجة مقابلاتهم.. كان المنصب الشاغر عملا في مجال الشبكات اللاسلكية وهو يتطلب إصغاء وانتباها شديدين.. بينما الجميع بالانتظار بدأوا يتبادلون الأحاديث وانشغلوا عن المكان إلا شخصا واحدا بقي جالسا في زاوية ينتظر بتمعن وانتباه.. بعد فترة انتبه الجميع إلى ذلك الشخص وهو يخرج من غرفة المدير حاملا معه عقد التوظيف.. فاستغرب الجمهور وتململ، فكيف يمكن لذلك الشخص الذي أتى متأخرا أن ينال عقد العمل بينما هم بالانتظار منذ ساعات الصباح.. بالطبع سأله الجميع ذلك ظنا أن خلفه واسطة جعلته ينعم بهذا المنال.. إلا أنه أجابهم ببساطة وقال: بينما أنتم مشغولون بالحديث، التقطت موجات لاسلكية تقول بأن من يسمع هذه الموجات بامكانه التوجه إلى الداخل والحصول على عقد العمل.. سيكون العقد موقعا بانتظارك دون أي اجراء أو اختبار.. فالعمل يتطلب انتباها شديدا ووحده من يسمع هذه الكلمات سيتمكن من الحصول على العمل..
جميع الموجودين كانت لديهم فرصا متساوية، إلا أن الانشغال عن اللحظة جعلهم يخسرون هذه الفرصة الذهبية.. نفس الأمر تماما يحدث مع رسائل الله إلينا.. هو ينادينا في كل لحظة ومكان.. لكننا لا نصغي أبدا.. مشغولون بهموم ومتاعب الحياة دون ادراك ما يفوتنا من نور و سلام.. فلنترك الأفكار ونصغ لصمت القلب وسكون الأكوان… هناك نداء الله لنا.. ينتظر فقط أن نصغي ونسمع النداء.. فهل من مجيب ؟