الامتحان
يقول إلامام النفَّري : إن الجسد حقيقة فانية وإنه ثوب ابتلاء خلقه الله لامتحان الروح.
والصفة البشرية بما فيها من شهوات أهواء ورغبات ونزوات هي الأخرى ابتلاء وامتحان لتَوِجُّه الروح والنفس.
لا وجود للصفة البشرية بالأصالة إنما هي الإغراء الذي تختبر به النفس وتعرف به رتبتها ودرجتها.
هل تدرك الروح نسبتها إلى الله وتتوجه إليه بكل حبها وشوقها أم يجرها الجسد إلى إلى شهواته ؟! هل تدرك النفس أنها مخلوقة وأنها مسئولة أمام ربها عما تفعل ؟!
هنا الامتحان
يقول له الله في مخاطباته:
إنما أظهرت الشهوات سترأً وحجاباً عليك لامتحان توجهك..
ولو أنك رأيت نفسك كما ترى السموات والارض لرأيت الذي يشهدها منك هو أنت بلا شهوة ولا رغبة.
فلامتحاني لك ابتليتك بشهوة لا تثبت في حكمك ولا تقوم في مقامك..فصفتك البشرية هي التي تميل وهي التي تهوى وهي التي تشتهي ولكنك أنت لا تميل ولا تهوى ولا تشتهي.
أنت من وراء ستر الشهوات ومن وراء حجاب الصفة البشرية روح مبرأة عن الشهوة, عالية على الصفة البشرية لا تميل ولا ترغب.
ويقول له في مكان آخر :
يا عبد جعت فأكلت ما أنت مني ولا أنا منك عطشت فشربت ما أنت منى ولا أنا منك ( والمعنى المقصود ان مغالبة العبد لطبعه هي الدليل على معرفته لنفسه و إدراكه شرف نسبه باعتباره روحاً تمت إلى الله وليس جسداً ينتسب إلى التراب)
وفي القرآن يقول طالوت لجنوده
( إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ)
والذي اغترف غرفة بيده هو الشارب على قدر الكفاف
وهنا حكمة الصوم... فهو إعلان الروح عن نفسها وعن قدرتها على قمع الجسد الذي ابتليت به والصائم برفضه الطعام يكون قد عرف نفسه ورد لها اعتبارها بصفتها روحاً لا تأكل ولا تشرب
يقول الله لعبده :
خلقتك لي .. لجواري ..لتكون موضع نظري ومحل عنايتي
وبنيت حولك سداً من كل جانب غيرة عليك .
ثم أردت أن أمتحنك ففتحت لك في السد أبواباً بعدد ماخلقت وبعدد ما أبديت من جواذب الاغراء.
وخارج كل باب زرعت لك شجرة وعين ماء باردة وأظمأتك وحلفت بآلائي ما انصرفت عني خارجاً لتشرب إلا ضيعتك , فلا إلى جواري عدت ولا على الارتواء حصلت ... فقد ضللت عني ونسيت أني أنا الارتواء الوحيد والسكن الوحيد لك ... و إني أنا الله خالق كل شئ ...مني المدد وبي الحياة , كل الحياة.